موسكو - رائد جبر طهران - محمد صالح صدقيان لندن، بيـروت - «الحـيـاة»، رويتـرز، أ ف ب صعّد الكرملين «الحرب الكلامية» ضد أنقرة ووصف تصرُّف سلاح الجو التركي بأنه «جنون» وسط مؤشرات إلى ربط موسكو المسار السياسي في سورية بتقدّم العمليات العسكرية، وعبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن «حزنه» لإسقاط طائرة «السوخوي» الروسية، وأمل بألا يتكرر هذا الحادث «أبداً»، وسط مساعٍ لعقد لقاء يجمعه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة المناخ في باريس غداً. وأفيد في طهران بوجود جهود إيرانية لـ «التهدئة» بين موسكو وأنقرة.
ميدانياً، سقط 30 مدنياً بين قتيل وجريح بقصف قوات النظام السوري حي القابون شمال دمشق، فيما كثّف الطيران الروسي غاراته على مناطق التركمان في ريف اللاذقية.
وأعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن «الحديث عن إجراء انتخابات في سورية أو حتى دفع التسوية السياسية يبدو غير واقعي في ظل سيطرة المنظمات الإرهابية على جزء كبير من الأراضي السورية». واعتبر مراقبون كلامه اقتراباً من موقف دمشق الذي عبّر عنه الرئيس بشار الأسد قبل أيام عندما كرر أن الحل السياسي لا يمكن أن يحصل قبل «دحر الإرهاب واستعادة المناطق» الخارجة عن سيطرة نظامه.
ولاحظ بيسكوف أن بعض البلدان بدأ يتراجع عن «المواقف غير الواقعية المتعلقة بضرورة رحيل الرئيس الأسد»، مشيراً إلى «تعاظم الفهم بأنه في ظل سيطرة داعش والنصرة وغيرهما من المجموعات الإرهابية على جزء كبير من أراضي سورية، لا يمكن الحديث عن مسار سياسي. بدأ الشركاء يدركون أن القوة الوحيدة التي تحارب الإرهاب على الأرض هي القوات المسلحة السورية».
وصعّد بيسكوف اللهجة مع تركيا، معتبراً إسقاطها القاذفة الروسية «تحدياً غير مسبوق» و «جنوناً». وزاد أن موسكو لا يمكن أن تتساهل مع الحادث، مشيراً إلى أن الرئيس التركي «أدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ورطة بسبب تصرفاته».
في المقابل، قال أردوغان في لهجة تهدئة: «أنا حزين للحادث. نتمنى لو لم يحصل، لكنه حصل. آمل بألا يتكرر». وأضاف أمام مناصريه في برهانية (غرب تركيا): «نأمل بألا تتفاقم القضية بيننا وبين روسيا وألا تترك عواقب وخيمة في المستقبل». وجدد دعوته بوتين الذي كان اعتبر إسقاط القاذفة «طعنة في الظهر»، إلى لقاء يجمعهما في باريس على هامش قمة المناخ، مكرراً أنه يمكن أن يشكّل فرصة لإصلاح العلاقات. وقال: «روسيا مهمة لتركيا كما تركيا مهمة لروسيا. البلدان لا يمكنهما الاستغناء عن بعضهما، ويجب ألا ندع القضية تتفاقم إلى حد يقضي على علاقاتنا بالكامل».
وفي طهران، قالت مصادر مطلعة لـ «الحياة» أن إيران دعت الحكومة التركية إلی ضبط النفس وعدم التصعيد مع روسيا. وأردفت أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أجری اتصالين هاتفيين مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف والتركي فريدون سنيرلي أوغلو، لتهدئة الأمور بينهما، و «سمع كلاماً روسيّاً في غاية الاستياء من السلوك التركي، إذ إن بوتين منزعج كثيراً من سلوك أردوغان الذي دعا إلى اجتماع لحلف شمال الأطلسي (بعد إسقاط الطائرة الروسية) بدل العمل لتطويق الحادث». وتابعت المصادر أن ظريف «سمع، في المقابل، كلاماً يتضمن ليونة في الموقف التركي الذي أكد عدم رغبته في التصعيد، لأن تطوّر الأحداث لا يصبّ في مصلحة البلدين».
ميدانياً، أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى جرح 27 شخصاً بقذائف أطلقتها قوات النظام السوري على حي القابون شمال دمشق. وهذه هي المرة الأولى التي تقصف قوات النظام الحي الخاضع لنوع من التهدئة منذ سنة بعد اتفاق مع المعارضة. وأضاف أن قاذفات «يُعتقد بأنها روسية» أغارت على جبلي الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية «وسط اشتباكات في محور جبل النوبة وجب الأحمر ومحاور أخرى».
