الإثنين, 22 نوفمبر 2010
عزمي عاشور *
بات لافتاً أن أسباب صناعة التطرف في الدول العربية لم تعد مثلما كانت في السابق تتوارى تحت شعارات جهادية مستغلة في ذلك حالة الحروب التي كانت تقع نتيجة الصراع العربي - الإسرائيلي أو الحرب الأفغانية - الروسية في ثمانينات القرن الماضي. الواقع أن الأمر اختلف الآن، فأصبح نشاط التطرف والإرهاب يظهر في المجتمعات التي تغيب فيها سلطة وهيمنة الدولة بشكل كبير كما في حالة كل من العراق واليمن والصومال، وهو ما يبرهن على أن هناك مرحلة جديدة من نشاط التطرف ممثل في قيام «القاعدة»، ببناء قواعدها على أنقاض مشروع الدولة الوطنية، التي أصبحت عوامل فشل بنائها تتحول إلى عوامل نجاح للتطرف والإرهاب في الوقت نفسه وفقا للآتي:
أولاً: أن بروز قيم التطرف في عقلية الشباب وفي ثقافة المجتمع ارتبط بضعف بناء الدولة الوطنية بكل مكوناتها الفكرية والثقافية، فالنخبة الوطنية على ما يبدو قد استمرأت طول بقائها وأهملت دورها في بناء المجتمع لينمو عشوائياً وليكون بيئة خصبة لظهور التطرف والإرهاب، فيتم تشكيل عقول الشباب وفق عقلية التطرف وليس وفق الأسس والمقومات التي تتفق مع تطور المجتمعات في العصر الحديث، فتنظيم «القاعدة» الآن بات يتمركز بشكل كبير في البلدان الرخوة التي تغيب فيها سيــطرة وهيمنة الدولة على أراضيها مثل حالة دولة العراق المحتل الواقع ضحية لعملية النزاع بين القوى في الداخل والخارج، والدولة اليمنية التي استمرأت نخبتها الاستمرار في الحكم على ما يزيد على الثلاثين سنة، وما رافق ذلك من فشل في التنمية والنهضة الأمر الذي خلق صراعات داخلية مبعثها طغيان السلطة الحاكمة، ما فتح الباب لنمو الأفكار الجهادية لتنظيم «القاعدة» التي وجدت في اليمن وجبالها مكاناً حصيناً لتكون ميداناً لانطلاق عملياتها، ليس داخل اليمن فحسب، وإنما عبر مناطق كثيرة أخرى، وقدرتها من خلال ذلك على توصيل تهديداتها إلى بقية دول العالم.
ثانياً: سيكولوجية الجهادي المسلوب العقل الباحث عن الزعامة: حيث ترك فــــشل المشروع الوطني لهذه المجتمعات تأثيراته السلبية على الشباب في ظل إهدار حقوقه وعملية الاستلاب والتغييب التي تمت أولاً من قبل السلطة السياسية التي مهدت له الطريق بعد ذلك ليكون مهيأ ليمتلئ عقله بأفكار التطرف والإرهاب والتي تجعل منه أداة وهدفاً في الوقت نفسه تعويضاً عن أهداف كثيرة افتقدها؛ فيحاول أن يصنع لنفسه عالمه الذي يجده في الدين يوظفه بالشكل الذي يحقق له أهدافه داخل هذا العالم الجديد فيبحث عن البطولة في لفت أنظار إليه تعويضاً عن حالة الاستلاب، وذلك باستغلال ما لديه من عقل في صناعة القتل الذي يصبح أمراً ليس عليه قيود، ويسيراً مادام يجد له مبرراً دينياً من وجهة نظره؛ فعملية قتل مجموعة من البشر من أيسر الأمور التي قد يقوم بها فرد إذا تحولت إلى عمل غير محرم في عقليته، فما بالنا بالإرهابي التي سيجد فيها كل الغاية التي يتمناها من تفجير نفسه في مجموعة من الأفراد أو داخل طائرة ليحقق هدفين للتنظيم الجهادي الذي ينتمي إليه: أحداث ضجة إعلامية تصنع حالة من الزعـــامة معولمة لمن يقف وراء هذا الأمر فضلاً عن الترهيب والتخويف الذي يشمل المجتمعات. ومن طريق استغلال الشبكة العنكبوتية والعولمة الإعلامية يصنع البطل الإرهابي المعولم في عقلية الجهاديين الذين يرون في أنفسهم انهم حققوا انتصاراً بهذا الفعل للكثير من أهدافهم داخل عالمهم الذي صنعوه لأنفسهم والذي يرون تأثيره في حالة من التأهب التى قد تجتاح العالم عندما تكون هناك محاربة لهذا التنظيم مثلما ظهر أخيراً في مسألة الطرود وما ارتبط بها من حالة الاستعداد الأمني الذي شمل الكثير من مطارات العالم فضلاً عن أن خلق هذه الأجواء يشعرهــــم بالقدرة على إحداث حالة من الهلع تجتاح العالم بســـبب تهديداتهم ... فهم يرون انفسهم أبطالاً بترهيب العدو الذي يصنعونه ممثلاً في كل من يخالف افكارهم سواء كان على دين الإسلام او على غيره من أصحاب الديانات الأخرى.
