أمين قمورية من العاصمة الجزائرية الى الصخيرات في المغرب الى جنيف في سويسرا، تستمر المفاوضات التي بدأت قبل اشهر في رعاية الامم المتحدة بين اطراف الأزمة الليبية، للتوصل الى خريطة طريق للحل السياسي من طريق جمع أكبر عدد ممكن من الجهات الفاعلة في البلاد ووقف المواجهات المسلحة بين الميليشيات المختلفة.
استناداً الى المتداول في الاعلام، فان البلاد منقسمة بين حكومتين متعارضتين: الاولى في طرابلس يدعمها تحالف ميليشيات "فجر ليبيا" ذات الغالبية الاسلامية، والثانية في طبرق بشرق البلاد يعترف بها المجتمع الدولي وتدعمها "عملية كرامة ليبيا" التي يقودها القائد العام للجيش خليفة بلقاسم حفتر.
ويتطلع الليبيون، ومعهم الدول المجاورة وأوروبا، الى اتفاق يوحد سلطتي البلاد لمواجهة خطر التطرف المتصاعد والمتمثل في تحول ليبيا موطىء قدم لجماعات متشددة، بينها تنظيم "الدولة الاسلامية".
كما يأمل الاتحاد الاوروبي خصوصا في ان يؤدي التوصل الى اتفاق الى تشديد الرقابة على الحدود البرية والبحرية لليبيا من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية، بعدما تحولت سواحل ليبيا منطلقاً يومياً لمئات المهاجرين نحو السواحل الاوروبية التي لا تبعد سوى بضع مئات من الكيلومترات.
ومعروف ان مصر والامارات العربية المتحدة تساندان "عملية الكرامة" في الشرق، في حين ان قطر وتركيا تساندان "فجر ليبيا" في الغرب. ويصف قادة "جماعة الكرامة" المتمركزين في طبرق القريبة من الحدود المصرية خصومهم المتحصنين في طرابلس بانهم ارهابيون، وفي المقابل تصنف جماعة "فجر ليبيا" خصومها في طبرق بأنهم يمثلون الثورة المضادة، التي تسعى الى اجهاض "ثورة فبراير" التي اطاحت معمر القذافي. وكل من الطرفين يطعن في شرعية الآخر ويعتبر نفسه الممثل الحقيقي للشعب الليبي.
مهمة المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة الى ليبيا برناردينو ليون لجمع الهيئتين الرئيسيتين في البلاد احرزت بعض التقدم بمجرد قبول اطراف عدة بالمشاركة في العملية، لكن انجاز الحل لا تزال دونه عقبات كثيرة سياسية واشتراعية وميدانية.
ما يفرق بين الشرق والغرب كبير جداً. لكن ما فجره الحوار داخل كل من الكتلتين يبدو أعمق بكثير. والواقع ان الخريطة السياسية الليبية طرأ عليها تغيير مع مرور الوقت. ويقول الباحث المصري فهمي هويدي، ان الصورة الواقعية لم تعد مقتصرة على جبهة في الشرق يقودها الفريق حفتر وخاضعة لنفوذ "مجموعة الكرامة" ومجلس النواب وحكومة عبدالله الثني، وأخرى في الغرب خاضعة لنفوذ "فجر ليبيا" والمؤتمر الوطني وحكومة خليفة الغويل. ذلك ان الحوارات التي جرت في الاشهر الاخيرة ولا سيما في المغرب أفرزت وضعا جديداً غير معالم الاستقطاب القائم. وفي رأي احد الوثيقي الصلة بالمشهد، ان التباين والانقسام ازاء الحلول السياسية أو الحسم العسكري شملا الجميع، بحيث لم يعد هناك مكون سياسي أو محلي أو اجتماعي في الشرق والغرب، الا وانقسم افراده وتوزعوا على المعسكرين بين فريق يؤيد الاتفاق السياسي ويحبذ الوفاق الوطني مخرجاً وحيداً من الازمة، وفريق آخر لا يرى بديلاً من الحسم العسكري لاستئصال ما يعتبره هذا الطرف ارهاباً وما يعتبره الطرف الآخر ثورة مضادة. وفي هذا الإطار يوضح الكاتب الليبي اسماعيل القريتلي انه في داخل المؤتمر الوطني المؤثر في الغرب مثلا، تيار يقوده أعيان من مدينة مصراتة كانوا موالين للقذافي قبل ان ينقلبوا عليه ويتحولوا قوة عسكرية فاعلة في المدينة، يناهض مجموعات أخرى في "فجر ليبيا"ـ ويعارض توقيع مشروع الحل الذي قدمه المبعوث الدولي في مواجهة تيار آخر في المؤتمر الوطني ايده. والامر نفسه يتكرر في معسكر "الكرامة" في الشرق حيث الانقسام كبير في مجلس النواب بطبرق، آخر هيئة منتخبة ومعترف بها لدى المجتمع الدولي. كذلك برز انقسام داخل الكتلة المؤيدة لتحالف القوى الوطنية وخلاف واضح بين وفد الحوار ولجنة المستشارين التي حلها رئيس مجلس النواب المؤيد لفكرة توقيع مشروع المبعوث الدولي. الى ذلك، فان الفيديراليين في مجلس النواب الذين يدعون الى حكم ذاتي في برقة يلوحون بالتصعيد وانشاء حكومة مستقلة لاقليم برقة واعادة ترتيب موارده وقواته العسكرية والامنية.
أما جيش حفتر، الذي يقود عملية الكرامة ضد الارهاب المتمثل بـ"الدولة الاسلامية" والمجموعات الاسلامية الاخرى، فانه ليس سوى مجموعة من العسكريين الملتفين حول قائده بروابط عائلية وقبلية أو مصلحية، الى بعض الميليشيات المحلية التي تعمل من أجل مصالحها الخاصة المشروعة وغير المشروعة. وهؤلاء لم ينتصروا في معركة منذ اعلان "عملية الكرامة" لا في الشرق ولا في الغرب ولا حتى في معقلهم بنغازي. وقيادة حفتر نفسه هي موضع خلاف مع ضباطه والضباط الاخرين. وهو ليس عبد الفتاح السيسي في مصر وجيشه ليس الجيش الجزائري القوي والمتماسك. وفي الاصل لم يبن القذافي جيشاً وطنياً بل كتائب مسلحة هي أشبه بميليشيات الدفاع الذاتي سقطت بسقوطه. ولولا الدعم العسكري والاعلامي الخارجي لاختفى جيش حفتر عن الخريطة السياسية. ووسط كل ذلك يسرح تنظيم "داعش" ويمرح في محيط درنة وسرت ويلقى بعضهم الدعم القبلي وخصوصا من القذاذفة وبعض انصار النظام القديم، فيما الخلاف الاقليمي على ليبيا لا يزال على أشده بين معسكرات عدة، ليعطي كل ذلك ليبيا المستقبل صورة رمادية تغطي ملامح التفاؤل الصادر من جنيف والصخيرات والجزائر. |