قتلى وجرحى بقصف النظام حي القابون الدمشقي وغارات روسية على تركمان اللاذقية وريف إدلب
قتل وجرح حوالى 30 مدنياً بقصف قوات النظام على حي القابون شمال دمشق الخاضع لتهدئة بين النظام والمعارضة منذ أكثر من سنة، في وقت واصل الطيران الروسي غاراته على مناطق التركمان في ريف اللاذقية غرباً، إضافة إلى قصف ريف إدلب في شمال غربي البلاد.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس: «تأكدت إصابة 27 شخصاً بجروح بينهم مواطنات، وبعضهم إصاباته بليغة وخطرة، ذلك جراء سقوط قذائف أطلقتها قوات النظام على مناطق في حي القابون عند أطراف العاصمة، في حين نفذ الطيران الحربي عدة غارات على مناطق في حي جوبر (شرق العاصمة)، بالتزامن مع قصف من قبل قوات النظام على مناطق في الحي الذي يشهد منذ أشهر معارك متجددة بين قوات النظام مدعمة بحزب الله اللبناني وقوات الدفاع الوطني من طرف، والفصائل الإسلامية وجبهة النصرة من طرف آخر».
من جهة أخرى، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن «اعتداء إرهابي بقذيفة هاون أطلقها إرهابيون يتحصنون في مزارع الغوطة الشرقية على حي باب توما السكني». ونقلت عن مصدر في قيادة الشرطة أن القذيفة «تسببت باستشهاد شخص وإصابة ثلاثة آخرين بجروح». وأكد «المرصد» مقتل شخص جراء سقوط القذيفة، مشيراً إلى إصابة آخرين بجروح.
وكان مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن أفاد وكالة «فرانس برس» «بإصابة 27 شخصاً على الأقل بجروح السبت جراء سقوط قذائف مصدرها قوات النظام على حي القابون الذي تسيطر الفصائل المقاتلة على جزء كبير منه». ووفق «المرصد»، فإن إصابات بعض الجرحى «بليغة وخطرة».
وغالبا ما يستهدف مقاتلو المعارضة المتحصنون في محيط العاصمة أحياء سكنية في دمشق بالقذائف الصاروخية أصابت في الماضي مدارس ومؤسسات وأوقعت عشرات القتلى، في حين تقصف قوات النظام المناطق تحت سيطرة قوات المعارضة على أطراف العاصمة وفي ريفها بالمدفعية والطيران، ما تسبب بمقتل الآلاف خلال السنوات الماضية.
وتخضع مناطق عدة في ريف دمشق لحصار من قوات النظام ما يتسبب بنقص كبير في الأدوية والمواد الغذائية. لكنها المرة الأولى تقصف قوات النظام حي القابون الخاضع لنوع من التهدئة منذ سنة بعد اتفاق بين النظام والمعارضة.
كما قصفت قوات النظام مناطق في مزارع بلدة خان الشيح في غوطة دمشق الغربية، بالتزامن مع استمرار القصف من الطيران المروحي على مناطق في مدينة داريا، وفق «المرصد» الذي أشار إلى تنفيذ «طائرات حربية 3 غارات على مناطق في مدينة دوما وأطرافها بالغوطة الشرقية».
وقصفت قوات النظام مناطق في بلدة بصر الحرير في ريف درعا بين دمشق والأردن، أعقبه قصف للطيران المروحي بأربعة براميل متفجرة على مناطق في البلدة، دون معلومات عن خسائر بشرية، كما قصفت قوات النظام مناطق في بلدتي عتمان وزمرين في ريف درعا، وفق «المرصد».
في شمال غربي البلاد، قال «المرصد» إن الطيران «شن غارة على مناطق في قرية جبالا في جبل الزاوية، ما أسفر عن إصابة مواطنين بجروح، كما تعرضت مناطق في بلدة كنصفرة بجبل الزاوية لقصف من الطيران الحربي، فيما نفذ الطيران الحربي غارة على مناطق في الحي الجنوبي بمدينة خان شيخون ومناطق في جنوب بلدة خان شيخون».
وتابع: «نفذت طائرات حربية يعتقد أنها روسية غارة على مناطق في أطراف بلدة التمانعة في الريف الجنوبي لمدينة إدلب، وغارة أخرى على مناطق في قرية المغارة في جبل الزاوية. كما تعرضت مناطق في معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، ومناطق أخرى في مدينة بنش في الريف الشرقي لإدلب لقصف من طائرات حربية يعتقد أنها روسية، ما أدى لسقوط 3 شهداء وعدد من الجرحى في معرة النعمان، و6 شهداء وعدد من الجرحى ومعلومات عن اثنين آخرين في بنش، فيما قتل مقاتل من الفصائل الإسلامية من قرية الناجية بريف جسر الشغور في اشتباكات مع قوات النظام والمسلحين الموالين لها في ريف اللاذقية الشمالي، كذلك نفذت طائرات حربية يعتقد أنها روسية غارة استهدفت مقراً لحركة إسلامية جنوب سراقب».
