على رغم الاجواء الضبابية القاتمة، فإن آفاقاً ايجابية لا تزال ترتسم، وآمالاً في إمكان ان تعي الطبقة السياسية خطورة المرحلة، فتعمل على ابتكار حلول تقي البلاد ازمة فراغ مستشر، سيزيد تعميقها اقدام الرئيس تمام سلام على تقديم استقالة حكومته، في ظل عجزها الفاضح عن توفير حل لمشكلة النفايات التي دخلت شهرها الرابع. وقد ابلغ سلام الوزير أكرم شهيب انه سيستقيل إذا اعلن وزير الزراعة عجزه وتخليه عن متابعة الملف، لأن ذلك يعني ان الافرقاء السياسيين لا يريدون إزالة الألغام من أمام الحكومة. وأمهل الأحزاب حتى الخميس المقبل.
وقال مصدر وزاري لـ"النهار" ان وعود بعض السياسيين والاحزاب ذهبت سدى حتى الساعة، لان لا نيات جدية تقابلها. وأفاد ان اقتراح تصدير النفايات الى سوريا في مقابل مئة دولار للطن قوبل بايجابية من كل الاطراف بعد موافقة من دمشق على استيراد نحو الف طن يوميا في مقابل مئة الف دولار تحتاج اليه الخزينة هناك من العملات الصعبة. وقد نوقش الامر كجزء من حل قبل أكثر من شهر، لكن كلمة سر سياسية لبنانية عطلت الاقتراح في مقابل رفض شريحة مقابلة المضي في الترفيعات العسكرية والتشريع، مما ابقى الازمة قائمة. كما ان شراء معامل للفرز والحرق لم يتم بحجة ان الاستيراد والتركيب يحتاجان الى ثلاثة أشهر حداً أدنى، وها قد انقضت المدة من دون الاقدام على أي خطوة.
لكن المصدر الوزاري توقع ايجاد مواقع جديدة للطمر في البقاع بعدما لمس الجميع جدية الرئيس سلام في الاستقالة التي اعتبرها البعض حتى الامس القريب "ممنوعة" من جهات اقليمية. لذا كان الخيار عدم ارجاء مواعيد الحوار الى الاسبوع المقبل، ولو غاب البعض عن جلسة الحوار الوطني الاثنين، لأن ملف النفايات سيتقدم موضوع مواصفات الرئيس العتيد. وستشكل الجلسة مناسبة لتقدير مدى الجدية في معالجة ازمة النفايات او تؤشر بالضوء الاخضر لسلام للمضي في الخيار الصعب.
وقد سعى الرئيس نبيه بري أمس من خلال لقاءات جانبية واتصالات في عين التينة الى تجنب الكأس المرة باستقالة الحكومة، مع تداعياتها السلبية على مجمل الوضع، وخصوصا على جلسة تشريع الضرورة التي يحضر بري لعقدها في الاسبوع الاول من تشرين الثاني، وبمَن حضر، شرط توافر ما درج على تسميته بـ"الميثاقية".
الخطة الأمنية للبقاع وعلى طاولة بري حضرت الخطة الامنية للبقاع التي بحث فيها وزير الداخلية نهاد المشنوق مع رئيس المجلس الذي "تعهد شخصيا متابعة تنفيذ الخطة مع كل الاطراف المعنيين في الجيش اللبناني او الاطراف السياسيين الموجودين في المنطقة"، بعدما اطلعه المشنوق على حصول 425 عملية خطف وسلب في البقاع وتحديدا في مدينة بعلبك ومحيطها خلال 14 شهرا.
وسألت "النهار" مصدرا عسكريا عن الخطة فأجاب: انها تنفذ ببطء ولكن دونها عقبات بسبب طبيعة المنطقة الممتدة الى الجرود والتي تساعد في هروب المطلوبين. وقد اعتمد الجيش خططا جديدة لملاحقة هؤلاء. وتم القبض على كثيرين منهم، ولا يزال كثيرون طلقاء. علما ان عدد المطلوبين بمذكرات توقيف في المنطقة يفوق الثلاثين الفا، ولا يمكن تالياً توقيف هذا العدد. اضف ان وجود العشائر وتضامنها في ما بينها لا يسهل العملية الامنية أحيانا، اذ لا يمكن الجيش مواجهة الأهالي بطريقة جماعية. وما يحصل للقبض على بعض المطلوبين هو رصد وعمليات خاطفة. المهم انه ليس من عوائق او خطوط حمر تمنع الجيش من القيام بواجبه".
