ساحة الشهداء ستكون مساء اليوم على موعد مع 29 آب الذي سيدخل "نادي" التجمعات والتظاهرات الضخمة التي تعاقبت على هذه الساحة الرمز للانتفاضات والثورات المحمولة بمد شعبي ولو اختلفت ظروف ومنطلقات كل منها على امتداد الحقب والعهود والازمات التي تآلبت على لبنان ولا تزال تحاصره بشتى أنواع الاحتقانات الداخلية.
ما ستشهده الساحة اليوم يؤذن بحدث شعبي كبير تبعاً لطلائع الاستعدادات الجارية له والمناخ الذي يسود الحمى الشعبية التي اشعلتها التحركات المتعاقبة لهيئات في المجتمع المدني بدءاً بالحملة التي اطلقت نفير التحرك الشعبي واستقطبت بسرعة التأييد المتدحرج منذ اسبوعين أي حملة "طلعت ريحتكم" التي سرعان ما انضمت اليها حملات وهيئات عدة تحمل تقريباً الشعارات نفسها في مناهضة السلطة السياسية ورموزها ومجمل الطبقة السياسية انطلاقاً من تداعيات ازمة النفايات المستعصية على أي معالجة وحل والتي استولدت تفجير النقمة الشعبية الاوسع التي عرفها لبنان منذ مدة طويلة. واذا لم تكن التظاهرة الكبيرة المنتظرة هي الاولى تشهدها ساحة الشهداء أو ساحات بيروت على خلفية اجتماعية تحديدا اذ سبقتها في حقب سابقة تحركات نقابية مماثلة، فان الحدث المنتظر ابتداء من الخامسة مساء اليوم والذي سيبلغ ذروته بعد السادسة يضع حركة الهيئات المدنية التي ترفع لواءه وما ستستقطبه من جموع أمام مشهدية شعبية ستترك أثرها الكبير على مجمل الاوضاع الداخلية سواء منها التي تتعلق بواقع الازمات الاجتماعية التي تحاصر اللبنانيين او في ما يتصل بانعكاسات هذه "الانتفاضة الاجتماعية " على الازمة السياسية والحكومية.
وسط الاستعدادات لتظاهرة اليوم تراجعت وتيرة الانشداد الى الواقع السياسي الذي بدا غداة الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء في حال مهادنة واضحة في انتظار معاودة الاتصالات السياسية لاستكمال ملامح التسوية التي بدأ العمل عليها قبل الجلسة التي قاطعها وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" والطاشناق و"المردة". كما ان مختلف القوى السياسية تبدو في حال ترقب لما سيحصل اليوم وقراءة دلالاته، علماً ان الحملات الحادة التي تشنها بعض الهيئات المشاركة في التحرك الاحتجاجي بلغت ذروة غير مسبوقة عشية التظاهرة وتمثل بعض مظاهرها في رفع صور لجميع الزعماء اللبنانيين الاساسيين عند نصب الشهداء ليل أمس حملت شعارات بعضها ساخر وبعضها الآخر يتضمن اتهامات بالفساد.
الأمن ولم تحجب هذه الاستعدادات الجانب الأمني المتعلق بالتحسب لحماية المتظاهرين من جهة ومنع الاختراقات أو ما بات يسمى "المندسين " من جهة أخرى، تجنباً لصدامات خلال التظاهرة على غرار ما حصل في نهاية الاسبوع الماضي.
وأبلغ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق "النهار" على هامش المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس أنه سيأمر بسحب عناصر قوى الامن المكلفة حماية تظاهرة المجتمع المدني اليوم إذا لم تستجب قيادة الجيش لطلبه المشاركة في ترتيبات حفظ النظام.وأوضح أن موقفه هذا جاء بعدما تلقى جواباً سلبياً من القيادة على طلب رفعه اليها على هذا الصعيد.ومن المقرر أن يكون هذا الموضوع على بساط البحث في إجتماع مجلس الامن المركزي الذي سيرأسه الوزير المشنوق قبل ظهر اليوم في وزارة الداخلية في حضور كل القادة الامنيين. وأشار المشنوق في مؤتمره الصحافي الى انه طرح في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة تكليف الجيش حفط الامن، لكن غياب مكونيّن أساسيين عن الجلسة حال دون اتخاذ قرار في هذا الصدد "عندئذ طلبنا من قيادة الجيش المؤازرة فكان جوابها الاستعداد لتقديم المؤازرة من بعد وهذا موقف غير حكيم". ورداً على سؤال لـ"النهار" قال المشنوق إن مخاوفه من الاحتمالات الامنية المتصلة بالتظاهرة هي التي دفعته الى عقد مؤتمره الصحافي.
