بيروت - محمد شقير يقول وزير لبناني مخضرم وبارز يواكب المشاورات السياسية التي انطلقت وجاءت بفعل المبادرة التي طرحها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري لملء الشغور في رئاسة الجمهورية، بدعمه ترشح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، إنه يخالف أصحاب الرأي القائل إن هذه المبادرة الى انحسار، ويؤكد أنها لا تزال قائمة أكثر من أي وقت مضى، وأن الأيام المقبلة «ستبين صحة ما أقوله».
ويضيف الوزير اللبناني لـ «الحياة»، أن «الحريري لم يطلق مبادرته في الهواء من دون أن يتوافر لها أوسع احتضان دولي وإقليمي، لأن البلد لم يعد يحتمل استمرار الشغور الذي يُخشى من أن يحمل معه مجموعة من الأخطار من شأنها أن تهدد الاستقرار العام، وتدفع به الى مزيد من الأزمات الاقتصادية والمالية». الحاجة الى التقاط الانفاس ويؤكد الوزير نفسه الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن «الحاضنة الدولية والإقليمية لملء الشغور الرئاسي جاءت نتيجة شعور عارم للمجتمع الدولي بضرورة ترحيل لبنان من طاولة المفاوضات التي يفترض أن تشمل الأزمات والحروب التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط»، ويؤكد أن «هذا البلد في حاجة ماسة لأن يلتقط أنفاسه على المستويات كافة، وأن هناك صعوبة في مساعدته ما لم يصر إلى تحييده عن الصراعات الدائرة في المنطقة».
ويرى المصدر إياه «أن وضع لبنان على لائحة الانتظار سيقود حتماً في ظل تعذر الحلول للأزمات القائمة في المنطقة، إلى انحلال ما تبقى من مؤسسات الدولة، وصولاً إلى إقحامه في فراغ قاتل». ويؤكد أن «الحريري التقط مجموعة من الإشارات الدولية والإقليمية التي شجعته على دعم ترشح فرنجية الذي ينتمي الى الضفة السياسية الأخرى المناوئة لقوى «14 آذار»، وبالتالي فهو جاد في طرحه وليس من الذين يناورون بخيار سياسي من العيار الثقيل».
ويعتبر الوزير عينه أن «الحريري تميز بالجرأة عندما قرر أن يطرح مبادرته التي لا تقوم على استنتاج شخصي وإنما على أجواء دولية وإقليمية رأى أنها مواتية لملء الشغور في سدة الرئاسة الأولى».
ويؤكد أن التحرك لملء هذا الشغور انطلق من إحساس أميركي- بريطاني بضرورة مساعدة لبنان على تجاوز أزمته الناجمة عن الفراغ الرئاسي». ويقول إن «قوى إقليمية ودولية سرعان ما تبنت هذه الرغبة بانضمام فرنسا وروسيا والمملكة العربية السعودية وإيران ودول أخرى».
ولا يؤيد هذا الوزير الرأي القائل إن إيران في مكان آخر وإنها ليست من بين الدول الداعمة ملءَ الفراغ الرئاسي، ويقترح العودة الى محضر اللقاء الذي عقد بين رئيس الحكومة تمام سلام وبين علي أكبر ولايتي المستشار الأعلى للشؤون الخارجية الإيرانية للسيد علي خامنئي ومساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبداللهيان. ويقول إن من يدقق في محضر الاجتماع هذا يستنتج أن طهران ليست بعيدة فقط من الجهود الرامية إلى ملء الشغور الرئاسي وإنما داعمة لترشح فرنجية. ويرى أن الحريري حرص على أن يؤمن الدعم لمبادرته في اتصالاته التي أجراها بعدد من القيادات اللبنانية وأبرزها رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط الذي كان أول من رشح فرنجية لرئاسة الجمهورية. ويعزو الوزير المخضرم «الصمت» الإيراني إلى أن طهران تفضل عدم إحراج حليفها الأول في لبنان، أي «حزب الله» أمام رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي يراهن على دعمه إياه ووقوفه وراءه في أي قرار يتخذه من رئاسة الجمهورية.
لكنه في المقابل يكشف عن عدم انزعاج «حزب الله» من ترشح فرنجية، ويؤكد أن الجلسة الحوارية الأخيرة بين الحزب وتيار «المستقبل» برعاية بري تطرقت إلى مبادرة الحريري واتسمت بموقف إيجابي من المشاركين فيها.
ويعتقد الوزير عينه أن ترشح فرنجية سيتلازم مع بداية العام الجديد بمشاورات مكثفة من دون أن يستبعد اجتماعه في وقت قريب برئيس المجلس النيابي نبيه بري، فيما يسعى «حزب الله» إلى استيعاب الموقف المعترض للعماد عون.
ويؤكد أن ما ينطبق على «حزب الله» لجهة مراعاته عون ينسحب أيضاً على النظام السوري، لأنه في غنى عن استدراج «الجنرال» الى معركة معه، لا سيما وانه لا يزال يغطي الحزب سياسياً في مشاركته بالحرب في سورية ضد المعارضة.
