القاهرة - محمد الشاذلي؛ نيويورك، لندن - «الحياة» واصلت القوات الحكومية السورية أمس سياسة «قضم» أحياء شرق حلب غداة فشل فرنسا في تمرير مشروع قانون في مجلس الأمن أسقطته روسيا بممارسة حق النقض (فيتو). وشكّلت نتيجة هذه «المواجهة الديبلوماسية» بين الغرب وروسيا مقدمة لبدء تحضيرات نقل المعركة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال أيام، حيث استطاعت الدول العربية والغربية سنوياً حشد عشرات الدول ضد روسيا وحكومة دمشق في سلسلة قرارات تناولت الأزمة السورية.
لكن في مؤشر إلى أن الروس مصممون على مواصلة سياستهم السورية كما هي ويأخذون على محمل الجد إمكان توجيه الولايات المتحدة ضربات قوية للقواعد الجوية السورية بهدف تدميرها، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس: «هذه لعبة خطيرة للغاية، إذ إن روسيا الموجودة في سورية بناء على دعوة من الحكومة الشرعية لهذا البلد ولديها قاعدتان هناك، نشرت أنظمة دفاع جوي هناك لحماية أصولها».
وفي تطور يخلط الأوراق بين فصائل المعارضة السورية، أعلن فصيل «جند الأقصى» مبايعته «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، في موقف يعني عملياً أن «حركة أحرار الشام» وعشرات الفصائل المتحالفة معها لم يعد في إمكانها اتخاذ إجراءات عسكرية ضد «الأقصى» من دون المخاطرة بالدخول في مواجهة شاملة مع الفرع السابق لـ «القاعدة» في سورية. ودارت في الأيام الأربعة الماضية مواجهات دامية في «جند الأقصى» و «أحرار الشام» راح ضحيتها عشرات المسلحين، في محافظة إدلب تحديداً.
وكان مجلس الأمن شهد السبت سقوط مشروعي قرارين في شأن الأزمة السورية، أحدهما غربي دعمته ٥٦ دولة، والآخر روسي حصل على تأييد ٤ دول، لكن النتيجة التي كانت منتظرة ترافقت مع مفاجأة نأي الصين بنفسها عن الفيتو الروسي، واتهامات غربية لموسكو بممارسة الإرهاب والتطهير العرقي في سورية. وميّز الجلسة أن الصين لم تقف إلى جانب روسيا في استخدام الفيتو، في خطوة هي الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية التي عطلت موسكو وبكين خلالها ٤ قرارات بفيتو مزدوج منذ العام ٢٠١١.
كما لم تحصل روسيا على دعم سوى من ٣ دول في المجلس عندما طرحت قراراً مضاداً على التصويت، هي الصين وفنزويلا ومصر. كذلك لم تستطع روسيا استدراج الدول الغربية الثلاث الدائمة العضوية، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى استخدام الفيتو ضد مشروعها لأنه سقط لعدم حصوله على الغالبية البسيطة، أي ٩ أصوات من أصل ١٥، بعدما أيدته ٣ دول فقط. في المقابل، حصل المشروع الغربي على دعم قوي تمثل بانضمام ٥٦ دولة لرعاية تقديمه إلى مجلس الأمن، بينها، إضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، معظم دول أوروبا الغربية وغالبية الدول الأوروبية الشرقية، وتركيا و٤ دول عربية هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والمغرب.
وأرجعت مصر تصويتها لمصلحة القرارين في مجلس الأمن برغبتها في دعم كل جهد يهدف إلى وضع حد لمأساة الشعب السوري. وصرح السفير عمرو أبو العطا، مندوب مصر لدى الأمم المتحدة، بأن مصر صوتت بناءً على محتوى القرارات وليس من منطلق «المزايدات السياسية». وقال إن السبب الرئيس في فشل المشروعين يعود إلى الخلافات بين الدول الدائمة العضوية في المجلس. من جهته، أعرب الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن أسفه لعجز مجلس الأمن عن التوصل إلى موقف موحد في شأن وقف النار في حلب.
ميدانياً، أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى معارك عنيفة تدور في حي الشيخ سعيد، جنوب أحياء حلب الشرقية، حيث تمكنت القوات النظامية من السيطرة على مبانٍ في محاولة منها «لتوسيع نطاق سيطرتها داخل الحي الاستراتيجي، والاستمرار في العملية التي انطلقت بها وتهدف إلى قضم مناطق في القسم الشرقي من حلب». أما في محافظة حماة بوسط البلاد، فقد سجّل «المرصد» قصفاً جوياً على بلدات وقرى معان ومورك وكوكب والكبارية، بالتزامن مع هجوم للقوات النظامية التي سيطرت أول من أمس على 7 قرى مستغلة انشغال فصيل «جند الأقصى» بالمعارك ضد «أحرار الشام» في ريف إدلب الجنوبي المحاذي لريف حماة الشمالي.