في ريف اللاذقية، قال «المرصد» إن قاذفات «يعتقد أنها روسية شنت غارات على مناطق في جبلي الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية الشمالي وسط اشتباكات بين حزب الله اللبناني وقوات النظام ومسلحين موالين لها من جنسيات سورية وغير سورية من طرف والفصائل المقاتلة والإسلامية مدعمة بالحزب الإسلامي التركستاني وجبهة النصرة من طرف آخر في محور جبل النوبة وجب الأحمر وعدة محاور أخرى بريف اللاذقية الشمالي، وسط قصف من قبل قوات النظام على مناطق الاشتباكات».
وكانت وكالة «رويترز» أفادت في تقرير بأن طائرات روسية «قصفت بكثافة مناطق للتركمان في شمال غربي سورية وفقاً لتحليل بيانات أجرته الوكالة ما يساعد في تفسير زيادة حدة التوتر بين موسكو وأنقرة خلال الأسابيع التي سبقت إسقاط تركيا لطائرة القاذفة الروسية».
وأظهرت بيانات وزارة الدفاع الروسية التي جمعتها «رويترز»، أن الغارات ضربت على الأقل 17 موقعاً محدداً بالاسم في مناطق للتركمان منذ أمر الرئيس فلاديمير بوتين ببدء الغارات الروسية في سورية نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.
ومن واقع البيانات، فإن الصواريخ الروسية دمرت مخازن ذخيرة ونقاط قيادة ومصنعاً لصنع المتفجرات في مدن بينها سلمى وغمام وكسلادشوق غرب جبل العلويين في سورية، وهي مناطق تقول جماعات تعمل في مجال الإغاثة إن سكانها من التركمان. وقصفت بلدة سلمى، وفيها غالبية من السكان التركمان، ثماني مرات على الأقل وتعرضت لأكثر الغارات كثافة. وقصفت الطائرات الروسية 15 هدفاً مختلفاً في نطاق 13 كيلومتراً من هذه البلدة التي تستخدم كقاعدة لمعارضين تدعمهم تركيا في قتالهم ضد الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال سمير علو الأمين العام لـ «الهيئة العليا لتركمان سورية»: «الروس قصفوا بكثافة قرى تركمانية قبل إسقاط الطائرة. آلاف العائلات التركمانية نزحت إلى الحدود»، فيما قال مسؤول تركي كبير: «التركمان مرتبطون عرقياً بتركيا لكن على العالم أن يفهم أن هناك قضية أكبر معرضة للخطر. نشعر بقلق بالغ لأن التحالف المناوئ لتنظيم (داعش) يضعف تحت وطأة هذا القصف». وأضاف: «كيف يمكن حملة ضد التنظيم أن تنفذ بقصف هؤلاء المعارضين الذين يقاتلون بالفعل ضد هذا التنظيم».
ويعيش التركمان في شمال غربي سورية منذ انتقالهم إلى هناك للقتال في صفوف المسلمين ضد الحملات الصليبية القادمة من أوروبا في العصور الوسطى. ويقول مسؤولون إن 300 ألف تركماني كانوا يعيشون في شمال اللاذقية، لكن مراد كافاكدان منسق شؤون سورية في «هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات»، قال إن المتبقين منهم أقل من 25 ألفاً نتيجة للحرب السورية التي شردت أكثر من ستة ملايين شخص.
وكشف تحليل أجرته «رويترز» في الشهر الماضي، أن حوالى 80 في المئة من الأهداف التي قصفتها روسيا في سورية خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من حملتها الجوية، كانت لجماعات أخرى غير «داعش».
وكان «المرصد» أفاد بأنه «سمع دوي انفجار في مدينة اللاذقية، ناتج من إلقاء عنصر موالي لقوات النظام قنبلة على كنيسة في حي المشروع الثاني وسط مدينة اللاذقية، ما أدى لاستشهاد طفلين اثنين من أتباع الديانة المسيحية وإصابة آخرين بجروح»، لافتاً إلى استمرار «معارك كر وفر في منطقة جبل زاهي ومناطق في الأطراف الجنوبية لجبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، ترافق مع قصف متبادل بين الطرفين بالتزامن مع ضربات جوية نفذتها طائرات حربية روسية على مناطق الاشتباكات، وسط تقدم للفصائل واستعادة سيطرتها على جبل زاهي، ما أدى لاستشهاد مقاتل من الفصائل المقاتلة بالإضافة لمقتل 6 عناصر من قوات النظام على الأقل ومعلومات عن المزيد من الخسائر في صفوف الطرفين».
في ريف حلب، قال التلفزيون الرسمي السوري أن جيش النظام انتزع امس أراضيَ من «داعش» بما في ذلك كيلومترات من الطريق السريع الذي يربط المدينة بالرقة معقل التنظيم.
والمناطق التي قال التلفزيون أن الجيش سيطر عليها تقع شرق كويرس وهي قاعدة جوية انتزعت من «داعش» في العاشر من الشهر الجاري، في واحدة من هجمات عدة شنها الجيش السوري بدعم من الضربات الجوية الروسية والقوات الإيرانية وعناصر «حزب الله».
في المقابل، قال نشطاء معارضون أن مقاتلي المعارضة سيطروا على مناطق عدة في ريف حلب الجنوبي. |