وخلال دردشة مع عدد من الصحافيين رأى وزير الداخلية أن هناك جهات صلبة منها الرئيس سعد الحريري ترفض أن تستجيب للضغوط التي يحاول "حزب الله" أن يفرضها حالياً.
غير ان قائد الجيش العماد جان قهوجي أكد في الوقت نفسه لدى تفقده أمس الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشمالية "التزام الجيش تأمين حماية التظاهرات والتجمعات الشعبية كجزء لا يتجزأ من حرية التعبير التي كفلها الدستور وفي المقابل عدم السماح لاي كان بالخلط بين المطالب الشعبية المحقة والتعدي على أرواح المواطنين وممتلكاتهم وعلى المؤسسات العامة والخاصة"، مشدداً على ان الجيش "لن يسمح للخارجين على القانون باستدراج هذه التظاهرات الى فوضى أمنية".
الرابية والصيفي اما في السياق السياسي، فبرز حرص رئيس "تكتل التغيير والاصلاح " العماد ميشال عون على تمييز حركة انصاره في الشارع عن التحرك الذي سيحصل اليوم اذ حدد الجمعة المقبل موعداً لتظاهر هؤلاء في ساحة الشهداء. وتواصلت في غضون ذلك المساعي السياسية لاستكمال التسوية الحكومية وقام الوزير وائل ابو فاعور بزيارة للرابية موفداً من رئيس "اللقاء الديموقراطي " النائب وليد جنبلاط في اطار التشاور في المخارج للازمة السياسية. ولمح ابو فاعور الى ملاقاة المبادرة التي يعتزم رئيس مجلس النواب نبيه بري اطلاقها غداً من النبطية لاحياء الحوار، مؤكداً تقاطع نيات كل القوى المكونة للحكومة على ضرورة التوصل الى تفاهم سياسي يؤدي الى عودة العمل الى مجلس الوزراء وعودة التشريع في مجلس النواب وعودة النقاش الوطني والسياسي حول انتخاب رئيس الجمهورية.
وعلمت "النهار" أن زيارة الوزير المشنوق لبيت الكتائب المركزي أمس كانت أساساً لثني الحزب عن الذهاب أبعد في تلويحه بسحب وزرائه الثلاثة من الحكومة إذا لم تعد جلساتها منتجة ولم تتمكن من حل قضية النفايات، ترجمةً للموقف الذي عبّر عنه رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل في مؤتمره الصحافي الأخير الإثنين الماضي، علماً أن وزراء الكتائب انسحبوا من جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي ونجحت اتصالات في حملهم على العودة إليها. ونقل المشنوق إلى الجميّل تأكيدات للحل خلال عشرة أيام تقريباً باسم الرئيس تمام سلام، متحدثاً أيضاً باسم الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة.
عون قدّم "خريطة طريق": انتخاب الرئيس من الشعب ليترك المتظاهرون اليوم شعاراتنا وباقون في الحكومة
قدم رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون "خريطة طريق" للوصول الى ما سمّاه "حلا عادلاً وشاملا"، داعياً في الوقت عينه انصاره الى التظاهر الجمعة المقبل.