وأعلنت (أ ف ب) «جبهة فتح الشام» أمس على حسابها على «تويتر» بياناً قالت انه «بيان انضمام وبيعة جند الأقصى لجبهة فتح الشام». وجاء في البيان المكتوب بخط اليد والموقع من الطرفين: «حرصاً منا على حقن دماء المسلمين وتجاوزاً للاقتتال الداخلي الحاصل بيننا وبين حركة أحرار الشام، والذي لا يستفيد منه إلا النظام وحلفاؤه، فإننا في جند الأقصى نعلن عن بيعتنا لجبهة فتح الشام».
واعتبر مدير «المرصد» السوري رامي عبدالرحمن أن ما حصل «سيقف جداراً منيعاً أمام حركة أحرار الشام أو أي فصيل آخر يريد استهداف عناصر جند الأقصى الأكثر تشدداً». وردت «أحرار الشام» في شكل غير مباشر على خطوة «جند الأقصى» بتوزيع شريط اعترافات مصورة لأحد القادة المعتقلين من تنظيم «داعش» يكشف فيه أن خلايا التنظيم كانت تعمل تحت حماية «جند الأقصى» في مناطق المعارضة. كما أصدرت فصائل عدة مؤيدة لـ «الأحرار» بياناً دعت فيه «جند الأقصى» إلى إعلان موقف علني ينص على اعتبار «داعش» تنظيماً خارجياً وذلك من أجل تفادي محاربته. ومعلوم أن «جند الأقصى» يرفض القتال ضد «داعش» ويتهمه خصومه بأنه ينتهج منهج غلو ويقتل أعضاء المعارضة على أساس أنهم مرتدون، كما فعل قبل يومين بمجموعة من أسرى «أحرار الشام».
ونقلت «فرانس برس» عن خبراء أن من شأن إعلان الانضمام أن يعقّد الأمور بالنسبة إلى «جبهة فتح الشام» التي كانت بررت فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة» بـ «تقديم مصلحة أهل الشام (...) وثورتهم». وقال الخبير في الشؤون الجهادية رومان كاييه في تغريدة على «تويتر» أن «هذه البيعة ستعزز نفوذ العناصر الأكثر تشدداً في صفوف جبهة فتح الشام».
«جند الأقصى» يبايع «فتح الشام» ويخلط أوراق المعركة ضد «أحرار الشام»
أعلن فصيل «جند الأقصى» مبايعته «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، في تطور يعيد خلط أوراق الصراع الدائر بينه وبين «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي حظيت في اليومين الماضيين بدعم عدد كبير من فصائل المعارضة في المعركة التي توصف بأنها صراع ضد «الغلو» في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية.
وكانت حدة التوتر بين «أحرار الشام» و «جند الأقصى» ارتفعت في اليومين الماضيين في محافظة إدلب تحديداً حيث تمكن فصيل «الجند» من السيطرة على مدينة خان شيخون بالكامل بعد طرد «أحرار الشام» منها، ليبسط بذلك سيطرته على أكبر مدن ريف إدلب الجنوبي المحاذي لمحافظة حماة. وردت «حركة أحرار الشام» بمهاجمة العديد من مواقع «الجند» في مناطق مختلفة من إدلب.
وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ومصادر إعلامية سورية أخرى أن «جند الأقصى» أعلن أمس «بيعته» لـ «جبهة فتح الشام» وهو الاسم الجديد لـ «جبهة النصرة» بعد فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة» في أواخر آب (أغسطس) الماضي. وبرر «جند الأقصى» هذه البيعة بأنها تأتي «حرصاً منه على حقن دماء المسلمين وتجاوزاً للاقتتال الداخلي» الحاصل بينه وبين «أحرار الشام» والذي «لا يستفيد منه إلا النظام وحلفاؤه»، بحسب ما أورد «المرصد».
وجاء بيان البيعة بعدما أورد «المرصد» صباحاً معلومات عن «مفاوضات غير معلنة تجري بين تنظيم جند الأقصى وجبهة فتح الشام، يحاول فيها الأخير إقناع جند الأقصى بحل نفسه، والانضمام بعناصره وعتاده إلى صفوف جبهة فتح الشام». وأوضح «أن جبهة فتح الشام سعت إلى هذا الخيار بعد فشل المساعي الأولية لوقف الاقتتال الدائر بين حركة أحرار الشام الإسلامية وتنظيم جند الأقصى منذ ليل 6 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري... واستمرار التوتر بين الجانبين، وتطوره إلى اشتباكات عنيفة جرت بينهما، قضى وجرح فيها العشرات من عناصر الجانبين، فيما أسر آخرون من ضمنهم قيادات ميدانية». ولفت إلى أن «جبهة فتح الشام» أرسلت رتلاً من مقاتليها نحو منطقة كفر سجنة التي شهدت معارك طاحنة في الساعات الـ 24 الأولى من الاقتتال بين «الجند» و «الأحرار».
