سابين عويس هي المرة الثالثة يقف سعد الحريري امام محطة مفصلية من حياته، لها ان تغير الكثير في مفاصلها ومستقبلها السياسي. في المرة الاولى، لَبس عباءة الزعامة لطائفته اولا وللتيار الاستقلالي الذي انبثق غداة استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري. فخرج من عالم العائلة والأعمال ليخوض غمار تجربة سياسية كانت ربما الاقسى بالنسبة اليه، بما انها كانت الاولى، وعلى دم والده.
في المرة الثانية، أُلزم الحريري الخروج من السلطة بعدما قاد حلفاء اليوم وخصوم الامس في "التيار الوطني الحر"، الى جانب وزراء "حزب الله" و"أمل"، حربا على حكومته لإسقاطها وهو في البيت الأبيض.
لم تكن عودة الحريري الى السلطة بالسهولة التي أخُرج بها، بل استدعت بقاءه خارج البلاد لفترة قبل ان يعود على صهوة تسوية رئاسية أنهت شغورا رئاسيا وأوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، لم تدم لأكثر من عام، وانتهت بالخروج الثاني للحريري من الحكم، وإنما من الرياض هذه المرة التي كشفت من خلال مجريات الأسبوعين الماضيين انها في الأساس لم تكن مع تلك التسوية، وأنها سارت برهان الحريري على عون منتظرة النتائج، على اساس أن الحريري عاد الى رأس الحكومة بموجب تسوية تحمي الاستقرار وتعيد تكوين السلطة، وليس على اساس ان تتحول التسوية الى رجحان كفة فريق على حساب آخر وانتصار ذلك الفريق والتعامل مع الفريق الثاني على أنه خاسر.
وجاء في حديث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى صحيفة إسبانية بالامس، وفيه "أننا أيّدنا الرئيس سعد الحريري منذ البداية لكن التحديات تغيّرت اليوم والرجل لم يعد قادرا على الحكم كما يشاء"، الكثير من الوضوح الذي يبلور حيثيات الاستقالة ويرسم أفق المرحلة المقبلة وتسويتها، بعدما بات واضحا من خلال المسار الذي سلكته الاستقالة والدخول الفرنسي على خط اخراج الحريري من الرياض، أن لبنان محكوم بالتسويات.
وإذا كانت فرنسا وضعت المدماك الاول لهذه التسوية عبر توسطها لدى السعودية لإخراج الحريري، واستقبلته استقبال الرؤساء، بعدما خرج الرئيس ماكرون عن بروتوكول الاليزيه وأجلسه في كرسيه وليس عن يمينه، بدا واضحا ان الديبلوماسية الفرنسية رسمت مع المملكة خريطة طريق التسوية التي أنجزت مسارها بين الرياض وباريس، وبات على الحريري نفسه استكمالها من هناك على طريق العودة الى بيروت.
قد لا يكون خط بيروت- باريس مباشرا، اذ سيكون للحريري محطة في القاهرة التي أدت بدورها ولا تزال دورا في تعزيز فرص نجاح الوساطة الفرنسية. ولا ننسى أن الرئيس المصري تلقى نبأ استقالة رئيس الحكومة الذي كان مفترضا ان يلتقيه على هامش مؤتمر الشباب المنعقد حينها في شرم الشيخ.
اقتصر اللقاء مع السيسي على الرئيس نبيه بري الذي أمل تدخل مصر الى جانب المملكة. وبالفعل دخلت مصر على خط التهدئة وتخفيف حدة المواجهة.
قد يكون ماكرون حرص على التأكيد انه يستقبل الحريري رئيسا للحكومة، ولكن الحريري حرص في المقابل من على درج الاليزيه على تأكيد استقالته. أما مناقشة الامر مع رئيس الجمهورية فمسألة أخرى لا تعني عودة عن تلك الاستقالة.
وتتقاطع لدى مجموعة من السياسيين معلومات عن السيناريو الذي سيأتي به الحريري في العودة الثالثة له الى بيروت والى ساحتها السياسية بموجب بنود تسوية باريس.
فالحريري الذي سيلتقي عون لإبلاغه الاستقالة، سيبدي استعداده لتلبية رغبة الرئيس في العودة عن الاستقالة اذا تعهد عون بإعادة التوازن الى المشهد السياسي وضبط انفلاش "حزب الله". ولأن هذا الامر لا يملك قراره عون، ولأن الحزب الذي يعتبر نفسه منتصرا لن يقدم على أي تنازل، ولأن السعودية غير موافقة على الحكومة الحالية وتتهمها صراحة بأنها حكومة "حزب الله"، ولأنها بعد قرارات القاهرة لن ترضى بقيام حكومة يتمثل فيها الحزب، ولأن لا إمكان لقيام حكومة في لبنان من دون الحزب بعدما سقط اقتراح الرئيس بري بحكومة تكنوقراط بالضربة القاضية على لسان القوميين،
لهذه الأسباب مجتمعة، سيكون امام الحريري تقديم استقالته، وسيكون عون ملزما قبولها.
أما المحطة الثانية فستكون بتكليف الحريري مجددا، وهذا ما ورد في التسوية الفرنسية، لكن التأليف سيصطدم بالكثير من العقبات والمطبات التي ستدفع الرئيس المكلف الى الاعتذار.
انها فقط مسألة وقت كفيلة بإسقاط كل مفاعيل التسوية الرئاسية، وضرب العهد في سنته الثانية، وإغراق البلاد في حكومة تصريف الاعمال، حتى يحين موعد الاستحقاق الانتخابي الذي ربما يسقط بدوره ! |