موناليزا فريحة تتابع شيرين (18 سنة) من كويا في إربيل المعركة التي بدأت للتو لاستعادة سنجار. شأنها شأن آلاف الايزيديين والايزيديات، لا يزال جرحها مفتوحا على رغم مضي أكثر من 15 شهراً على تلك المحنة التي بدأت بغزو "داعش" منطقتهم. التنكيل الذي مارسه مقاتلو "داعش" في حق الايزيديين، بما فيه استعباد فتياتهم ونسائهم وخطف الرجال وقتلهم، فضح الاساليب الوحشية التي يعتمدها التنظيم لفرض تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية، ودفع واشنطن إلى بدء حملة غارات جوية.
تحت غطاء جوي من مقاتلات الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أطلقت قوات كردية يساعدها آلاف المقاتلين من الايزيديين المسلحين بأسلحة خفيفة هجوماً لاستعادة مدينة سنجار في شمال العراق من "داعش"، في خطوة أولى لتقطيع أوصال دولة الخلافة العابرة للحدود والتي أعلنها التنظيم المتشدد على مساحات واسعة من سوريا والعراق.
فالطريق السريع الذي يمر بسنجار يربط الموصل، المكسب الثمين لـ"داعش"، بمدن يسيطر عليها في سوريا، وخصوصاً الرقة. وعبره تنقل الحاجات الضرورية لنحو 1,5 مليون نسمة لا يزالون يعيشون في الموصل. من هذا المنطلق، صرّح المحلل العسكري اللفتنانت جنرال مارك هرتلينغ لشبكة"سي أن أن" الاميركية للتلفزيون بأن استعادة السيطرة على سنجار تعتبر لا نصراً معنوياً فحسب، وإنما مكسباً استراتيجياً ورمزياً.
وتشمل العملية، استناداً الى تقارير ميدانية، نحو 7500 رجل من قوات البشمركة الكردية يهاجمون البلدة من ثلاثة محاور. وفيما تشارك كتيبة ايزيدية في الهجوم الذي يقوده الاكراد، يتحرك مقاتلون ايزيديون آخرون في شكل مستقل، وإن يكن الجميع يتوقون الى الانتقام من مقاتلي "الدولة الاسلامية" الذين يقدر عددهم بنحو 600 داخل سنجار، بعد الفظاعات التي ارتكبوها عندما غزوا المدينة في آب 2014.
وحتى مساء الخميس، أفادت وكالات الأنباء أن الأكراد سيطروا على ثلاث قرى وقطعوا أجزاء من الطريق السريع 47 بين الرقة في سوريا والموصل. وقال التحالف في بيان: "بدأ الهجوم البري في ساعات الصباح الأولى حين نجحت وحدات البشمركة في إقامة مواقع على طريق 47 السريع وبدأت تطهير سنجار... ستواصل البشمركة عملياتها لإعادة سيطرة الحكومة على مواقع رئيسية في المناطق."
وتهدف عملية "سنجار الحرة"، على ما يبدو، إلى تطويق المدينة والسيطرة على خطوط الإمداد لتنظيم "الدولة الإسلامية" وإقامة منطقة عازلة لحماية سنجار من نيران المدفعية.
وكان العالم تابع برعب العام الماضي تسلق نحو 50 الف ايزيدي كانوا يعيشون في المنطقة، جبال سنجار للفرار من "داعش" في صيف 2014. في حينه تقطعت السبل بآلاف أمضوا اسبوعاً وأكثر تحت شمس صيفية حارقة بلا ماء ولا طعام. وقدرت الامم المتحدة ان نحو خمسة الآف رجل وفتى قضوا في سنجار والقرى المجاورية، فيما خطفت الفتيات والنساء وباعهن الخاطفون سبايا في اسواق "داعش". ولا تزال الروايات تكتب عن الفظاعات التي ارتكبت في حق هذا الشعب.
شيرين تروي تجربتها شيرين الايزيدية التي هربت مع أمها وشقيقاتها الثلاث تتذكر بأسى التجربة المروعة التي عاشتها قبل وصولها الى كويا حيث تعمل حالياً في "مركز جيان للنساء" الذي يعنى بتعزيز قدرات النازحين العراقيين الفارين من سنجار ونينوى، من خلال الدعم النفسي والاجتماعي للنساء والفتيات المراهقات.
