بيروت، باريس، القاهرة -
«الحياة» يتهيأ لبنان لأيام حرجة على صعيد أزمته السياسية، بعد عودة رئيس
الحكومة سعد الحريري إلى بيروت لتقديم استقالته الى رئيس الجمهورية ميشال عون، إثر اجتماعه مساء أمس مع
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، خصوصاً أن هذه العودة تفتح باب البحث في معالجة الأسباب
السياسية التي أعلنها الحريري للاستقالة، لا سيما تدخلات إيران و «حزب الله» في الدول
العربية.
وفيما جاء قرار وزراء الخارجية العرب ليضع سقفاً يصعب تجاوزه
لمطالبته الحكومة اللبنانية بضبط حركة «حزب الله» الإقليمية كونه شريكاً فيها، فإنه يعيد إلى الواجهة
المطالبة العربية ومطالبة العديد من القوى السياسية اللبنانية بعودة لبنان إلى التزام سياسة النأي
بالنفس عن صراعات المنطقة، في ظل مقدار من التوتر في علاقته بدول الخليج العربي، بفعل انغماس الحزب في
عدد من الحروب الإقليمية.
وفي وقت ينتظر أن يلقي الموقف العربي بظلاله على أي
مشروع تسوية جديدة محتملة تحدد مسار تأليف الحكومة الجديدة، سواء برئاسة الحريري أم بغيره، وعلى رغم
دعوة الأمين العام لـ «حزب الله» إلى تجاهله أول من أمس، فإن ترقب موقف رئيس الحكومة المستقيل هو سيد
الموقف. فهو ترك الكلام إلى ما بعد لقائه الرئيس عون اليوم، إثر الانتهاء من مراسم الاحتفال بالذكرى
الـ74 للاستقلال، في عرض عسكري يحضره كبار المسؤولين ويليه حفل استقبال بوجود بري والحريري إلى جانب عون
في القصر الرئاسي. ورجحت مصادر مطلعة أن يعقد الحريري خلوة مع عون وأن ينضم إليهما رئيس البرلمان نبيه
بري، لبحث المرحلة المقبلة، تمهيداً لإطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المقبل كي
يؤلف الحكومة. ويحضر الحريري المناسبة وهو مستقيل بعد أن حضرها السنة الماضية كرئيس مكلف تشكيل الحكومة،
إلى جانب الرئيس تمام سلام.
وتلقى الرئيس عون أمس سلسلة من برقيات التهنئة
بالاستقلال، أبرزها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرؤساء الأميركي دونالد ترامب
(أبرق إلى بري أيضاً) والفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان.
وتمنى الملك سلمان لرئيس الجمهورية «الصحة والسعادة، وللشعب اللبناني اطراد التقدم والازدهار». كما تلقى
برقية مماثلة من ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن
عبدالعزيز.
وقال قائد الجيش العماد جوزيف عون للعسكريين في أمر اليوم
للمناسبة: «إن الأوضاع السياسية الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، تستدعي منكم التحلّي بأقصى درجات
الوعي واليقظة، والمواظبة على تدابير الحفاظ على الاستقرار الأمني، لأنّ هذا الاستقرار يشكّل قاعدةً
صلبة لإعادة إنتاج الحلول السياسية المنشودة».
وأعلن مكتب الرئيس ماكرون أمس،
أنه جدد تأكيد «ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته ومساندة سياسة لبنان بالنأي بالنفس عن أزمات
المنطقة». وأكد «أهمية أن تعمل دول المنطقة في شكل جماعي لخفض التوترات»، وأشار إلى أن ماكرون تحدث إلى
الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتانياهو.
وجددت الخارجية الفرنسية أمس دعوتها «حزب الله» إلى «التخلي عن
السلاح وإلى أن يتصرف كحزب يحترم بالكامل سيادة الدولة اللبنانية التزاماً منه بالقرارات الصادرة في هذا
الشأن عن مجلس الأمن». وأكد الرئيس الإيراني روحاني في الاتصال مع نظيره الفرنسي أمس (رويترز)، أن «حزب
الله جزء من شعب لبنان ومحبوب جداً في بلده. أسلحته دفاعية فقط ولا تستخدم إلا في مواجهة هجوم محتمل».