ويرى أنه من الأفضل بدلاً من الاختلاف على رئاسة الجمهورية، أن ينتقل هذا الخلاف إلى داخل المؤسسات الدستورية، وأولها الرئاسة، نظراً إلى وجود حاجة لإعادة انتظامها، باعتبار أنها تشكل المفتاح للولوج إلى حل جميع المشكلات العالقة. الخلاف تحت سقف الدولة ويتابع أن «هذه المشكلة ستبقى قائمة وربما ستتفاقم ما لم يصر الى تأمين إعادة انتظام المؤسسات بانتخاب الرئيس الذي يمكن أن نختلف معه أو نتفق، لكن من الأفضل للجميع أن يبقى الخلاف تحت سقف الدولة بدلاً من أن ينتقل إلى الشارع ويؤدي الى فلتان يهدد الاستقرار».
ويقول إن «الحريري أراد أن يوجه رسالة وفيها أنه خطا خطوة قادته الى منتصف الطريق ويبقى على الفريق الآخر أن يقترب منه خطوة مماثلة، ومَن لديه البدائل فليتفضل، لأن الرفض في المطلق سيأخذ الجميع إلى الفراغ القاتل».
وإذ يتفهم الوزير المخضرم موقف «القوات» في اعتراضه على تأييد فرنجية، يرى أنه «من غير الجائز أن يطلب منه القيام بهذه الخطوة مع خصم لدود، وبين جارين بينهما من الاختلاف ما يستدعي الرهان على عامل الوقت لتوفير الضمانات، لأن من حقه أن يرفض ترشيحه قبل أن يصار الى تحضير الأجواء، لعلهما يتفاهمان على نقاط الخلاف أو يفترقان كما هو حاصل اليوم». كما يتفهم موقف حزب «الكتائب»، لأن من حقه الحصول على تطمينات وإن كانت الأمور بينه وبين فرنجية تبقى قابلة للتسوية وخلال فترة قصيرة.
ويفضل عدم الدخول في كل ما يشاع عن وجود صفقة بين الحريري وفرنجية، ويكتفي بالقول إن الأخير صريح ويقول ما لديه من دون «كفوف»، وليس من الذين ينصبون الكمائن للذين لا يتفقون معه. وبالتالي سيحرص على ألاّ يكون قانون الانتخاب لمصلحة فريق على حساب الفريق الآخر، أي أنه يرفض أن يستقوي به مكون سياسي وطائفي على مكون آخر، لئلا يقع البلد في حالة من عدم الاستقرار السياسي.
ويؤكد أن الحريري أراد من خلال مبادرته أن «يُحدث صدمة، فينجح في استيعاب فريقه ويقول إن إطلاقه إياها ينم عن صدقيته في إنقاذ البلد وإن كان يشكل إحراجاً للذين فوجئوا بها، لا سيما من الفريق الآخر قبل الحلفاء».
ومع أنه يرى أن من السابق لأوانه حرق المراحل التي تلي ترشح فرنجية واحتمال انتخابه، لا سيما بالنسبة الى رئاسة الحكومة، فإنه في المقابل يتوقع أن يلقى إسنادها إلى الحريري معارضة سرعان ما تنجح الاتصالات في تبديدها، كما هو الحال بالنسبة الى فرنجية، ليتم الانتقال بعدها إلى الخلاف حول تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب الجديد.
كما أنه يرى أن معظم الأطراف «ستحاول برفضها ترشح فرنجية أو تأييدها إياه، تحسين شروطها في التسوية السياسية»، إضافة إلى أنه يتوقع أن «يحمل مطلع آذار (مارس) المقبل بوادر انفراج، أولاها الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي بانتخاب فرنجية.
أما بالنسبة إلى «قوى 14 آذار»، فقالت مصادر رفيعة فيها لـ «الحياة» إن الاجتماع الذي عقدته ليل أول من أمس تمحور حول النقاط الآتية:
- ماذا سيقول فرنجية في الحوار الذي تجريه معه اليوم «المؤسسة اللبنانية للإرسال»؟ وهل سيعلن ترشحه لأن هناك ضرورة لمتابعته ليكون في وسعنا أن نبني على الشيء مقتضاه.
- التأكيد على تنظيم الاختلاف بين أفرقاء «14 آذار» حول ترشح فرنجية، خصوصاً بين «المستقبل» و «القوات»، وهذا ما حصل في الاتصال الذي جرى أخيراً بين الحريري وسمير جعجع اللذين أكدا على خفض منسوب التوتر، في تظهيرهما موقفيهما وتفادي أي اشتباك سياسي.
- الإصرار على التمسك بـ «14 آذار» لأنها تشكل شبكة أمان لمواجهة مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس، وتحديداً بالنسبة الى تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب، لأن انتخابه لا يعني أن المشكلة انتهت بمقدار ما أنها بداية لمرحلة جديدة تستدعي منها رص صفوفها لتأمين الحماية السياسية، لا سيما إذا ما أسندت الحكومة إلى الحريري.
- التنبه للمناورات السياسية وتجنب الوقوع فيها، خصوصاً تلك التي يمكن أن تحاك ويراد منها إرباك «14 آذار» مع التأكيد على أن الخلاف بين «القوات» و «المستقبل» لا يفسد في الود قضية، وأن التمهل ضروري لتبيان مواقف الأطراف المنتمية الى «8 آذار». |