لكن مصدراً وزارياً مطلعاً قال لـ"النهار" ان الخطة الامنية طبقت جزئيا في أوقات سابقة بطريقة أفضل منها الآن، وقد هرب عدد من المطلوبين الى الداخل السوري، لكن معظمهم عاد بغطاء "حزب الله" الذي استعان بهم في الحرب السورية فزودهم السلاح وارسل عدداً كبيراً منهم للقتال. وبذلك توافر لهم الغطاء السياسي، والبطاقات الامنية التي تحول دون تعامل الجيش معهم بالطريقة المناسبة". وبعض هذا الكلام أكده وفد بعلبكي زار المشنوق أمس، اذ أشار أحد اعضائه حسن شقير الى "ان الخطة الامنية في بعلبك لم تطبق، وهي مرت مرور الكرام، وكانت ذات طابع فولكلوري".
قوارب الموت وأمنياً ايضاً، تولي قيادة الجيش موضوع "قوارب الموت" التي تهرب الناس عبر لبنان الى تركيا فأوروبا اهتماماً متزايداً بعد مأساة عائلة صفوان، فتزيد رقابتها البحرية، وفي المرافئ، وخصوصا في الشمال. لكن العدوى توسعت اذ اوقفت مديرية المخابرات في صيدا خمسة أشخاص من المتورطين الأساسيين في عملية التهريب التي أحبطت قبالة شاطئ الصرفند. وجاء في بيان للجيش أن دورية تابعة للقوات البحرية أوقفت على مسافة ثلاثة كيلومترات من مرفأ الصرفند جنوب مدينة صيدا الساحلية "مركباً لبنانياً قدرته التحميلية عشرة أشخاص وكان على متنه 36 شخصا بينهم 14 فلسطينيا من نازحي مخيم اليرموك في سوريا و21 فلسطينياً من المخيمات الفلسطينية في لبنان ومواطن لبناني وذلك في أثناء محاولة تهريبهم الى تركيا بطريقة غير شرعية".
"كتب حرة" من جهة اخرى، وعلى رغم الجو العابق بالنفايات، فسحة أمل اضافية، وفسحة ثقافة تضيء على بيروت، اذ افتتح رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه الدورة الـ22 لمعرض الكتاب الفرنكوفوني في "البيال" بعنوان "كتب حرة"، وقد قاطع ثلاثة شبان لارشيه خلال القائه كلمة، منادين بالحرية للمعتقل اللبناني في فرنسا جورج عبدالله، قبل أن تتدخل القوى الأمنية وتعمل على إخراجهم من القاعة واقتيادهم الى فصيلة الدرك وتطلقهم بسند إقامة في وقت لاحق.
زاسبكين تحدث في "اللقاء الارثوذكسي" عن موقف بلاده: اللامركزية في سوريا والحقوق المتساوية للجميع
بالنسبة الى السفير الروسي الكسندر زاسبكين المقايضة غير واردة على الاطلاق في سوريا بين المصلحة الاستراتيجية لدولته، والمصالح الآنية من تجارية ونفطية وسياسية. ويشرح بالحرف وبانفعال: "ان الفلوس (المال) لا يمكن ان تغطي حدودنا الجغرافية مع آسيا واوروبا في حال مارسنا سياسة غير صحيحة، والأمر مصيري في حالة الازمة السورية بالنسبة الينا ولا يتحمل مخاطرة (...)".
كلام زاسبكين ورد أمام جمع من الوجوه والشخصيات، يتقدمهم الوزيران السابقان مروان خير الدين وزياد بارود والنائب علي بزي بدعوة من "اللقاء الارثوذكسي" في مقره في الاشرفية للاستماع الى السفير شارحاً سياسة بلاده حيال الأزمة السورية.