قال في مؤتمر صحافي عقده أمس في الرابية: "نؤيد ما شاهدناه في الأيام المنصرمة من تظاهرات وما سمعناه من شعارات، إن كانت المطالب محقة، وهي فعلاً محقة، ولكن تبقى المعالجة لنتائج المرض وليس لأسبابه، واذا أردنا تحولاً اصلاحياً حقيقياً علينا أن نشخّص المرض وأسبابه، وبعدها تكون المعالجة فعالة، فننطلق جميعنا في مسار اصلاحي يتضمن: 1 - انتخاب رئيس جمهورية من الشعب مباشرة، وذلك اذا أردتم انتخاب رئيس قبل اقرار قانون جديد للانتخاب. 2 - اقرار قانون انتخاب وفقاً للنظام النسبي، يؤمّن المناصفة العادلة والتمثيل الصحيح. 3 - اجراء انتخابات نيابية شفافة. 4 - انتخاب رئيس الجمهورية من مجلس نواب جديد. 5 - تأليف حكومة وحدة وطنية تضع خطة تغييرية اصلاحية لكل القطاعات وتقوم بالمعالجات السريعة للقضايا وفقاً لأفضلية تفرضها الحاجة".
وأضاف ان "دولاً صديقة تبدي دائماً رغبتها في المحافظة على الاستقرار ودعم الحكومة، وليس هناك شيء أعز علينا من استقرار الأمن والحكم. ولغاية هذه اللحظة ما زلنا نبذل كل الجهود في سبيل ذلك ولكنكم تعرفون أن حكماً فقد شرعيته الشعبية هو من يغذي الفوضى ويضرب الاستقرار، وان الفساد الشامل متفش ويسد شرايين الدولة، وان الأكثرية الحاكمة تعرف تعلقنا بالحكومة لعدم امكان تأليف غيرها ولاسيما انها تمثل رئيس الجمهورية في الحكم، فتبتز الأقلية لتقرر ما تشاء وتقود البلاد الى مسارات خطرة جداً مما أفقد الشعب صبره".
وتطرق الى حملة "طلعت ريحتكم" واخواتها، فنبه المتظاهرين الى أن "الساحة ليست مرهونة لاحد أكثر من غيره، والشعارات التي ترفع هي شعارات جميع الاصلاحيين الذين سبقوكم"، داعياً اياهم الى عدم التطرف "لأنه يسقط القضية ويزرع الفوضى". وأكد ان التيار الوطني الحر لن يشارك في تظاهرة اليوم "لكن ليتركوا الشعارات التي يحملونها لأنها شعاراتنا وليبحثوا عن شعارات جديدة". ودعا "التيار الوطني الحر" الى التظاهر الجمعة المقبل "للمطالبة بخريطة طريق الاصلاح، وبالحق في الشراكة الوطنية وبمحاربة الفساد".
ورداً على سؤال قال: "نحن لا نستقيل من الحكومة، ولم يكن من داع للبقاء فيها لو كان هناك إمكان لتأليف حكومة جديدة. كما أن هناك من يحاول ابتزازنا عن طريق مطالبته لنا بالاستقالة، لأنه يعرف أننا مقيدون، ويبدو انهم ينتظرون منا ان نقدم على هذه الاستقالة كي تتفلت الأمور في الداخل. هناك من يطالبنا أيضاً بالاستقالة من مجلس النواب، فالتشريع والنصاب القانوني داخل البرلمان يستمران لأن الأكثرية تبقى مؤمنة، ولكن الرقابة تنتفي بغيابنا. من هنا سنبقى في الحكومة والمجلس، ولو كان بامكاننا تأليف حكومة جديدة، لكنا قدمنا الاستقالة منذ زمن. أما في ما خص موضوع المؤتمر الذي يقوم بتحضيره الرئيس نبيه بري، فلم تصلني بعد التفاصيل، ولكن نرحّب بكل ما يدعو الى الحوار".
وعن الوضع الحكومي والمعالجات الجارية، اشار الى انه في الجلسة الأخيرة للحكومة "كان هناك غياب للمواضيع الخلافية، وهذا أمر جيد، وهناك بحث اليوم في الخروج منها"، آملاً في "أن تكون جميع النتائج ايجابية. ولذلك لم اتطرق لهذا الموضوع. ولكن هذا الأمر لا يمنع أن تكون سبباً من الأسباب. ولكن بما أنها قيد المعالجة، فنحن لا نريد أن يتشنج الوضع بسببها".
|