زياد ماجد الثلاثاء 11 كانون الثاني 2011
تُوفّيت في سوريا منذ أيام السيدة أميّة عباس العبد الله بعد معاناة صحية يصعب فصلها عن المعاناة السياسية والإنسانية. فالسيدة أميّة هي زوجة الكاتب علي العبد الله عضو أمانة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي. وعلي معتقل في سجن عدرا منذ أربع سنوات لأنه بالتحديد كاتب وناشط في منبر سياسي سلمي يدعو للإصلاح وللتغيير. والسيدة أمية هي أيضاً والدة عمر علي العبد الله، المعتقل بدوره منذ سنوات خلف قضبان سجن صيدنايا بتهمة المشاركة في الحراك الشبابي المطالب بالحرية في سوريا، وهي كذلك والدة محمد علي العبد الله، الناشط الحقوقي الذي انتقل بعد منفاه اللبناني الى المنفى الأميركي الأبعد.
هي إذن مواطنة سورية ومربّية مسجون زوجها وابنها، ومنفي ابنها الآخر، وتهمة الثلاثة واحدة: المطالبة بالديمقراطية والعيش الكريم في بلدهم. هكذا، تختصر عائلة العبد الله بموت الوالدة وسجن الوالد وأحد الأبناء ونفي ابن ثان وصبر الباقين حال بلاد انتهكها الاستبداد وأدمى قلوب أهليها.
وهي حال تتخطّى سوريا (ولو بقسوة "معمّمة" أقل) لتلامس الى هذا الحدّ أو ذاك، معظم البلاد العربية إن لم نقل جميعها.
وقد استُهل عامنا الجديد بما يثبت ذلك في أكثر من موضع. ففي تونس، يرتكب النظام البوليسي منذ أسبوع جرائم عدة ضد متظاهرين مطالبين بحقوقهم المعيشية وبحريتهم؛ وفي الجزائر، تُفتح نيران القمع على شبّان أعيتهم البطالة وحالات المهانة والانتظار في بلاد تعجّ بالثروات الطبيعية وبالكفاءات البشرية المعطّلة؛ وفي اليمن، يُقبِل العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين على تفسّخ وتقاتل أهلي مرّوعين في ظلّ نظام لا يُتقن غير الاستفادة من البنى القبلية والجهوية لتأمين استمراره. وفي مصر، يُعمل ظلاميون في الأقباط إجراماً مستفيدين من تراجع الدولة عن أدوارها وانشغال مسؤوليها بمسائل التوريث وبالمزايدة إسلامياً على خصومهم الإخوانيين، مساهمين بالتالي في انتشار أفكار ومقولات تكفيرية قاتلة. أما في السودان، فالقصة تطول طول مسلسلات الانقلابات ورفض المساواة والحروب المفضية اليوم تصويتاً جنوبياً على الانفصال. وهو انفصال، إن أثمر لاحقاً سلاماً وتعاوناً سياسياً واقتصادياً بين الجزأين – البلدين، قد يصبح الإيجابية الوحيدة في اللوحة البائسة المذكورة. يمكن أن تضاف الى الأمثلة المضروبة أمثلة عديدة أخرى، تبدأ بالعراق وأقلياته المسيحية (والصابئية واليزيدية وحتى العلمانية) المُعتدى إرهابياً عليها، ولا تنتهي بدول الخليج وسائر دول المشرق والمغرب العربيّين حيث تُنتهك يومياً حقوق الناس (والنساء بخاصة) وحرياتهم.
على أن الأمر لم يعد في الإضافة أو في عدمها. الأمر هو في عجزنا المستديم عن فعل شيء جدّي، وهو في رمي بعضنا الشتائم والتهم الجاهزة والسهلة بالمسؤولية على "الأعداء" الخارجيين. وهؤلاء، وهم فعلاً موجودون، لا يبدون في حال اكتراث لما يجري عندنا إلا إن هدّدهم مباشرة في مصالحهم. ولا نظن أن في سلوك أنظمة القمع وتيارات القتل ومطلقي الاتهامات والشتائم ما يبعث على هكذا تهديدات.
وفي أي حال، لا ضرر يمكن لـ"خارج معادي" إلحاقه بأي "داخل" يفوق ضرر هؤلاء وضرر من يدافع عنهم، أو عن بعضهم...
|