الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٢٠, ٢٠١٥
المصدر : جريدة الحياة
سوريا
زهران علوش من غير خطأ ... في الـ «دايلي بيست»
هنادي الخطيب 
استغربت الصحافية السورية المسيحية «بحسب وصفها لنفسها»، أن تستطيع محاورة زهران علوش قائد جيش الإسلام ببساطة ويسر وسهولة، وأغلب الظن أنها الوحيدة التي وجدت الأمر غريباً، وربما لم تتنبه، أو لم ترد أن تتنبه، إلى أنها تحاوره باسم صحيفة أميركية سيقرأها الأميركيون أولاً. ولم تلحظ أن علوش شارك في مؤتمر الرياض «للمعارضة المعتدلة» بإرسال من ينوب عنه، ما يعني أن الوقت حان لإقناع العالمين العربي والعالمي بأنه أب وأم وأخ وابن للمعارضة المعتدلة. وفي ثنايا حواره معها وليس حوارها معه، تتضح رغبته تلك، ويتحول من القائد الأشرس والمتهم بأنه الديكتاتور الأهم «حسب المتداول بين نشطاء وصحافيين من الغوطة» إلى مثقف علماني معتدل، يكاد يرتدي الجينز بدلاً من العباءة ولحية الشيخ.

في مقدمة الحوار الطويل جداً الذي نشر في صحيفة الـ «ديلي بيست» الأميركية، نظمت الصحافية المسيحية «قصائد» في مديح علوش، وأكدت أنها تلقت الإجابات عن كل ما في ذهنها من تساؤلات عن زهران علوش منذ بداياته، ليأتي الحوار هزيلاً بعيداً من الواقع المعاش، ونعتقد أن ما قبل المقابلة ليس كما بعدها بالنسبة إلى قائد جيش الإسلام والقوة الأكبر والأهم في الغوطة.

في الحوار الطويل قال علوش، رداً على سؤال الصحافية، إن راية جيشه «جيش الإسلام» بمعناها الشكلي «راية تعبر عن طبيعته وتمثل قيمه كفصيل كما كل الفصائل، وبالتالي من الطبيعي أن يمتلك راية واضحة تشير إليه، وهذه الراية تحمل اسمه وتمثل طبيعته العسكرية». وغاب عن الصحافية سؤاله عن اللون الأسود المشابه تماماً للون علم «داعش» و «النصرة»، ورفضه حمل علم الثورة، وإن كان السوريون يدركون ويفهمون أنه وانطلاقاً من أفكاره السلفية المعروفة للقاصي والداني، فإنه من الطبيعي أن يرفع هذا العلم الذي يرمز إلى الجهادية أكثر مما يرمز إلى الثورة، فإنه من غير المبرر أن يغيب الأمر عن صحافية تتوق لمعرفة أجوبة لكل ما يخطر ببالها عن الزعيم علوش، كما قالت هي نفسها في مقدمة الحوار.

لم يتضمن الحوار أي إشارة من قريب أو بعيد إلى أقفاص دوما، التي حشر فيها علوش نساء علويات «بحسب تعبيره» أسيرات، وتركه للأقفاص يوماً كاملاً في شوارع دوما دون أن يفكر بمدى وحشية التصرف، أو حتى بنتائج تصرفه الفردي على الثورة وسمعتها. ولم يغب عن القارئ أنه من الضروري أن لا يتم ذكر الموضوع في الصحافة الأميركية للحفاظ على صورة القائد المتسامح الذي أشبع المسيحيين غزلاً وعبارات تطمين، وأظهر من المرونة ما لا يستطيع ساكن الغوطة فهمه واستيعابه، ولربما ظن ذلك المواطن أن المقابلة مزورة أو مختلقة.

لم يتم سؤال علوش عن عدد المعتقلات التي يملكها في الغوطة، والتي تتعدى حسب المعلومات تسعة، ولم تشر المقابلة إلى الجرائم التي يعتقل فيها علوش نشطاء أو صحافيين أو مواطنين عاديين وبطبيعة الحال مخبرين للنظام وعناصر داعشية، خصوصاً أنه من المعروف أن جيش الإسلام يعتقل كل من يعارضه ويصل الأمر إلى الرقابة على «فايسبوك»، ويتم اتهام أي معارض أو منتقد لسياسته بالعمالة للنظام. وكان نشطاء من الغوطة نشروا أكثر من قصة عن شباب خرجوا من معتقل علوش جثثاً هامدة.

لم تحمل المقابلة معلومات عن سجينة الرأي رزان زيتونة ورفاقها، الذين اختطفوا من دوما «معقل علوش»، بل على العكس من ذلك، تم تجاهل كل الاتهامات والإدانات الموجهة له، والتغافل عن تصريحاته المتعددة بتخصيص لجنة خاصة للتحقيق بهذا الشأن دون أي نتيجة حقيقية. وإن كانت النملة تخاف أن تقترف ذنباً في دوما لئلا يعاقبها علوش، فإن اختفاء 4 نشطاء حقوقيين من دوما بالتأكيد هو أمر من الطبيعي ألا يعرف به علوش، وفي هذا استخفاف بجميع السوريين.

هل غفلت الصحافية عمداً أم بتوجيه من الصحيفة الأميركية أو ربما من علوش نفسه، هل غفلت عن سؤاله بما يخص «جيش الأمة» وتصفيته وقتل كل من انتمى إلى هذا الجيش في حملة سماها علوش «محاربة المفسدين»؟ وما هو الفساد الحقيقي الذي يستدعي القضاء على فصيل كامل جميع أعضائه سوريون، بما يشابه الزاوية التي تفاخر فيها علوش والصحافية على حد سواء، بأن «جيش الإسلام» سوري كامل، ولا يحتوي على أي عناصر مهاجرة.

وكي لا نظلم الحوار، فإن الصحافية سألته إن كان تصريحه حول رفض الديموقراطية لا يزال سارياً، لتعطيه فرصة ذهبية للف والدوران والدخول في متاهات كلامية من الواضح أن ثمة من اجتهد على كتابتها له، لنصل لنتيجة مفادها أننا لم نفهم ولم نعرف ما موقفه من الديموقراطية.

وأما موضوع الحصار والجوع الذي فتك بالغوطة، والحياة المسلوبة والحريات المقموعة والتحزبات تحت رايات الكتائب، والسلاح الموجه لداخل الغوطة بدلاً من الخارج، والتمويه عن التخاذل ببضع ضربات على شوارع دمشق لا تقتل إلا المدنيين، فهذا كله مر مرور الكرام بالمقابلة، وبالطبع كان لعلوش وسام البطولة فيه.

لو أنني قائد لأكبر فصيل عسكري في الغوطة، سلفي، ومتهم بالديكتاتورية والقتل والخطف، وجاءتني صحافية مسيحية نشرت عني ما كتب في الـ «ديلي بيست» لنصبتها وزيرة للإعلام، ولجعلت جميع مطالبها مجابة.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة