الخميس ٢٨ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٥, ٢٠١٥
المصدر : جريدة الحياة
سوريا
تحقيق: معسكرات الموت في دير الزور ... على هذا النحو يربي «داعش» مقاتليه
دير الزور - حسام جابر 
يوم السادس عشر من تشرين الثاني 2012 كان أهالي مدينة دير الزور (شرق سورية) يتغنون ببطولة شاب في السابعة عشر من عمره يقتحم قطاعاً تسيطر عليه قوات النظام ليسحب صديقه المصاب قبل أن تعتقله قوات الأسد ويصبح علي الحسن أحد أفراد كتيبة «أبي القاسم» التابعة للجيش الحر بطلاً خرافياً تتغنى به فتيات دير الزور خصوصاً بعد أن أصبح متخصصاً بسحب جثث القتلى من مناطق يصعب الوصول إليها. وفي آذار 2015 أبلغ أحد مقاتلي التنظيم عائلة الشاب أن ابنها قد قتل في العراق بعد تنفيذه عملية انتحارية ضد تجمع لقوات الجيش العراقي في معسكر سبايكر شمال غربي تكريت.

علي الذي تحول بين يوم وليلة من عنصر في الجيش الحر وعدو لدود لمقاتلي التنظيم الذين اعتقلوه بعيد اقتحامهم للمدينة بتهمة قتال التنظيم حيث كان الشاب واحداً من أربعين شخص بايعوا بيعة موت كي لا يدخل التنظيم المتطرف إلى المدينة قبل أن يقتل قسم منهم ويهرب القسم الأغلب ويكون الاعتقال مصير علي وثلاثة من رفاقه.

كاد الشاب يقتل، قبل أن يشير أحد أمراء التنظيم ممن تولوا التحقيق معه بالاستفادة من إمكانياته العالية وإخضاعه لدورة شرعية وأخرى عسكرية فيخرج علي من معسكره التدريبي جندياً من جنود «أمير المؤمنين» أبي بكر البغدادي جاهزاً ليموت في سبيل رفعة «داعش» وبالطبع فـ«أبواب السماء مفتوحة مرحبة به».

«المعسكر التدريبي هو اختبار روحي ونفسي قبل كونه دورة قتالية» يقول محمود الخضر واصفاً المعسكر الذي تلقى تدريباته العسكرية فيه كشرط لازم غير كاف لمبايعة الدولة الإسلامية. محمود هو أحد أفراد كتيبة «الأنصار» التي أعلنت ولاءها للتنظيم قبل اقتحامه للمدينة وتعد كتيبته إحدى الكتائب التي ساهمت بتسهيل اقتحام التنظيم للمدينة في تموز 2014، قبل أن يعمد التنظيم إلى اعتقال بعض قيادات الكتيبة بعد عثور عناصر التنظيم على مخزن سلاح لم تبلغ الكتيبة عنه ولم تقم بتسليمه، وتجبر البقية على الخضوع لدورات شرعية وعسكرية تمهيداً لمبايعة التنظيم.

«صباح يوم السبت 31 كانون الثاني 2015 بدأت معسكري التدريبي. كانت السيارة تنتظرنا عند دوار الصالحية لتقلنا إلى مكان لا نعرفه فقد أمرنا بتغطية أعيننا بعصابات سوداء» يروي محمود. طريق الحسكة وفي منطقة قريبة من قرية غريبة التابعة لناحية الصور في الشمال الشرقي لدير الزور هو ما يرجح محمود أن يكون مكان إقامة المعسكر وفي هذا الموضع الذي يفترضه أقامت «جبهة النصرة» أوائل معسكرات التدريب في المنطقة عام 2012.

