عادل الحاج سالم لا شكّ أنّ من قرّروا أنه من الضروري المصادقة قبل يوم غد السبت 25 جويلية 2015 على مشروع القانون الأساسي عدد 22 / 2015 المتعلِق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال انطلقوا في قرارهم هذا
من رمزيّة هذا التاريخ أولا باعتباره يصادف الذكرى 57 لإعلان الجمهورية، كما إنّه يوافق الذكرى الثالثة لاغتيال الشهيد محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والقيادي المعرض في تونس ما بعد الثورة والذي كان مقتله الغادر إيذانا بانطلاق العدّ العكسيّ لإنهاء حكم الترويكا والمرور عبر حكومة تكتوقراط توافقية إلى انتخابات تشريعية ورئاسية أنهت الفترة الانتقالية.
لكنّ هذه الرمزيّة لم تشفع في شيء في إقناع بعض الأطراف بجدوى هذا التاريخ، لأنّ لها رأيا بخصوص مشروع القانون إجرائيا ومضمونيا. فقد أصدرت 15 من الجمعيات ومنظمات تونسية قالت إنّ ما يجمع بينها هو نضالها ماضيا وحاضرا «من أجل حماية حقوق الإنسان في كونيتها وترابطها وشموليتها وعدم قابليتها للتجزئة» بيانا عبّرت فيه عن «وقوفها على عدد من التهديدات الجدّية والخطيرة للحقوق والحريات التي يضمنها الدستور وتكفلها المواثيق والصكوك الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية» وتراوحت هذه التهديدات حسب البيان بين التسرّع في عرض مشروع القانون الأساسي عدد 22 /2015 المتعلِق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه دون «إيفاء هذا النص الهامّ في علاقته خاصة بالحقوق والحريات الحيز الزمني الضروريّ لمناقشته بشكل معمّق وجدّي من قبل نواب الشعب وللتفاعل الموضوعي معه من قبل الرأي العام». وبخصوص نفس الموضوع رأت هذه الجمعيات والمنظمات أنّه «تمّ الاقتصار على سماع الحكومة ومؤسسات الدولة حوله» ..»ورفض سماع مكونات المجتمع المدني ذات الصلة رغم الملاحظات والانتقادات الشديدة التي وجّهتها العديد من الجمعيات والمنظمات للمشروع وما تضمنه من إخلالات وهنات عديدة تفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة للحقوق الإنسانية»..أكد البيان أنّها ناتجة عن «اعتماد تعريف واسع لمفهوم الجريمة الإرهابية والتحريض على الإرهاب وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة وغياب ضمانات لحماية الحرمة الجسدية والمعنوية للمظنون فيه وضرب مبدأ علنية الجلسات والإصرار على الإبقاء على عقوبة الإعدام رغم عدم نجاعة تلك العقوبة في التصدي للإرهاب ورغم ما يشكله هذا الاتجاه من تراجع عن الالتزامات الدولية لتونس الرامية إلى إلغاء هذه العقوبة اللاإنسانية من القانون الجزائي التونسي فضلا عن ما يحتويه مشروع القانون من تقييد واضح لحرية الصحافة وحرية النفاذ إلى المعلومة».
حق النفاذ إلى المعلومة وزجر الاعتداءات على الأمنيين البيان وإن صدر قبل ساعات فحسب من عرض مشروع القانون الأساسي عدد 22 /2015 المتعلِق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال على المصادقة، فإنّه لم يقتصر على إبداء الرأي حوله إجرائيا ومضمونيا بل تجاوزه إلى نقاط أخرى بات واضحا منذ فترة أنّها تشغل مناضلي حقوق الإنسان في تونس خاصّة مع إعلان حالة الطوارئ وما صاحبه من جدل. من ذلك قرار الحكومة في بداية هذا الشهر بسحب مشروع القانون الأساسي المتعلق بحقّ النفاذ إلى المعلومة من مجلس الشعب «دون تقديم أي توضيحات» حسب تعبير البيان و»بعد استكماله كل مراحل الإعداد وقبيل مناقشته أمام الجلسة العامّة، مقابل عدم استجابتها لمطلب المجتمع المدني بضرورة سحب الحكومة للمشروع الذي تقدمت به والمتعلق بزجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح رغم رفض كافة القوى الحية والديمقراطية بالبلاد لهذا المشروع نظرا لصبغته الزجرية وتضييقه الخطير على حقوق وحريات التونسيات والتونسيين»... فالخلاف إذن لا يقتصر على قانون مكافحة الإرهاب وعدم إيفائه الوقت اللازم بل هو متصل بالوضع العام في البلاد والذي ترى هذه الأطراف انه مهدد بانتكاسة في مجال الحريات العامة عنوانه إطلاق أيدي الأمنيين مقابل التضييق على حرّية الإعلام ممثلة أساسا في حق النفاذ إلى المعلومة.