ودارت في الساعات الماضية «اشتباكات محتدمة بين الجانبين، جرى فيها تبادل السيطرة على عدة مدن وبلدات وقرى بريف إدلب، حيث سيطر تنظيم جند الأقصى في شكل كامل على مدينة خان شيخون التي تعد أكبر مدن الريف الإدلبي الجنوبي، المتاخم للريف الحموي الشمالي، في حين سيطرت حركة أحرار الشام على قرى وبلدات البارة ومشون وكفرشلايا وحرش بسنقول بجبل الزاوية ... وفيلون وكورين وعين شيب وكفرجالس وجدار القريبة من مدينة إدلب، ومدينة أريحا بريف إدلب الجنوبي الغربي»، بحسب تقرير مفصل لـ «المرصد» عن التطورات الميدانية بين فصيلي المعارضة.
وكانت فصائل سورية معارضة على رأسها «جيش الإسلام» و «فيلق الشام» و «حركة نور الدين الزنكي» و «صقور الشام» و «تجمع فاستقم كما أمرت» و «جيش المجاهدين» أعلنت قبل يومين وقوفها إلى جانب «أحرار الشام» وأكدت استعدادها للمشاركة عسكرياً وأمنياً من أجل إخضاع «جند الأقصى» لحكم الشرع أو الاستمرار في قتال هذا الفصيل حتى «استئصاله»، بحسب ما أوردت شبكة «الدرر الشامية». وكان فصيل «جند الأقصى» أقدم أول من أمس على تصفية أحد رموز «أحرار الشام» الملقب بـ «دبوس الغاب» بعد أسره في مكمن بريف إدلب الجنوبي.
ولفتت «الدرر» إلى أن «مجلس شورى أهل العلم» أصدر بياناً السبت دعا فيه إلى الحزم مع «جند اﻷقصى» وعدم قبول المصالحات معه، داعياً «الطائفة المجاهدة» من «الجند» إلى الانشقاق والانضمام إلى بقية الفصائل. ووصف البيان جماعة «جند اﻷقصى» بأنهم «غلاة خوارج» و «يتبعون السرية والكتمان في عدم الكشف عن أسماء قياداتهم وأمرائهم» و «يمارسون هواية التصنيف والتكفير ويمتهنون مهنة القتل والاغتيالات ضد المسلمين» و «ينحازون إلى خوارج البغدادي («خليفة» تنظيم «داعش») ويرون أنهم على حق وأن خلافتهم على منهاج النبوة» على حد وصف البيان. وأضاف البيان، بحسب «الدرر الشامية»، أنه قد ثبت تورُّط عدد من عناصرهم وقياداتهم وشرعييهم بجرائم قتل وعمليات اغتيال ضد قيادات الفصائل، وكانت سبباً في خسارة الساحة لـ «خيرة المجاهدين». وذكر البيان على سبيل المثال اغتيال الشيخ مازن قسوم، و «صيالهم» («جند الأقصى») على مقرات «الفرقة 13» وجنودها في معرة النعمان، وقتل «أبو الناجي» من «أحرار الشام»، والتعاون مع عناصر «داعش» لإدخالهم إلى المناطق المحررة و «تشكيل خلايا نائمة والقيام بتفجيرات واغتيالات». وطالب «مجلس شورى أهل العلم» جماعة «جند الأقصى» بـ «التوبة ونبذ الغلو والرجوع عن التكفير والصيال على المجاهدين» و «حل نفسها وتسليم سلاحها ومقراتها للفصائل» و «تسليم العناصر الداعشية وتقديم المتورطين في الجرائم للمحاكم الشرعية المختصة».
وبحسب «المرصد» السوري فقد أسس فصيل «جند الأقصى» القيادي الجهادي العالمي «أبو عبدالعزيز القطري» الذي عثرت «جبهة النصرة» في نهاية العام 2014 على جثته في بئر بمنطقة دير سنبل المعقل السابق لـ «جبهة ثوار سورية»، وذلك بعد اختفاء القطري لنحو 10 أشهر. ودخل «أبو عبدالعزيز القطري» إلى سورية بعد أشهر من انطلاقة الثورة في العام 2011، برفقة ابنه الذي قُتل في اشتباكات مع قوات النظام. وأسس حينها مع «أبو محمد الجولاني» تنظيم «جبهة النصرة»، لينشق بعد ذلك عن «النصرة» ويشكل تنظيم «جند الأقصى». ولفت «المرصد» إلى أن «القطري» من مواليد العراق وعُرف بأسماء مختلفة تغيّرت وفقاً لانتقاله من دولة إلى أخرى، حيث كان يقاتل في صفوف تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وكان قريباً من زعيميه الراحل أسامة بن لادن والحالي أيمن الظواهري. كما قاتل القطري لاحقاً في الشيشان ضد القوات الروسية، ثم انتقل إلى العراق وشكل مجموعة تقوم بتنفيذ تفجيرات تستهدف الفنادق ومحلات بيع الخمور فتم اعتقاله والحكم عليه بالسجن المؤبد إبان فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين. وأفرج عنه قبل دخول القوات الأميركية إلى العراق عام 2003. |