موناليزا فريحة منذ توقيع الاتفاق النووي مع طهران، وقبل ذلك، تصر الادارة الاميركية على التمييز بين الانجاز المتمثل في منع ايران من تطوير سلاح نووي، وملفات سياسية أخرى مرتبطة بطهران، وخصوصاً نشاطاتها في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن. من حيث المبدأ، يفترض المسؤولون الاميركيون أن كلاماً كهذا سيطمئن حلفاء واشنطن في المنطقة الى أن لا صفقات عقدت على حسابهم، وأن منع ايران من امتلاك السلاح النووي سيضعف دورها في المنطقة. لكن ما يحصل عملياً هو العكس تماماً، خصوصاً أن ما يجري على الارض لا يوحي بضعف ولا بضعفاء.
مسؤولان بارزان في وزارة الخارجية الاميركية تحدثا هذا الاسبوع الى مجموعة من الصحافيين اللبنانيين في مؤتمر عبر الفيديو محاولين على ما يبدو تبديد بعض القلق من أبعاد أخرى للاتفاق ، وخصوصاً في ما يتعلق بامكان تعزيزه دور ايران في المنطقة على حساب حلفاء تقليديين لواشنطن. وهما انطلقا خصوصاً من مبدأ أساسي مفاده أن ايران بلا سلاح نووي ستكون أضعف مما لو امتلكت سلاحاً كهذا، لذلك فان "الهدف الرئيسي للاتفاق هو منعها" من تصنيع هذا السلاح.
لا شيء في اتفاق فيينا مبني على الثقة على حد تعبيرهما، وإنما على التحقق والتفتيش، واذا انتهكت ايران الشروط الواردة فيه "فلدينا وسائل لمواجهتها"، بما في ذلك فرض عقوبات جديدة.
في واشنطن يستمر النقاش في شأن "وسائل المواجهة". وهذا الاسبوع، واجهت الادارة انتقادات حادة مع كشف وكالة "الاسوشيتد برس"، "خريطة طريق" وقّعتها إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، تتيح لطهران استخدام خبراء إيرانيين للتحقيق في مجمّع بارشين الذي تشتبه الوكالة في أن إيران أجرت فيه اختبارات سرية لصنع سلاح نووي.
أحد المسؤولين الاميركيين الذي رافق وفد المفاوضات الى فيينا، دافع بقوة عن الاجراءات المقررة لمنشأة بارشين، قائلاً إن الامر يتعلق باتفاق ثنائي بين طهران والوكالة اطلعت عليه مجموعة الست و"تمكنا من تقديم ايجاز الى الكونغرس في شأنه نظراً الى أهميته"، موضحا أن الامر لا يتعلق بأية أعمال مستقبلية وإنما بما قام به الايرانيون في الماضي، مؤكداً أنه "اتفاق تقني محدد في شأن ما حصل قبل عقد تقريباً ونحن على اطلاع على كل تفاصيله".
قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني الذي يواجه عقوبات دولية وأميركية على السواء، يستفيد حكماً من رفع العقوبات التي تفرضها عليه الامم المتحدة بموجب الاتفاق النووي. أما العقوبات الاميركية ، فيقول المسؤول الاميركي إنها "لا تزال سارية وستبقى سارية ولا يمكنني أن أخمن الوقت الذي سترفع فيه".
دور ايران في المنطقة والحزم الذي تبديه واشنطن في الدفاع عن الاتفاق النووي يقابله تردد كبير في شأن الابعاد الاخرى للاتفاق. مسؤولون كثر، بدءاً من الرئيس باراك أوباما، يكررون أن لا أوهام لديهم حيال تصرفات طهران في المنطقة، ويقرون بأنها لا تزال تضطلع بدور في زعزعة الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، يصرون على أن هذا الدور يمكن أن يكون أكثر خطراً إذا امتلكت طهران السلاح النووي.
ويعترف المسؤولان الاميركيان بأنه ينبغي عدم النظر الى الاتفاق بمعزل عما يحصل على الارض في المنطقة، لكنهما واثقان من أنه ستكون له تبعات كبيرة على المسائل الاقليمية، ويقولان إن واشنطن تعمل وستواصل العمل على بناء قدرات حلفائها لمواجهة ايران.
أحدهما شرح أن رفع الملف النووي عن الطاولة يمكّن واشنطن من التركيز على نشاطات طهران المتعلقة بزعزعة الاستقرار في المنطقة، بما فيها دعم الارهاب. ففي سوريا مثلاً بات حصول انتقال سياسي حقيقي جزءاً من جهد ديبلوماسي جديد. ولمح الى نشاط ديبلوماسي أميركي و دولي إضافي تشارك فيه روسيا للدفع في اتجاه انتقال سياسي و"مواجهة المشكلة الرئيسية في سوريا، وهي الدعم الايراني المستمر للنظام الذي يقتل شعبه".
"حزب الله" وموقف واشنطن من "حزب الله" هو أحد الهواجس التي أثارها الاتفاق. ولكن رداً على سؤال عما اذا كانت واشنطن غيرت موقفها من الحزب بعد الاتفاق النووي، قال أحد المسؤولين بالعربية وبحزم: "أبدا"، قبل أن يضيف: "لا دخل للموضوع النووي بحزب الله.لا شيء اطلاقاً مما قمنا به أو سنقوم به في هذا الشأن يفترض أي تغيير. موقفنا من الحزب في ما يتعلق بدوره في سوريا واضح. الحزب يجب ألا يكون في سوريا وعلى كل حزب في لبنان أن يلتزم اعلان بعبدا. ولا نعتقد أن اللبنانيين يريدون أن يتورطوا في النزاع في سوريا. لدى لبنان ما يكفيه من التحديات وعليه مواجهتها لا ايجاد تحديات أخرى.حزب الله بالنسبة الينا لا يزال منظمة ارهابية".
أما دور "حزب الله" في محاربة "داعش"، فليس موضع تقدير في واشنطن.ببساطة، يستعيد المسؤول الاميركي قول وزير الخارجية جون كيري إن أعمال العنف التي يمارسها الاسد تشكل "مغناطيساً" للمتطرفين، لذا لا يمكنه أن يكون جزءاً من التحالف ضد "داعش"، مثله مثل "حزب الله" الذي يدعمه.
لبنان وما يحصل حالياً في لبنان لم يكن وارداً على جدول الايجاز بحجة أن النقاش مخصص للاتفاق النووي الايراني وتبعاته في المنطقة. ولكن، بما أن واشنطن تدرج الاتفاق في اطار استراتيجية أوسع لاحتواء نشاطات طهران في المنطقة، بما فيها لبنان، يشرح المسؤولان أن هذه الاستراتيجية تشمل تقديم مساعدات اقتصادية وانسانية وعسكرية للبنان، مذكراً بالمساعدات التي قدمتها واشنطن للجيش اللبناني، ومنها مقاتلات وصواريخ وبرامج تدريب، وواعدا بالمزيد في الاشهر المقبلة.
وفي مسألة الانتخابات الرئاسية، ناشدا الزعماء اللبنانيين التوحد لانتخاب رئيس من أجل المصلحة الوطنية "لانه لا يمكن لبنان التعامل مع التحديات الامنية والاقتصادية والسياسية من دون رئيس كامل الصلاحيات وحكومة كاملة الصلاحيات". ولفتا الى الدعم الكبير الذي يتمتع به لبنان لا في الادارة الاميركية فحسب، وإنما في الكونغرس أيضاً. |