الإعلام والمجتمع المدني مهدّدان وما يؤكّد ذلك هو الإشارة إلى «الاعتداءات المتواصلة على المواطنين وأيضا الصحفيين والعاملين في قطاع الإعلام سواء من خلال الهرسلة الأمنية أو كذلك من خلال التتبعات القضائية وآخرها استدعاء الصحفي نور الدين المباركي أمام التحقيق من أجل نشره لصورة إرهابي سوسة وذلك على مقتضى قانون الإرهاب» باعتبارها مؤشّرا إضافيا على « من مخاطر التضييق على الحقوق والحريات ونظرا لما شهدته مؤخرا منظمات المجتمع المدني المناضلة من أجل حقوق الإنسان من محاولات تهميش دورها وتشويهها» ليعدّد البيان بعد ذلك بعض مظاهر هذا التهميش وهذا التشويه متوقفا عند «عودة حملات التشويه التي تقودها بعض الصحف خاصة ضدّ المنظمات الدولية العاملة في تونس، وهي حملات بدأت تتخذ بعدا خطيرا عبر استعادة منطق التخوين».. وكذلك «تقييد مجال إشراك مكوّنات المجتمع المدني في مسارات الإصلاح التشريعي والمؤسسي والسياسي والاقتصادي»..وما اعتبرته المنظمات والجمعيات الممضية « مماطلة» من مجلس نواب الشعب في منح بطاقات الاعتماد لملاحظي بعض منظمات المجتمع المدني»وذلك «للحدّ من دورها في متابعة ورصد أعمال المجلس وتقديم ملاحظاتها وتوصياتها حول سير العملية التشريعية».
تضامن وإصرار على الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ويخلص البيان إلى تأكيد الأطراف الممضية أنها أمام هذه التهديدات لمسار الإصلاح التشاركي والديمقراطي وما تشكله «من محاولات العودة إلى الممارسات البالية والقائمة على الانفراد بالقرار وغياب الشفافية وبالنظر إلى مخاطر الانزلاق إلى تقييد الحريات بدعوى محاربة الإرهاب» فإنها تتضامن مع مكوناتها الوطنية والدولية في «مواجهة محاولات التشويه وتضليل الرأي العام» وتعبر عن « يقظتها الدائمة والمتواصلة لرصد وفضح تقييد وانتهاكات حقوق الإنسان واستعدادها المبدئي للتحرك والذّود عن حريات وحقوق المواطنات والمواطنين التونسيين».
من يسمع ناقوس الخطر؟ لا شكّ أنّ هذا البيان قد استند إلى وقائع وممارسات ملموسة فليس من السهل مطلقا أن تلتقي كلّ هذه الأطراف وفيها قوى اجتماعية وحقوقية عريقة وقامت بأدوار نضالية هامّة قبل الثورة وبعدها وبأدوار رصينة في رصد الانتهاكات وفي إنجاح المسار الانتقالي بعد الثورة، والتصدّي لكلّ انحرافات أو نوايا التفريط في الحريات الفردية والعامّة، وأن تكون لها رؤية مشتركة يمكن أن نقول أنّها تدقّ ناقوس الخطر وتننبّه إلى انحراف وشيك –بدأت بعض إرهاصاته- عن مطامح الشعب التونسي التي عبّر عنها في شعارات ثورته والتي حرص عبر ممثليه السياسيين والمدنيين والنقابيين والحقوقيين على أن يكون الدستور معبّرا عنها وضامنا لها.. فهل سيكون هذا البيان دعوة ضمنيّة إلى تفتيت الجفوة الحاصلة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني وإعادة صياغة دور كلّ منهما بما يحقق الغايات الـأسمى للدستور أم ستكون مجرّد صرخة أخرى في وادٍ؟
الجمعيات والمنظمات الممضية على البيان - الاتحاد العام التونسي للشغل - النقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين - الائتلاف المدني للدفاع عن حرية التعبير - الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان - المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية - اللجنة من أجل احترام الحريّات وحقوق الإنسان في تونس - جمعيّة يقظة من أجل الديمقراطيّة ومدنيّة الدولة - التنسيقيّة الوطنيّة المستقلّة للعدالة الانتقالية - منظّمة 10_23 - الجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيات - الجمعيّة التونسيّة للقضاة - دستورنا - الشبكة الوطنيّة لمقاومة الرشوة والفساد - الرابطة التونسيّة للمواطنة - مخبر الديمقراطيّة
الجمعة 24 جويلية 2015 |