ظهرت أمس مؤشرات لتوقف ظرفي للهجوم الكبير لاستعادة مدينة تكريت بعد يومين من توغل القوات العراقية وميليشيات "الحشد الشعبي" من الشمال والجنوب في مسقط الرئيس سابقاً الراحل صدام حسين، وذلك في انتظار وصول تعزيزات واستباقاً لأي هجوم مضاد لتنظيم "الدولة الإسلامية"، "داعش" سابقاً، الذي لا يزال يسيطر على نصف المدينة.
بعد يومين من إعلان السلطات العراقية عملية كبيرة في عمق تكريت، صرح ضابط في الشرطة برتبة عقيد بأن "القوات الأمنية تسيطر على نحو 50 في المئة من المدينة وتحاصر المسلحين في وسطها". وقال إن "التقدم يسير ببطء بسبب وجود عدد كبير من العبوات الناسفة التي تعوق التقدم"، مشيراً إلى احتمال زرع عشرة آلاف عبوة ناسفة في أرجاء المدينة على الطرق وفي مبان مهجورة يُخشى كذلك اختباء قناصة فيها.
وتحدث عن "مقتل ستة عسكريين وإصابة 11 من رفاقهم في هجوم على تجمع للجيش في منطقة الديوم" في الجانب الغربي من تكريت. وأوضح أن انتحارياً يقود آلية هاجم تجمعاً للجيش في منطقة الديوم حيث تحتشد قوات عراقية بعد السيطرة عليها تماماً. وبعد ساعات أفاد مصدر في قيادة عمليات صلاح الدين أن القوات العراقية لن تتقدم في انتظار وصول التعزيزات.
ورأى قائد منظمة "بدر" ورأى الذي يعد حالياً من أكثر الشخصيات نفوذاً في العراق إن نتيجة المعركة في تكريت ليست محل شك، لكن القوات العراقية في حاجة إلى الوقت. وقال في مقابلة مع التلفزيون العراقي من الجبهة في تكريت، إن مقاتليه ليسوا في عجلة من أمرهم، ولديهم خطة يتبعونها. وأضاف أن المعركة "قد تتأجل يومين أو ثلاثة أو أربعة"، لكن سيتم الاحتفال بتحرير تكريت من "العدو".
"الدولة الإسلامية" ولا يزال تنظيم "الدولة الإسلامية" يسيطر على المجمع الرئاسي في المدينة وثلاث مناطق أخرى على الأقل في وسطها. وصد مقاتلوه هجوماً للقوات الخاصة على كلية الطب في جنوب تكريت فجراً سقط فيه ثلاثة جنود. كذلك شهدت منطقة القادسية مواجهات عنيفة استخدم فيها المقاتلون المتشددون الصواريخ للدفاع عن مواقعهم.
وقال الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني في تسجيل صوتي بث الخميس إن "الدولة الإسلامية ثابتة، ولا يزال صرحها يعلو وتزداد قوة وصلابة يوماً بعد يوم، ولا تزال منتصرة، وما الانتصارات التي يتحدث عنها الصليبيون والروافض في فضائياتهم ويهولونها سوى انتصارات وهمية زائفة لا وجود لها ولا تعدو استرجاع بعض المناطق والقرى في حرب كر وفر". وأضاف: "يا أهل السنة في العراق والجزيرة واليمن، لطالما حذرناكم من الروافض... فها هم اليوم كشروا عن أنيابهم وقد أعلنوا عن امبراطوريتهم بكل صراحة وعاصمتها بغداد"، في إشارة إلى الدور الإيراني في العملية. وحذر من أن "الروافض دخلوا مرحلة جديدة في حربهم على أهل السنة... لقد جاء الروافض يا أهل السنة ليأخذوا بيوتكم وأموالكم، لقد جاؤوا لقتل رجالكم وسبي نسائكم".
غير أن عضو مجلس أعيان الموصل ابرهيم الطائيبان ادعى ان زعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي أقر بهزيمة التنظيم في تكريت في رسالة بعث بها إلى أنصاره وجاء فيها "إن ما جرى في صلاح الدين هو بسبب تدهور المعنويات". وعثرت القوات العراقية المشتركة على ملفات مهمة للتنظيم في جبال حمرين بين محافظتي ديالى وصلاح الدين بشمال البلاد تتضمن أسماء لقيادات وضحايا.
وسيعطي الحسم في تكريت دفعاً معنوياً لأي هجوم على الموصل، لكنه على الأرجح مهمة أكثر تعقيداً بكثير. فتلك المدينة الواقعة في شمال البلاد أكبر وتقع على مسافة أبعد من الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة، كما أن كثافة السكان هناك لا تزال عالية بخلاف تكريت التي فر معظم سكانها قبل بدء العملية.
عملية كركوك كذلك يتعرض تنظيم "الدولة الإسلامية" لضغوط في الشمال حيث شنت قوات "الحشد الشعبي" والبشمركة الكردية هجوماً حول مدينة كركوك أمس. وبدأت قوات البشمركة مهاجمة مواقع التنظيم المتشدد قرب كركوك الاثنين، ومذذاك استعادت عشر قرى في جنوب غربها. وأفاد قادة أكراد أنهم واجهوا مقاومة ضعيفة نسبياً، لكن القنابل المحلية الصنع أعاقت التقدم، وكان زرعها المسلحون قبل انسحابهم إلى الحويجة. واستعاد البشمركة، بالتنسيق مع "الحشد الشعبي"، قرية بشير جنوب غرب كركوك، والتي تقطنها غالبية من القومية التركمانية.
مواقف دينية وجدد المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني في خطبة الجمعة التي ألقاها نيابة عنه في كربلاء وكيله أحمد الصافي التمسك باستقلال العراق وهويته المتعددة. ومما جاء فيها: "إذا كنا نرحب بأي مساعدة تقدم لنا اليوم من إخواننا وأصدقائنا في محاربة الإرهابيين ونشكرهم عليها، فإن ذلك لا يعني في حال من الأحوال إن نغض الطرف عن هويتنا واستقلاننا ولا يمكن ان نكون جزءاً في أذهان البعض". وقال: "نكتب تاريخنا بدماء جرحانا وشهدائنا، وقد امتزجت دماء مكونات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقومياتهم. الجيش العراقي والمتطوعون يدافعون عن بلدهم والتي تجذرت فيه مجموعة حضارات والذي سيكون منيعاً عن أي محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه".
ودعا رجل الدين السني البارز الشيخ عبدالستار عبدالجبار السلطات إلى منع أي أعمال انتقامية قد ينفذها المقاتلون الشيعة في تكريت، محذراً من أن عدم وقف ذلك سيؤدي إلى نزاع مذهبي وقبلي جديد في العراق. وقال: "نطالب بأن تعقب الأفعال الكلمات لمحاسبة مهاجمي المنازل في تكريت".
في عمان شارك آلاف من الاردنيين والعراقيين في تشييع الأمين العام لـ"هيئة العلماء المسلمين" في العراق الشيخ حارث الضاري الذي توفي الخميس بعد صراع مع السرطان في اسطنبول. وكان جثمانه نُقل إلى الأردن صباحاً، وهو أقام في هذا البلد سنوات نتيجة خلافات حادة مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. |