في ضربة لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اغتيل النائب العام المصري هشام بركات أمس في تفجير استهدف موكبه في حي مصر الجديدة في بالقاهرة، بعد شهر من دعوة تنظيم "الدولة الاسلامية" الى مهاجمة القضاة ردا على ملاحقة واعدام اسلاميين. وتأتي هذه الجريمة التي استهدفت العدو اللدود لجماعة "الاخوان المسلمين" عشية الذكرى السنوية الثانية لـ"ثورة 30 يونيو" التي أنهت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
وبركات هو اعلى مسؤول حكومي يقتل منذ بدء الهجمات التي تعلن منظمات اسلامية متطرفة تنفيذها رداً على الاعتقالات والاحكام التي صدرت في حق اسلاميين منذ اطاحة مرسي في الثالث من تموز 2013. وعين المستشار هشام بركات بعد هذا التاريخ، وكان يعتبر معارضا شرسا للاسلاميين الذين احال الآلاف منهم الى المحاكم التي اصدرت مئات الاحكام بالاعدام عليهم.
واصيب هشام بركات في التفجير الذي حصل في ميدان الحجاز امام الكلية العسكرية في حي مصر الجديدة شمال القاهرة ونقل الى المستشفى. وبعد ساعات ، قال وزير العدل المصري احمد الزند لصحافي: "لقد توفي". وأوضح طبيب أشرف على معالجة النائب العام أن بركات توفي جراء فشل في الاعضاء نتيجة اصابته البالغة، بعد معاناته نزفاً داخلياً.
وفي أول رد فعل على الاغتيال أعلنت جماعة "المقاومة الشعبية في الجيزة" مسؤوليتها عنه، بينما توعدت الرئاسة المصرية في بيان نعي المستشار بركات بان "مرتكبي هذه الجريمة النكراء سيلقون اشد العقاب".
هشام بركات العدو اللدود لـ"الإخوان" الذي "فضّ" رابعة وأحال مرسي على الجنايات
موناليزا فريحة كان مفترضا أن تحيي مصر اليوم الذكرى الثانية لـ"ثورة 30 يونيو" التي أنهت حكم "الاخوان المسلمين". الذكرى لم تكن لتثير في أي حال حماسة كثيرين في ظل الخيبة التي يعيشها المصريون والتعثر الذي تشهده البلاد والاوضاع الاقتصادية السيئة التي تعانيها. الا أن صور الدماء التي سالت في مصر أمس مع اغتيال النائب العام هشام بركات، تكاد تطغى على صور الملايين التي نزلت الى الميادين قبل سنتين لاستعادة ثورتها. يعد بركات الذي توفي متأثراً بجروح أصيب بها بعد ساعات من تفجير استهدف موكبه في حي مصر الجديدة بالقاهرة، المسؤول الارفع مستوى يُقتل في هجوم منذ عزل الرئيس الاخواني محمد مرسي منتصف 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر سنة، وضربة قوية للرئيس السيسي الذي تعهد التصدي للعنف الاسلامي.
وقد تبنت جماعة غير معروفة كثيراً في مصر وتطلق على نفسها اسم "المقاومة الشعبية في الجيزة" العملية في صفحتها بموقع "فايسبوك"، قائلة إنها استهدفت سيارة النائب العام أمام منزله ونشرت صورا قالت إنها للانفجار. ولاحقا، أفادت "وكالة الصحافة الفرنسية" أن الجماعة أزالت إعلان المسؤولية من الصفحة.
وفي أي حال، تكرر في الاونة الاخيرة استهداف العاملين في السلك القضائي ومسؤولين على أيدي إسلاميين متشددين مناوئين لحكومة السيسي، بعد الأحكام على زعماء "الإخوان" وأعضاء فيها ومؤيديها. الا أن اغتيال شخصية بأهمية بركات تعتبر تحدياً شخصياً للرئيس، ومن شأنه أن يعمق الانقسام والقمع في آن واحد، في دولة لم تخرج بعد من الهزات الارتدادية التي أحدثتها ثورتان كبيرتان.
وسبقت الانفجار الذي أودى ببركات سلسلة تطورات كفيلة بتوضيح بعض من ملابسات الجريمة. فاضافة الى أنها تأتي عشية الذكرى الثانية لـ"ثورة 30 يونيو" التي أطاحت مرسي، وأطلقت المعركة الشرسة بين النظام المصري والجماعة وصولاً الى اعلانها جماعة ارهابية وحظر نشاطاتها، يأتي الاعتداء بعدما دعا فرع تنظيم "الدولة الاسلامية" في مصر الى استهداف القضاء المصري اثر تنفيذ حكم الاعدام في ستة مقاتلين اسلاميين. كما يأتي غداة عرض التنظيم الاحد شريط فيديو باسم "ولاية سيناء" عن اعتداء على قضاة في مدينة العريش حصل في أيار الماضي.
وأمس، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للإخواني أكرم كساب، عضو "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يرأسه يوسف القرضاوي، يحرض فيه على العنف ضد القضاة. ومما قال: "الخلاص من القضاة فريضة شرعية وضرورة بشرية" واصفًا هؤلاء بـ"العبد الذي تنازل عن حريته"، ومطالبًا أعضاء "الإخوان" بالانتقام من رجال الجيش والشرطة والقضاء. العدو اللدود ويعتبر بركات عدواً لدوداً للاسلاميين الذين أحال آلافاً منهم على المحاكم، وانتهت المحاكمات باصدار مئات احكام الاعدام. أما مواجهته المفتوحة مع "الاخوان" تحديداً، فقد بدأت بعيد تأديته اليمين الدستورية نائبا عاما في تموز 2013 أمام الرئيس الموقت عدلي منصور خلفا لعبد المجيد محمود ليكون النائب العام الثالث بعد "ثورة 25 يناير". ذلك ان الجماعة حملته شخصياً مسؤولية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية والنهضة في 14 آب 2013 والذي قتل فيه المئات وجرح الالاف.
وبعد التفجير، كتب الداعية والإعلامي السعودي خالد المهاوش في موقع "تويتر" إن "نهاية النائب العام المصري تشابهت مع ما قرره في فض رابعة".
وبعد تعيينه بشهرين، في أيلول 2013، أحال بركات الرئيس المعزول محمد مرسي و14 من أعضاء وقيادات "الإخوان " على محكمة جنايات القاهرة بتهمة "التحريض على القتل وأعمال عنف" في ما يعرف بـ"أحداث الاتحادية" التي وقعت في الخامس من كانون الأول 2012.
وركزت وسائل الاعلام المقربة من "الاخوان" أمس على سلسلة الاحكام التي أصدرها بركات، ومنها قضية هروب المساجين من سجن وادي النطرون التي أصدر فيها قراراً بإحالة مرسي على محكمة الجنايات بتهمة "التخابر مع منظمات أجنبية بغية ارتكاب أعمال إرهابية"، اضافة الى قراره التحفظ على أموال عدد من القيادات الإسلامية، بينها المرشد العام للجماعة محمد بديع ونائباه خيرت الشاطر ومحمد رشاد بيومي والقيادي في الجماعة محمد عزت إبرهيم والمرشد السابق مهدي عاكف.
وأبرز الباحث المصري بنده يوسف في اتصال مع "النهار" التناقض الكبير في خطاب "الاخوان" أخيراً، "ففي الوقت الذي يتحدثون فيه عن مصالحة ممكنة مع النظام، تثبت تحركاتهم على الارض تورطهم في اعمال عنف". وأشار تحديدا الى توزيع الفيديو المتعلق باغتيال القضاة عشية الاعتداء على بركات، اضافة الى اغتيال مسؤولين آخرين في سيناء.
الى ذلك، لمح الى أن قرار اغتيال بركات صدر في الخارج، موضحاً أن الإخواني أحمد المغير، المعروف برجل خيرت الشاطر، وجه رسالة تهديد الى النائب العام المقبل، إذ كتب في موقع "تويتر": رسالة إلى النائب العام القادم: مفخختك في انتظارك". وأضاف: "تسلم الأيادي... اللي بتقتل الأعادي".
ونعت الرئاسة المصرية بركات، وقالت في بيان "إن مرتكبي هذه الجريمة النكراء سيلقون أشد العقاب"، كما أكدت "وقف المظاهر الاحتفالية التي تم الإعداد لها لإحياء الذكرى الثانية لثورة الثلاثين من يونيو حدادا على الفقيد الراحل".
وأفادت مصادر أمنية أن السيارة المفخخة فجرت من بعد، وأن عشرات السيارات تهشمت أو احترقت كما تحطمت واجهات متاجر ومنازل في الانفجار.
والهجوم على بركات هو استهداف لأعلى مسؤول مصري منذ حاول جهاديون اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد ابرهيم في تفجير انتحاري اواخر 2013. وفي حينه، تبنت محاولة الاغتيال "جماعة انصار بيت المقدس"، التنظيم الجهادي في سيناء الذي اعلن لاحقا مبايعته تنظيم "الدولة الاسلامية".
|