تعد معسكرات التدريب التي يقيمها التنظيم رافداً بشرياً مهماً لجبهات القتال الكثيرة التي يقاتل فيها ضد أعدائه، وتشهد المعسكرات إقبالاً كبيراً من قبل جموع المبايعين الجدد للتنظيم فالمدة التي قضاها محمود وزملاؤه في الكتيبة بين لحظة مبايعتهم للتنظيم في تموز 2014 وبين بداية معسكرهم في آخر كانون الثاني 2015 تعطي فكرة واضحة عن الأعداد الهائلة التي تبايع التنظيم وتنتظر دورها للانخراط في معسكراته التي تخرج الدفعة منها وسطياً 500 مقاتل. ومع انتشار معسكرات التنظيم على امتداد مساحات سيطرته في كل من سورية والعراق، فإن آلاف المقاتلين يتم تخريجهم شهرياً والدفع بهم لقتال أعداء التنظيم وهؤلاء جميعاً يشكلون خزاناً بشرياً هائلاً لطالما تبجح به التنظيم في إظهار قوته الهائلة.

في الحادي عشر من شباط 2015 حصل موقع WND الأميركي على وثيقة استخباراتية مأخوذة عن الاستخبارات المصرية تفيد بأن تنظيم الدولة الإسلامية بات يملك جيشاً يتألف من أكثر من 180000 مقاتل، وعندما نأخذ في الاعتبار العلاقة الوثيقة التي تربط الاستخبارات المصرية بنظيرتها الأميركية ندرك أهمية هذه الوثيقة الاستخباراتية حتى وإن كانت تظهر تعداد جيش التنظيم أكبر بست مرات مما تعتقده الـ CIA.

يتابع محمود حديثه: «نستيقظ يومياً عند صلاة الفجر ونبدأ درس الرياضة واللياقة باكراً قبل أن نتناول وجبة الفطور التي تكون عموماً بسيطة، فالتعود على خشونة العيش أحد أهداف المعسكر أيضاً».

يستمر معسكر التدريب 35 يوماً يتم التدريب فيها على كافة المهارات القتالية بدءاً من الأسلحة المتوسطة إلى الثقيلة مع دروس في كيفية صناعة المتفجرات، ولا يهمل التنظيم طبعاً الجانب الروحي، فهناك درس يومي في العلوم الشرعية والفقهية الأساسية بين صلاة المغرب والعشاء، وفي حقيقة الأمر فان هذه الدروس تحديداً هي العامل الأهم في تكوين شخصية عنصر التنظيم النمطية كما يشتهيها منظرو التنظيم. كل هذه الدروس تتحدث عن أحكام فقهية مناسبة في حالات الحرب تفرض قتل المخالفين ولو بالظنة وهذه المعاني نجدها كثيراً في أحد أهم كتب تنظير التيار «السلفي الجهادي» المسمى فقه الدماء لأبي عبد الله المهاجر.

تظهر هذه التوصيات جلية في العدد الخامس من مجلة «دابق» الإلكترونية التي يصدرها التنظيم. لا يسمح للمتدرب بطبيعة الحال اصطحاب أي جهاز إلكتروني معه وتكون الإقامة في الخيام وفي بعض الأحيان في غرف مسبقة الصنع نقلت من أمكنة أخرى إلى أماكن التدريب.

الاختبار ضروري في آخر المعسكر ليس لجهة إتقان الأعمال العسكرية فقط وإنما هو اختبار في مدى استيعاب مقاتلي الدولة الجدد لدروس الفقه التي أخذوها ولعقيدة الولاء والبراء التي تشكل مرتكزاً مهماً في التكوين الروحي لمقاتلي التنظيم.

«إنهم يخدعوننا ويمنعوننا من التدخين ويدخنون يطلبون منا العيش بخشونة ويصورون موائدهم العامرة بما لذ وطاب من الطعام بينما الناس جياع، رفضت الذهاب للقتال في العراق ثم هربت من جحيم الموت عند التنظيم» هكذا يروي محمود قصة انتهاء علاقته بالتنظيم وهروبه قبل أن يموت في سبيل لا شيء. تجربة مريرة عاشها محمود وما زالت آثارها عالقة في رأسه، فالخوف رفيق دائم لنومه ويقظته «ما زلت خائفاً من انتقام «داعش» مني بطريقة ما على رغم ابتعادي عنهم. ولست نادماً على شيء فما كنت لأعرف الحقيقة من دون خوض هذه التجربة». استطاع محمود أن ينجو بنفسه لكنه بقي حالة فردية بين آلاف من الشباب لم تتح لهم فرصة مماثلة.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة