عمر كايد خفت صوت معركة جرود القلمون بعد وصولها إلى جرود عرسال. خطف سقوط تدمر بيد «داعش»، وجزء كبير من البادية، الأضواء. ما عادت معركة التلال والجبال الفاصلة بين لبنان وسورية تشغل الناس، على رغم كل الصخب الإعلامي الذي أثير حولها. خلال أيام عدة، استطاع «حزب الله» والجيش السوري السيطرة على نحو نصف الجرود الفاصلة بين القلمون وسهل البقاع. من جرود عسال الورد، مروراً برأس المعرة والجبة، وصولاً إلى جرود فليطة من الجهة السورية. أما من الجهة اللبنانية، فقد تمكنا من إخراج مسلّحي المعارضة من جرود بريتال ونحلة وبعلبك ويونين. لم تحدث مواجهات مباشرة بين الطرفين سوى في نقطتين، الأولى في قرنة النحلة في عسال الورد، بعدما تفاجأ مسلّحو المعارضة بدخول عناصر «حزب الله» من جرود بريتال. والثانية في الباروح، حيث استمرت المواجهات العنيفة ثلاثة أيام، ولم تهدأ إلا بعد سيطرة الحزب على تلة موسى الاستراتيجية التي تكشف تلال الباروح.
الآن، وصلت المعركة إلى منعطف خطر للجميع. وصلت إلى جرود بلدة عرسال. مساحة جرودها تبلغ ثلاثمئة وخمسين كيلومتراً مربعاً. تمتد مسافة 17 كلم من الغرب أي من عرسال إلى الحدود السورية شرقاً، وتمتد أكثر من 25 كيلومتراً من عرسال جنوباً إلى أطراف جرود رأس بعلبك والقاع شمالاً، حيث تلتقي الجرود الثلاثة في منطقة مشتركة تُسمى وادي رافق. يسيطر الجيش أو يشرف على خمسين كيلومتراً مربعاً من جرود عرسال. له حواجز عدة في وادي حميد، وادي عطا، عقبة الجرد، وادي الرعيان، سرج حسان، المصيدة، وعين الشعب. تسيطر «النصرة» على معظم الجرود العرسالية، إلى وادي عجرم وسهل ميرا نقطة التماس مع «داعش» من الجهة الشمالية الشرقية.
مصدر مقرب من «حزب الله» ينقل عن أحد القادة الميدانيين قوله: «لن يبقى أيّ مسلح في الجرود اللبنانية، ولن يمرّ عليهم شتاء مقبل». خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الأخير، يؤكد الكلام نفسه من دون أن يحدد التوقيت. حيث قال بوضوح: إن أهالي بعلبك والهرمل لن يقبلوا بوجود أي إرهابي في جرود عرسال والبقاع، إذا لم تتحمل الدولة المسؤولية وتخرجهم».
حزب الله، في تقديرنا، إن لم يحسم معركة جرود عرسال، فهو لن يحقّق الأهداف الحقيقية التي شنّت من أجلها هذه الحملة العسكرية الكبيرة. فالمناطق الموالية له باتت أكثر أمناً كما قال نصر الله، لكنها ليست آمنة في شكل كامل. كما أن معركة الاستنزاف التي تتواصل منذ معركة يبرود، ستستمر إن لم تحسم معركة جرود عرسال وجرود قارة والجراجير. فالحزب يسعى الى إخراج المسلّحين من الجرود، ومن ثم إغلاق المعابر الأساسية والرئيسة لها، وإزالة النقاط التابعة له الموجودة في عمق الجبال وعلى التلال، بعد أن عانى كثيراً خلال السنة الماضية في إيصال إمدادات الغذاء والتدفئة إلى تلك النقاط المتقدّمة في فصل الشتاء، إذ كان يتعذر نقلها عبر الآليات التي لا تستطيع التحرّك في هذه الجبال المرتفعة المليئة بالثلوج. والأهم من هذا كله، أن «حزب الله» يريد أن ينتهي من هذه المعركة، لينتقل إلى ميادين ومواقع أخرى، بعد النكسات المتتالية التي أصيب بها النظام السوري خلال الأشهر الماضية. لكن ثمة أمران أساسيان يثيران قلق «حزب الله» من معركة جرود عرسال، هما: قتل العسكريين، وإقدام المسلّحين على اقتحام بلدة عرسال.
«جبهة النصرة»، المحاصرة من الجيش السوري وحزب الله من جهة، و «داعش» من جهة أخرى، باتا في وضع صعب، وقد يضطران للجوء الى أي خيار. خياراتهما باتت صعبة جداً، بسبب نقص السلاح، وتزايد عدد الجرحى في صفوفهما. التطورات الميدانية أظهرت بوضوح، أن ثمة مبالغة كبيرة في إمكانات هذه الجماعات وعديدها وعتادها وخبرة عناصرها القتالية. فالحزب وجيش النظام السوري يمتلكان ترسانة أسلحة ضخمة ومتطورة، تفوق بأضعاف ما لدى «النصرة» وغيرها في القلمون. استخدم الحزب مثلاً، طائرات مسيّرة كانت تتقدم سرايا المقاتلين، وتعطي صوراً مباشرة لتحركات المسلّحين في الجبال والتلال، فضلاً عن صواريخ الكورنيت التي أطلقها عناصره بكثافة.
أمام هذا المشهد، تلوح في الأفق خمسة سيناريوات: الأول، أن يكتفي حزب الله والجيش السوري بمحاصرة المسلّحين في جرود عرسال وتضييق الخناق عليهم، وهذا مستبعد. الثاني، أن يقدم حزب الله على إبرام تسوية مع مسلّحي «جبهة النصرة» تفضي إلى فتح طريق لعناصرها للانسحاب إلى مكان آخر شرط تسليم العسكريين، سيناريو يحاكي ما جرى سابقاً في القصير أو حمص القديمة. أما السيناريو الثالث، فهو مهاجمة حزب الله المسلّحين من الجهتين: الشرقية (من جهة بركة الفختة، وهي آخر نقطة تفصل جرود عرسال اللبنانية عن الجرود السورية)، والجنوبية (من جهة وادي الخوخ ووادي الديب)، وإقناع الجيش اللبناني بالدخول إلى المعركة، وتعزيز النقاط العسكرية الموجودة في الجرود من الجهة الغربية، لمنع المسلّحين من الانسحاب إلى عرسال. وبالتأكيد، لا يستطيع مسلّحو «النصرة» الانسحاب إلى الجهة الشمالية بسبب وجود مواقع «داعش». أما السيناريو الرابع، فهو أن يتقدم حزب الله من البلدات اللبنانية، وتحديداً من جرود البزالية أو النبي عثمان، ويسيطر على جرود عرسال من الجهة الغربية، في مناطق متقدّمة على نقاط الجيش، ويضع طوقاً يمنع فيه المسلّحين من الانسحاب إلى البلدة. التقدم حينها يكون من محورين من ضهر الهوا، وهي آخر نقطة مشرفة من جرود يونين من الجهة الغربية الجنوبية على جرود عرسال، ومن جهة وادي الخوخ ووادي الديب من جهة الجنوب. أما السيناريو الخامس، فهو تمكّن المسلّحين من اقتحام بلدة عرسال خلال الأيام المقبلة. |