إبراهيم حميدي مع اقتراب إعلان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا فشل خطته
«تجميد» القتال في حلب، على رغم خفض سقفها العملي إلى «وقف القصف بالسلاح الثقيل لستة أسابيع» وتقديم
مساعدة إنسانية إلى أحد أحياء المدينة، يسعى معارضون إلى نقل تركيز دي ميستور إلى حي الوعر في حمص وسط
البلاد وإقناع الخارجية الروسية خلال الجلسة الثانية من «منتدى موسكو» (بين ٦ و٩ الشهر المقبل) بوضع
موطئ قدم لها على الأرض في رعاية اتفاق تهدئة دائم في آخر معاقل المعارضة في «عاصمة
الثورة».
كانت إيران رعت بمباركة من مكتب المبعوث الدولي في دمشق، اتفاق تهدئة
في حمص القديمة في منتصف العام الماضي تضمن خروج مقاتلي المعارضة إلى ريف حمص الشمالي مقابل عودة القوات
النظامية إلى الأحياء القديمة و «تسوية أوضاع المطلوبين». وطرح معارضون فكرة دفع روسيا ودي ميستورا
لرعاية اتفاق حي الوعر والبناء على الاتفاق الموقت المنجز قبل أسابيع، من دون تكرار «التجربة المرة»
لاتفاق حمص القديمة سواء لجهة عدم التزام النظام بعدم التعرض للمقاتلين، إذ أفيد بإعادة اعتقال حوالى
٢٠٠ أو لجهة نقل جغرافيا النزاع من حمص القديمة إلى ريف حمص الشمالي بدلاً إنهاء النزاع، إضافة إلى
انضمام بعض المقاتلين إلى فصائل متشددة بما فيها تنظيم «الدولة الإسلامية»
(داعش).
وقال قيادي معارض: «باعتبار أن روسيا تقول أنها داعمة فكرة المصالحات
ومهمة دي ميستورا، نريد أن تنزل إلى الأرض وترعى اتفاق حي الوعر وتشكل ضامناً لاتفاق التهدئة الدائم بين
قوات النظام والمعارضة، وأن تكون منطقة آمنة بين قوات النظام وقوات الدفاع الوطني بقيادة صقر رستم الذي
يدير عناصره الحواجز المتحكمة بحصار حي الوعر، ويسعون دائماً إلى تخريب أي اتفاق دائم»، إضافة إلى وجود
«أمراء الحرب» الذي يستفيدون مالياً من عمولة إدخال المواد الى المناطق
المحاصرة.
ويراهن معارضون على اختلاف المقاربة الروسية عن الإيرانية، إذ إن
موسكو تدعم مؤسسات الأمن الجيش التابعة للحكومة التي تمثل بضباط الأمن في مفاوضات التهدئة، مقابل دعم
طهران الميليشيا و «قوات الدفاع الوطني» التي تتحكم بمعابر المرور إلى حي الوعر. ويضم حي الوعر أبنية
عالية تطل على طريق دولي آتٍ من دمشق ويربط حمص بطرطوس الساحلية، كما أنه يشرف على مصفاة حمص، ما يعطيه
أبعاداً خارج حدود سورية تتعلق بالمصالح الكبرى لروسيا وإيران، إضافة إلى قلق معارضين وبعض الموالين
ومسؤولي النظام من «تغيير الواقع الديموغرافي» داخل حمص التي تضم علويين وسنّة ومسلمين ومسيحيين وأقلية
شيعية زاد نفوذها في الفترة الأخيرة.
ووفق تقرير أعده مسؤولون محليون في الوعر
آخر معاقل المعارضة في «عاصمة الثورة السورية»، فإن الحي كان الأكثر ازدحاماً في ٢٠١٣، وضم ٥٠٠ ألف شخص
معظمه من النازحين من أحياء بابا عمرو وكرم الزيتون والقصور والقرابيص وحمص القديمة غير أنه «منذ عام
حاصرت قوات النظام الحي وقصفته، وكان التصعيد الأشد في نهاية العام الماضي، ما أدى إلى نزوح العائلات
إلى أحياء مجاورة أو إلى خارج سورية». وأضاف أن حوالى ١٤ ألف عائلة تضم ٧٥ ألف شخص «معظم أفرادها
مطلوبون أمنياً صمدوا ويرفضون الخروج» من الحي، إضافة إلى وجود «٢٢٠٠ شخص (٤٠٠ عائلة) في ١١ مركزاً
لإيواء النازحين من بابا عمرو وحمص القديمة لا يستطيعون العودة إلى
منازلهم».
وقال شخص مطلع على الوضع الميداني، أن الوعر يضم بين ٢٠٠٠ و٢٥٠٠
مقاتل «معظمهم من أبناء الحي أو عشائر العكيدات»، إضافة إلى «٢٠ مقاتلاً من جبهة النصرة»، في حين أوضح
التقرير أن الوعر «يضم مجموعات من أبناء الحي تنتشر في محيطه منعاً لدخول الشبيحة أو الجيش أو القيام
بعمليات قتل ونهب قبل انتشار هذه المجموعات». وأشار التقرير الذي أعد لمؤسسات دولية إلى «الكتائب
الموجودة تتصف بالاعتدال، أبرز الجبهات هي جبهة الجزيرة السابعة المفتوحة على عناصر قرية المزرعة
المدعومين من حزب الله اللبناني».
وجرت بعد اتفاق حمص القديمة محاولات عدة
لإنجاز اتفاق نهائي في حي الوعر. وفيما كان ممثلو النظام يسعون إلى نسخ اتفاق حمص القديمة: مشاركة رمزية
للأمم المتحدة لإعطاء الاتفاق شرعية، مقابل تسليم المعارضين جميع الأسلحة الثقيلة وقوائم بالمطلوبين لـ
«تسوية أوضاع» وخروج حوالى ١٢٠٠ مقاتل بسلاحهم الخفيف إلى ريف حمص، فإن ممثلي المعارضة كانوا يسعون إلى
تكرار نموذج التهدئة في برزة البلد شمال دمشق يتقاسم فيها الطرفان السيطرة داخل الحي و «تمسكوا باتفاق
يضمن هدنة ووقفاً للنار وفتحاً للمعابر بما يضمن كسر الحصار وحماية ذاتية للحي تضمن عدم دخول قوات الجيش
و «الشبيحة»، وفق مذكرة داخلية.
وقال أحد المفاوضين أن ممثلي النظام أبدوا
«بعض المرونة» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على خلفية تقدم تنظيم «داعش» في ريف حمص. وكتب في ورقة:
«سيطر التنظيم على حقل الشاعر للغاز في ريف حمص الشرقي، وأعلن نيته التقدم نحو الفرقلس ومناطق قريبة من
المدينة بالتزامن مع زيادة عدد عناصره في منطقة ديرفول في الريف الشمالي، ما أشعر قوات النظام أنها بين
فكي كماشة». وزاد: «بعض الموالين بدأ حزم أمتعته وبعضهم غادر حمص بالفعل (إلى الساحل)، وسعى النظام إلى
تهدئة بقية الجبهات، واقترح على ممثلي المعارضة اتفاق تهدئة دائمة رغم تعهد مقاتلي المعارضة قتال داعش
إلى جانب قوات النظام».
وزاد: «في نهاية تشرين الأول، تم التوصل بين ممثلي
النظام والمعارضة إلى اتفاق كامل تضمن توفير معابر إنسانية وعودة المهجرين وبقاء سلاح الثوار. لكن، قبل
يوم من توقيع الاتفاق بدأت مقاتلات التحالف الدولي - العربي ضرب مراكز داعش في شمال شرقي البلاد، وخلال
أيام انسحب عناصر التنظيم من ريف حمص الشمالي إلى الريف الشرقي، وعادت قوات النظام إلى قصف حي الوعر
وقتل ٥٥ شخصاً في شهر واحد واختفى ممثلو النظام وطويت صفحة
الاتفاق».
وبالتوازي مع طرح دي ميستورا فكرة «تجميد» القتال في حلب، بحيث
ينطلق من ذلك لإعادة الإعمار وتوفير الخدمات مستفيداً من احتمال التوافق الإقليمي والدولي على ثاني أكبر
مدينة في سورية، أعيد فتح ملف حي الوعر في منتصف كانون الثاني (يناير) حيث جرى التوصل إلى اتفاق موقت
«تضمن السماح للمؤسسات الإنسانية بإدخال المساعدات اللازمة» إلى المحاصرين. وقال قيادي معارض: «الطرف
المقابل (النظام) اقترح تسمية الأمر تهدئة، وليس هدنة أو وقفاً شاملاً لإطلاق النار، ما يعكس ضعف تأثير
الطرف المفاوض من جانب النظام وعدم قدرته على ضبط الأرض والسيطرة على الميدان، إضافة إلى ترك الأمر
للمناورة واستمرار الضغط ومواصلة تحصين المواقع العسكرية».