ونُقل عن روحاني قوله إن «فرنسا يمكنها القيام بدور مثمر، باتباع نهج واقعي وحيادي». وكان مسؤولون
إيرانيون هاجموا تصريحات فرنسية رافضة تدخلات إيران في المنطقة، وانتقدوا برنامجها للصواريخ
الباليستية.
وفي وقت توقفت مصادر سياسية عدة في بيروت أمام قول نصرالله إن
حزبه سيقوم بمراجعة الموقف بعد نجاح قواته مع الميليشيات الحليفة والجيش السوري في السيطرة على مدينة
البوكمال الحدودية بين سورية والعراق واستعادتها من «داعش»، ليقرر «إذا كانت هناك حاجة لوجود هذا العدد
من كوادره في العراق ليلتحقوا بأي ساحة أخرى»، فإن أوساطاً مقربة من الرئاسة كانت تحدثت عن إمكان انسحاب
جزء من قوات الحزب من سورية والعراق، بناء لتمنٍ من الرئيس عون، لتجنيب لبنان المزيد من الضغوط الغربية
والعربية عليه، بعد استقالة الحريري، وفي ظل الحديث الروسي عن تكثيف مساعي الحل السياسي. إلا أن قيادات
سياسية لبنانية معارضة لسياسة الحزب استبعدت ذلك، مكررة القول إن أي انسحاب للحزب من ساحات القتال ليس
قراره بل يعود إلى القيادة الإيرانية، التي تبدو متمسكة بأدواره الإقليمية طالما المواجهة مفتوحة بين
طهران وواشنطن ودول الخليج العربي.
وكانت أوساط ديبلوماسية أجنبية تساءلت أمام
بعض السياسيين اللبنانيين عما يعنيه نصرالله بالانتقال إلى ساحات أخرى، مشككة بالتلميح الذي عبر عنه
نصرالله.
وكان الحريري التقى السيسي في القاهرة بحضور وزير الخارجية المصري
سامح شكري ومدير الاستخبارات المصرية خالد فوزي ومدير مكتب الرئيس المصري اللواء عباس كامل. وتابع
الجانبان بعد خلوة بين الرئيسين، مداولاتهما حول الأوضاع اللبنانية والإقليمية إلى مائدة
العشاء.
وينظم «تيار المستقبل» الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم استقبالاً شعبياً
للحريري أمام منزله حيث تتوافد الحشود من المناطق كافة للترحيب
بعودته.
الخارجية الفرنسية: تدخل «حزب
الله» في سورية خطر
جددت باريس أمس، دعوتها «حزب الله» إلى «التخلي عن
السلاح وإلى أن يتصرف كحزب يحترم بالكامل سيادة الدولة اللبنانية التزاماً منه بالقرارات الصادرة في هذا
الشأن عن مجلس الأمن».
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنياس
روماتي إسبانيي، إن استقرار لبنان «يقتضي أيضاً بقاء الحزب بمنأى عن التوترات في المنطقة، ونعتبر
بالتالي أن تدخله في سورية خطر». وأعادت تذكير الحزب بـ «الأولوية التي توليها فرنسا للأمن على طول الخط
الأزرق الممتد على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية». وأكدت أنه «في هذا الظرف الدقيق فإن باريس تواصل
حوارها مع الأطراف اللبنانية كافة، وتحضها على التفاهم حول حسن سير مؤسسات
الدولة».
وفي لبنان، نوهت النائب بهية الحريري أمام السفير الفرنسي برونو
فوشيه بالجهود الفرنسية التي بذلت بشأن التطورات السياسية
الأخيرة.
الحريري: لبنان أولاً
وفاء لبيار الجميل
استعاد عدد من السياسيين وفي مقدمهم رئيس الحكومة
المستقيل سعد الحريري وحزب «الكتائب» الذكرى الـ11 لاغتيال الوزير السابق بيار الجميل التي صادفت
أمس. وقال الحريري: «في ذكرى استشهاد الصديق والأخ بيار أمين الجميل نكرر وفاءنا لشعاره وشعارنا،
لبنان أولاً ولن أنسى أبداً كم كنت وفياً يا بيار».
وغرد رئيس حزب «الكتائب»
النائب سامي الجميل قائلاً: «قدمت حياتك بمعركة السيادة ونحن ثابتون». فيما قال رئيس حزب «الوطنيين
الأحرار» النائب دوري شمعون: «استشهادك يا حبيبنا بيار مدماك أساسي في مسيرة بناء الدولة. مستمرون في
النضال الذي استشهدت وداني شمعون وشهداء ثورة الأرز من أجله».