وروت في رسالة الى "النهار" عبر البريد الالكتروني: "كنا نائمين عندما أيقظنا جيراننا قرابة الساعة الثالثة فجراً ليقولوا لنا إنهم أتوا، وأن علينا أن نغادر سريعا"، مشيرة الى أن أكثر العائلات تركت كل شيء وراءها ولم تحمل معها الا الثياب التي كانت ترتديها.
في تلك الليلة قرر الرجال أن يلازموا المدينة لحماية ممتلكاتهم وأعطوا الاولوية للنساء لركوب سيارات نقلتهن الى حاجز حيث منعن من مواصلة طريقهن. وأضافت شيرين: "لليلة كاملة مشينا أمي واخواتي الثلاث وأنا وبعض الجيران الى أن وصلنا الى دهوك"، المدينة في منطقة كردستان، حيث مكثوا شهراً في مبان قيد الانشاء بلا أبواب ولا نوافذ، الى أن نقلن لاحقاً الى كويا، في منطقة اربيل.
تعمل شيرين حالياً في مركز كويا لاعادة تأهيل اللاجئين وتساعد اللاجئات على التأقلم مع ظروفهن الجديدة وحياتهن بعيداً من منازلهن. والدها بقي في سنجار مع شقيقيها، وهو ما يبقيها قلقة عليهم طوال الوقت.
صديقتها انتحرت وأعربت شيرين عن قلقها على عائلتها وألمها لما اصاب اثنتين من صديقاتها: "لاماس وسادا (هما اسمان مستعاران) خطفتا... اختار مقاتلو داعش الفتيات اللواتي يريدونهن وأخذوهن بعيداً. سادا انتحرت بعد أسرها بشهرين... لم تستطع تحمل استعبادها، وقد أبلغت عائلتها الامر بعد ذلك بأربعة أشهر. لاماس لا تزال مفقودة ولا أحد يعرف مصيرها". تعيش شيرين آمنة في كويا، لكنها ليست سعيدة: "لا أستطيع نسيان ما حل بنا...شعرنا كأننا وحدنا نحارب ذلك الظلم الذي نزل علينا". بالنسبة اليها والى نساء كثيرات، صار العمل مع متطوعات أخريات ملجأ في وقت الضياع. أم في الرابعة والعشرين من الموصل أبدت قلقها على مصير ولديها :"انا خائفة على مصيرهما... هل يتمكنان من بناء مستقبل جيد". ووافقتها نساء أخريات استمعن الى معاناتها.
"وورد فيجون" سيسيليا لاغارديا، مديرة الاتصالات في "وورد فيجون انترناشونال"، وهي منظمة مسيحية للتنمية والاغاثة تعنى بالاطفال والعائلات والمجتمعات لتجاوز الفقر والظلم، أخبرت "النهار" كم هو مؤلم الاستماع الى نساء في المخيمات بعد سنة من فرارهن من منازلهن. وقالت: "انه جرح مفتوح والتئامه بعيد لان لا حل في الافق".
انطلاقا من تجربتها رأت لاغارديا أن الطريقة الوحيدة التي يمكن مساعدتهن بها هي دعم المبادرات التي يمكن أن تساهم في استعادتهن ثقتهن بأنفسهن والافادة من وقتهن. وأظهر قادة أكراد ومسؤولون محليون قرب جبهة القتال روحا معنوية مرتفعة. ومع أنها لاحظت أن النساء يتأقلمن و"أحيانا يضحكن على مصاعبهن"، لفتت الى أن على العالم أن يجد سبلا لمساعدتهن على عدم فقدان الامل.
الثأر ليست معاناة شيرين، الا نموذجاً صغيراً من مآسي الايزيديين الذين نكلت بهم "داعش". لذلك، تبدو عملية "سنجار حرة"، بالنسبة الى القوات الايزيدية، تتعلق المعركة بعملية ثأر في الدرجة الاولى.
ونقلت "رويترز" عن حسين ديربو قائد كتيبة بشمركة مكونة من 440 ايزيدياً إن رجاله كانوا قادرين على الهجرة إلى أوروبا لكنهم اختاروا البقاء والقتال" فهذه أرضنا وهذا شرفنا. هؤلاء (الدولة الإسلامية) سرقوا كرامتنا. نريد أن نستعيدها".
وكانت القوات الكردية طردت في كانون الاول 2014 مقاتلي "الدولة الاسلامية" من منطقة شمال جبل سنجار، لكن المتشددين لا يزالون يسيطرون على الجهة الجنوبية حيث تقع البلدة. وتسيطر قوات البشمركة حالياً على 20 في المئة من سنجار. |