دير مار متي (شمال العراق) - أ ب بينما كان مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) يتقدمون صوب هذا الدير الواقع على جبل في شمال العراق، هرع الرهبان لحماية عدد من الأغراض المهمة بالنسبة إليهم وبالتحديد المكتبة التي تضم مخطوطات مسيحية تعود إلى قرون مضت. فتم على وجه السرعة نقل أوراق قديمة مدونة بخط اليد إلى مناطق خاضعة لسيطرة الأكراد في شمال العراق حيث لا تزال إلى اليوم. والمخطوطات موجودة اليوم في مدينة دهوك الكردية التي نزح إليها مسيحيون من مناطق سيطرة تنظيم «الدولة».
وقد أُعطيت وكالة أسوشييتد برس فرصة نادرة للإطلاع على المكتبة الأثرية التي تحوي نسخاً من الأناجيل أو المخطوطات المسيحية المكتوبة بالسريانية - وهي إحدى اللغات الآرامية السامية القديمة - ويعود معظمها إلى ما بين 400 و500 سنة مضت. وأقدم المخطوطات في المكتبة رسائل للقديس بولس تعود إلى 1100 سنة.
ويمثّل إنقاذ المخطوطات نقطة مشرقة وسط الدمار الذي ألحقه تنظيم «الدولة» بالمراكز الدينية والاثرية في المناطق التي سيطر عليها في شمال العراق وغربه العام الماضي. وفر معظم المسيحيين وكثير من أتباع الأقليات الدينية من مدينة الموصل وأجزاء كبيرة من شمال العراق بعد وصول تنظيم «الدولة الإسلامية» في هجومه الخاطف صيف العام الماضي. وأزال عناصر التنظيم علامات مسيحية مثل الصلبان عن الكنائس والأديرة التي سيطروا عليها، كما دمروا أضرحة دينية سنّية اعتبروها نوعاً من الشرك. ولم يتوقف عناصر «الدولة» عند هذا الحد بل قاموا في الشهور الماضية بتدمير مدن أثرية تعود إلى آلاف السنين مثل مدينة نمرود التي تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، كما دمروا قطعاً أثرية في متحف الموصل وأحرقوا كتباً ومخطوطات قديمة كانت محفوظة في جامعة الموصل ومكتبتها.
ويعود دير مار متي التابع لكنيسة السريان الارثوذكس إلى القرن الرابع الميلادي ويقع على بعد 35 كيلومتراً من مدينة الموصل. وقال رائد عبد الأحد وهو مسيحي ساهم في عملية تهريب المخطوطات من الدير مع اقتراب تنظيم «الدولة» منه في آب (أغسطس) العام الماضي: «الحمد لله أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الدير (...) لكننا سنبقي (مخطوطات المكتبة) هنا حتى انتهاء الأزمة واستقرار الأوضاع». وعبد الأحد الذي يتحدر من الموصل يعيش حالياً في دهوك حيث تم نقل المخطوطات الاثرية المسيحية.
وأظهرت مشاهد في شريط فيديو جديد وزّعه تنظيم «الدولة الإسلامية» عناصر وهم يدمرون موقعاً أثرياً مهماً في مدينة الحضر القديمة شمال غربي العراق ويقومون بتحطيم جدران بمعاول هدم ويطلقون رصاص رشاشات الكلاشنيكوف على تماثيل لا تُقدّر بثمن. ويقول مسؤولون ومواطنون محليون إن تنظيم «الدولة» شن هجوماً على بلدة الحضر المصنفة موقعاً أثرياً عالمياً الشهر الماضي، وما زالت البلدة تحت سيطرته. لكن شريط فيديو وزّع ليلة الجمعة أظهر عنصراً من التنظيم يقف على سلّم ويحطّم بمطرقة وجهاً منحوتاً حتى تمكن من تهشيمه وإسقاطه على الأرض. ويظهر في الشريط أيضاً مسلح وهو يطلق رصاص رشاشه على تمثال آخر في حين يقوم مسلح آخر من التنظيم بتحطيم قاعدة جدار لمنحوتة ضخمة.
ويقول متحدث في الشريط بلكنة عربية خليجية إنهم يدمرون الموقع لأنه يُعبد من دون الله.
وتقع الحضر على بعد 110 كلم جنوب غربي مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة». والحضر مدينة كبيرة كانت مسوّرة في عهد إمبراطورية «البارثيان» كما كانت العاصمة الأولى للعرب. ونجت الحضر من غزو الرومان سنتي 116 و198 بعد الميلاد نتيجة سماكة أبراجها المسوّرة العالية. |