وغرد الوزير
السابق أشرف ريفي عبر «تويتر» قائلاً: «استشهادك حافز لجميع السياديين في هذا الوطن للتمسك بما استشهدت
من أجله. وسنستمر حتى استعادة الدولة المخطوفة».
وقال المكتب السياسي لحزب
«الكتائب» في بيان: «في ذكرى استشهاد بيار الجميل الذي اغتالته أياد إرهابية غادرة لضرب نهضة الحزب
ودوره، يؤكد الحزب استمرار مسيرته كما أرادها في الذود عن لبنان وحريته وسيادته واستقلاله، والعمل على
إصلاح مؤسسات الدولة».
وأكد الحزب أن «الشراكة الوطنية الحقة لا تستقيم، وأن
الدولة لا تنهض، إلا متى امتلكت وحدها من دون سواها قرارها الحر، لا يشاطرها فيه أحد، تحت أي ذريعة،
وإلا تحولت إلى كيان مسلوب السيادة، كما هو حاصل اليوم، حيث يمسك حزب الله بقرار الدولة السيادي».ودعا
جميع المعنيين «في ظل الوضع الدقيق، إلى التعاطي بوطنية وحكمة ومسؤولية مع الأحداث، والإسراع في التقاط
اللحظة التاريخية لبناء دولة سيدة حرة ديموقراطية ومستقلة».
وأعاد الحزب تأكيد
تمسكه «بالحياد»، ورفضه «تدخل أي طرف لبناني في شؤون الآخرين، وتدخل الآخرين في شؤون لبنان الداخلية».
ونوه «بالزيارة التاريخية لرأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي للمملكة العربية السعودية،
واللقاءات التي عقدها مع القيادة السعودية، وانعكست ارتياحاً واطمئناناً للبنانيين، لا سيما العاملين
والمقيمين في المملكة».
خادم الحرمين يهنئ عون بذكرى الاستقلال وترامب يؤكد مواصلة دعم استقرار لبنان
تلقى الرئيس اللبناني ميشال عون برقية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مهنئاً بعيد الاستقلال الذي يحتفل به لبنان اليوم و «متمنياً لرئيس الجمهورية الصحة والسعادة، وللشعب اللبناني اطراد التقدم والازدهار».
وقال المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري إن ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع محمد بن سلمان بن عبد العزيز أعرب في برقية مماثلة «عن تمنياته للرئيس عون بموفور الصحة والسعادة، وللحكومة والشعب اللبناني المزيد من التقدم والازدهار».
وتلقى كل من عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري برقيتين من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر فيها باسم «الشعب الأميركي عن اطيب تمنياتنا لشعب لبنان».
وقال ترامب إن الولايات المتحدة «تقدر كثيراً العلاقات الثقافية والعائلية والسياسية والاقتصادية الدائمة بين شعبينا وبلدينا. وكان لبنان شريكاً قوياً مع الولايات المتحدة في مواجهة تهديد الإرهاب والتطرف العنيف. ونقف بثبات مع لبنان وسنواصل دعم جهود بلدكم لحماية استقرار لبنان واستقلاله وسيادته».
وأبرق الرئيس السوري بشار الأسد مهنئاً عون، ومؤكداً، وفق القصر الجمهوري «الحرص على تعزيز الروابط الأخوية القائمة بين بلدينا الشقيقين لما فيه مصلحة شعبينا والمصالح العليا للأمة العربية».
وأكد الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في برقيته «عزمنا الراسخ على العمل معاً من اجل تعزيز الروابط الأخوية وعلاقات التعاون المتميزة التي تجمع البلدين، في كل المجالات لما فيه خير بلدينا ومصلحة شعبينا الشقيقين».
وتلقى عون برقية من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية التي اعربت «عن افضل التمنيات بالسعادة للشعب اللبناني».
وتمنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في برقية ان يتعزز السلام والاستقرار في لبنان «تحت قيادة عون الحكيمة». وأعرب عن رغبته «في زيادة التعاون في كل المجالات كما في الفترة السابقة كذلك في الفترة المقبلة، مبنية على اساس من الصداقة والأخوة المتينة التي تجمع شعبينا».
|