الجمعة, 21 يناير 2011 وليد شقير
لا يؤشر إصرار المعارضة اللبنانية على استبعاد رئيس حكومة تصريف الأعمال زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عن رئاسة الحكومة اللبنانية العتيدة التي كان من المستبعد ان يجري تأليفها اصلاً، إلا إلى مسألتين بالغتي الخطورة على مستقبل الصراع المفتوح الذي يشهده لبنان. الأولى عودة الخلاف السوري – السعودي حول لبنان الى أشده، والثانية عودة القطيعة بين سورية وبين الحريري الى سابق عهدها، بل إلى مرحلة ما قبل اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005، حين وقع الخلاف بين الأخير ودمشق على مواقفها إبان إدارتها الوضع اللبناني الداخلي في شكل مباشر.
وإذا كانت مواقف الأطراف والقيادات المعنية تتجنب حتى الآن استخدام تعابير ووسائل الاختلاف السابق للمصالحة السعودية – السورية التي حصلت عام 2009 في قمة الكويت الاقتصادية، ثم المصالحة السورية – الحريرية التي حصلت آخر العام نفسه حين زار الحريري دمشق، فلأن المسألة تتعلق بالمناورات عند كل فريق حول تحميل الآخر المسؤولية، ولأن الصراع المحتدم على لبنان قد يفرض الإبقاء على بعض خيوط التواصل، وأخيراً لأن المواقف الخارجية في شأن الوضع اللبناني تتولى قوى داخلية التعبير عنها، وخصوصاً بالنسبة الى الجانب السوري.
ومع أن كثيرين يتمنون ألا تعود الأمور الى ما يشبه حال القطيعة التي كانت قائمة سابقاً بين السعودية وسورية وبين الأخيرة والحريري، فإن تطورات الصراع الدائر تدل الى ان كل المقدمات وتفاعلات التوتر الذي رافق ويرافق المفاوضات التي جرت خلال الأيام الماضية قد تذهب بالأطراف الى ما هو أسوأ من تلك القطيعة. لكن عودة التأزم الى العلاقة السعودية – السورية والسورية – الحريرية ليست الوجه الوحيد للمشكلة اللبنانية، إذا أُضيفت إليه أوجه أخرى فائقة الأهمية، تبدأ بالخلاف على المحكمة الخاصة بلبنان والقرار الاتهامي، ولا تنتهي بالصراع الإقليمي – الدولي في المنطقة، بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران والملف النووي للأخيرة، وموقع سورية في التحالف مع إيران وفي العلاقة مع الغرب وسائر دول الإقليم.
إلا أن خطورة الوجه الأول للأزمة المتصاعدة تكمن في أن تمادي الصراع السعودي – السوري يمهد لإنهاء أي نوع من الشراكة السعودية – السورية في الموقف في لبنان. ولذلك، إذا أخذت الأمور هذا المنحى، حتى لو كان موقتاً، فإنه يضع الساحة اللبنانية كساحة صراع في أخطر ما واجهته منذ عقود. فهذه الشراكة قامت بعد المصالحة بين الرياض ودمشق، على حفظ الاستقرار في البلد الصغير والاشتراك في جهود متبادلة من اجل احتواء عناصر التفجير فيه وإطفاء فتيل الاشتعال، باعتباره ميدان اختبار للتعاون في ملفات أخرى بينها العراق فضلاً عن ميادين أخرى. والتضحية بهذه الشراكة تعني جعل إمكان احتواء التوترات على أصعدة أخرى صعباً.
وإذا سارت الأمور نحو فرط الشراكة هذه فهل ستكون لمصلحة أحادية سورية أم لمصلحة فوضى جديدة في البلد تستدرج المزيد من التدخل لمزيد من الدول في أزمته، وتؤدي الى المزيد من التدويل لقضيته التي ينظر إليها كل من الدول من منظار مصالحه، لاصطياد خصومه؟ وهل يمكن للبنان الضيق المساحة ان يحتمل هذا التناقض في الكم من المصالح الخارجية الهائلة على أرضه في شكل يصبح البلد بلا غطاء لانتفاء الشراكات التي تبني معادلة تؤمن حداً من الاستقرار؟
أما في ما يخص الوجه الآخر للصراع الدائر والمتعلق باحتمال إنهاء مفاعيل المصالحة السورية – الحريرية، عبر الرفض المتواصل من قبل دمشق لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، فعدا كونه يرمز الى المستوى الذي بلغه الصراع بين الرياض ودمشق بعد سقوط المصالحة، فإنه يرمز ايضاً ليس فقط الى إسقاط الشراكة، بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها الحريري، بل يعني ايضاً التهيؤ لنوع من الأحادية الواضحة في التركيبة الداخلية اللبنانية مهما كان غطاؤها. إنه ليس عوداً على بدء بل الى ما قبل ذلك، في زمن تراجع الأحادية على المستوى العالمي.
|