وعندما زار دي
ميستورا حمص شعر أهالي حي الوعر بـ «بعض التحسن»، لكن الحكومة السورية رفضت بوضوح «دوراً مباشراً»
للمبعوث الدولي في مفاوضات التهدئة، مع استمرار الخروقات والقصف و «عدم التزام قوات الدفاع الوطني
والميليشيا الشيعية قرية المزرعة (والرقة) قرب الجزيرة السابعة وحصول اشتباكات في الجزيرة السابعة»، وفق
معارضين.
وعلمت «الحياة» أن مفاوضات تجرى حالياً على اتفاق نهائي من ثلاث
مراحل، تنطلق المرحلة الأولى من «وقف دائم للنار» وتستمر ٢٥ يوماً تتضمن خروج «الراغبين والرافضين
للاتفاق» شرط تقديم قائمة بالسلاح المتوسط و «فض الاشتباك في الجزيرة السابعة ومنع الظهور المسلح وعدم
التعرض للمدنيين والسماح للمؤسسات الإنسانية بالعمل»، على أن يتم تشكيل حاجز لجميع الأجهزة الأمنية
بإشراف جهاز أمن الدولة، بحيث «يعود المطلوبون أمنياً لتسوية أوضاعهم وفتح مكتب
لذلك».
تبدأ المرحلة الثانية بـ «جمع نصف السلاح المتوسط في مكان متفق عليه في
الحي بإشراف لجنة مشتركة» من الطرفين وفتح الطرق المؤدية إلى مؤسسات الدولة و «تأمينها من الشرطة وعناصر
أمن الدولة» على أن يقدم المعارضون «قائمة وخرائط بالألغام والأنفاق» في الحي، وبدء عودة النازحين إليه
بـ «ضمانة الدولة ولجنة الحي» وإطلاق سراح المعتقلين من أجهزة الأمن، ثم «تسليم النصف المتبقي من السلاح
المتوسط» والسماح بإدخال المواد الغذائية والمحروقات.
أما المرحلة الثالثة،
فإنها تبدأ بـ «معالجة أوضاع المسلحين والمدنيين والعسكريين في شكل متدرج» وإصدار قرار أمني بـ «كف
البحث» عنهم وإعطاء مهلة بين ٣ و٦ أشهر لتسوية وضع المتخلفين عن الخدمة العسكرية وعودة الموظفين إلى
عملهم بالتوازي مع «تسليم الدفعة الثانية من السلاح المتوسط» وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين وفق
القوائم التي تقدمها لجنة حي الوعر و «تسوية أوضاع من يريد العودة إلى حي الوعر من خارج البلاد». وتترك
مسودة الاتفاق موضوع «بحث وضع السلاح الخفيف إلى عملية تفاوض جديدة» بين
الطرفين.
ويستند معارضون في دعم فكرة انخراط دي ميستورا مسلحاً بذخيرة روسية
في حي الوعر، إلى عوامل بينها رمزية حمص كونها كانت «شعلة الثورة»، ثم «قلعة دفاعية»، إضافة إلى أن قادة
مقاتلي المعارضة الموجودين في شمال البلاد يتحدّرون من حمص وينظرون إلى «تجميد القتال في حلب قبل حمص،
خيانة للتضحيات». وكتب أحدهم في مذكرة إلى جهة دولية: «يريد أهل حلب نموذجاً لتجميد القتال بدءاً من
حمص. كما أن مسألة التغيير الديموغرافي التي تجرى في حمص مسألة خطرة وتضغط على الوتر الحساس لدى ثوار
حلب. فهم يريدون أن يبقى حي الوعر في أيدي أهل السنّة ومستعدون للتضحية في سبيل ذلك»، لافتاً إلى وجود
«تنسيق» بين مقاتلي المعارضة في شمال البلاد ووسطها، ووجود «ست مجموعات عسكرية في الوعر مرتبطة بفصائل
في حلب»… أي أن «الطريق إلى حلب يمر بحمص».
* صحافي سوري من أسرة «الحياة» |