ثالثاً: خطأ معالجة الظاهرة بالاحتلال: في السابق كان الاحتلال الأجنبي هو أحد العوامل التى ساعد على انتشار الإرهاب، فالحرب الأفغانية - السوفياتية صنعت ما يـــمكن ان نطلق عليه الجيل الثاني من الإرهابيين والجهادييــــن (اذا ما اعتبرنا الجيل الأول ظـــهر بعد هزيمــــة 1967 وهــــو يحــــتاج الى حديث منفصل) بظهور الجماعات الجهادية التى ظهرت بشكل لافت في مصر وقامت بعمليات إرهابية في ثمانيات وتسعينات القرن الماضي بعد عودة قياداتها من افغانستان، هذا فضلاً عن تنظيم القاعدة والتـــطور الذي دخل عليه باستغلاله تطورات التكنولوجيا في التحرك والانتشار والتواصل والتخطيط، ومن أن الاحتلال احد العوامل وليس هو العامل الوحيد في صناعة التطرف، لذلك فمن الضروري استبعاده، او على الأقل عدم التعويل عليه كحل وحيد، لمحاربة الإرهاب في البيئات التى ينمو فيها حيث بدأت نغمة التدخل العسكري في اليمن بعدما تأكدت صلة «القاعدة» بالتهديدات الإرهابية الأخيرة وهو امر قد لا يحل المشكلة بقدر ما يعقدها ويولد مشاكل اخرى كثيرة.
فوجود الاحتلال كان سبباً للإرهاب والتطرف وليس نتيجة. فتنظيم «القاعدة» في العراق، على سبيل المثال، لم يكن موجوداً قبل الاحتلال وبالتالي ارتبط وجوده بذلك الاحتلال، وبالمثل ايضاً التطرف والإرهاب في أفغانستان تولد من رحم الحرب الأفغانية أثناء الاحتلال السوفياتي.
ولذلك فالتدخل العسكري في اليمن قد يزيد من قوة تنظيم «القاعدة»، خصوصاً ان الطبـــــيعة الجبلية لليمن تعطيهم حصانة وقدرة على المناورة والقــــتال، وهو أمر يريده تنظيم «القاعدة» بهدف جر أميركا بجيشها إلى أمــــاكن تحـــقق له انتــصاراً رمزياً يعكس وقوف هذا التنــــظيم ضدها، وما له من تأثيرات على العقل الجمعي في المجتمعات الإسلامية التي تتعاطف معنوياً مع من يحارب اميركا حتى لو كان الشيطان نفـــسه، واليمن يعد من الأماكن المناسبة لتحـــقـــيق ذلك، وليس ببعــــيد ما سببه الحوثيون من مشاكل داخلية في اليمن بمعاركهم مع جيــــش الدولة انطــــلاقاً من هذه البيــــئة ذات الطبيعة الجبلية التى تخلق حماية وحصانة للمتمردين.
فالطريق لمحاربة الإرهاب والتطرف يبدأ بالعمل على إعادة بناء الدولة الوطنية بشكل جاد وليس الاحتلال، والعمل على القضاء على كل العوامل التى أدت الى فشل بنائها بالشكل المرجو، وهو أمر معالجته تبدو صعبة في مثل هذه المجتمعات الا انه يـــبقى هو الحل الأمثل الذي يرتبط به نجاح بقية العوامل الأخرى، فإصلاح السلطة السياسية سوف ينعكس إيجاباً على المجتمع ككل. فهل نستطيع ان نحارب القاعدة بمحاربتنا للاستبداد السياسي الذي قد لا ندري ما سيجلبه لنا في المستقبل من كوارث أخرى.
* كاتب مصري
|