بداية ترحيب من الأمين العام لـ"اللقاء" النائب السابق مروان ابو فاضل الذي سأل عن الغاية من اعادة طرح موضوع موقف الكنيسة الروسية من الحرب في سوريا، وهل في الامر فتنة ومشروع تقسيم وشرذمة يجري التحضير له في الكنيسة الانطاكية. وسأل عن سبب السكوت عن خطف المطرانين وحرق كنائس في سوريا وقتل كهنة ومهاجمة قرى ليختم بأن "لا استعلاء في الكنيسة الانطاكية بين الاسقف والرعية"، مشدداً على "اهمية الحل السياسي وعدم المساومة مع الارهاب".
أما السفير، فاستهل بأهمية الحاجة الى توضيح الموقف الروسي وتبادل الاراء في ما يحدث في لبنان والمنطقة، مشيراً الى متابعته اليومية لتفاصيل ما يجري. وانطلق في مراجعة تاريخية بدأها بسقوط الاتحاد السوفياتي العام 1990 والترتيبات الدولية التي نجمت عنه واتهم الغرب باضاعة فرصة تاريخية لاقامة نظام امني واقتصادي موحد للجميع بالتفاهم مع الروس، والتصرف على قاعدة المنتصر في الحرب الباردة الامر الذي ادى الى تراكمات عدة في العلاقات، حين كان يتبلور نهج روسي جديد على مدى 15 عاماً يقوم على مبدأ تعزيز القدرات الروسية في كل المجالات، والدفع نحو مبدأ تعددية القطب في العالم.
وتحدث زاسبكين عن تفكيك الغرب يوغوسلافيا السابقة، وتوسع "الناتو" والشراكة الاوروبية، وانتقد مبدأ "الثورات الملونة" وما قال إنه سياسة "تدمير الدول" او "إسقاط اصدقاء روسيا"، كما جرى في ليبيا وسوريا، وتابع بلغته العربية ذات اللكنة اللبنانية، ان الغرب أخطأ كثيراً الى ان برزت التيارات الاسلامية الراديكالية. ووصف هذه الظاهرة بأنها "خطيرة جداً"، ونحن راقبناها ونعرفها، لكن الغرب سخف الموضوع ومما ادى الى مزيد من الفوضى". وركز على ان الاستقلالية هي البند الاول في السياسة الخارجية الروسية، متحدثاً بإسهاب عن التعاون مع الدولة السورية في مكافحة الارهاب ومؤكداً الاستمرار في هذا المسار. وأشار الى ان دولته "مع التسوية في سوريا بشرط ان تأخذ في الاعتبار العوامل الطائفية والحقوق المتساوية لجميع مكونات الشعب السوري، الى احترام مبدأ العيش المشترك".
وشرح ان العملية الروسية في سوريا متكاملة، وان دولته "تسعى الى التسوية على اساس بيان جنيف، وان الدولة السورية يجب ان تبقى بمؤسساتها واجهزتها الامنية، والرئيس هو رمز هذه الدولة، في حين فهم الاميركيون من جنيف تنحي الرئيس السوري". واكد اقتناعه بأن الرئيس فلاديمير بوتين ناقش التسوية مع الرئيس بشار الاسد، وان الرئيس السوري متجاوب في موضوع الحوار لتثبيت التسوية السياسية، وان ثمة أفكاراً ملموسة وخطوات وبرنامجاً لاصلاح دستوري تمهيداً للتوصل الى حل، في حين تبقى الاولوية لمكافحة الارهاب.
ورداً على اسئلة الحضور، قال السفير الروسي انه لا يحب مصطلح اقلية واكثرية فالاقلية في رأيه هم من ابناء البلاد ولم يأتوا من الخارج. واشار الى انه لا يوافق على الدعوات الى تفتيت الدول، بل ان الاصح في رأيه هو الوفاق الوطني بين الجميع مع اعتماد اللامركزية وتوسيع الصلاحيات بما يتناسب والوضع الحالي كما جرى في اوكرانيا. واكد رفضه "الكانتونات التي لا تتناسب مع مبدأ السيادة الوطنية ولا يمكنها تأمين العيش المشترك". |