القاهرة - من جمال فهمي
الخميس 25 نوفمبر 2010
توارت اخبار اكثر انتخابات نيابية مصرية اثارة للشكوك والجدل منذ عقود، وتراجع الاهتمام بحوادث العنف المتصاعدة التي رافقت حملاتها، بعدما استيقظ المصريون صباح امس على نبأ صدام طائفي جديد سقط فيه شاب مسيحي قتيلا ونحو 50 جريحا منهم 19 من قوات الشرطة التي استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لتفريق تظاهرة شارك فيها اكثر من الفي مواطن مسيحي، احتجاجا على ايقاف السلطات عمليات تشييد مبنى ملحق بكنيسة في منطقة العمرانية التابعة لمحافظة الجيزة، غرب مدينة القاهرة.
ولأنها من المرات القليلة التي يقع فيها صدام دموي بين مواطنين مسيحيين وقوى الأمن، فقد اعتبره كثيرون واحدا من أسوأ تجليات الاحتقان الطائفي الذي ظل يتفاقم ويصعد من ذروة الى اخرى طوال العقود الثلاثة الاخيرة، بسبب تراكم حزمة من الأسباب تشابكت وتنوعت بين عوامل ومتغيرات اجتماعية وثقافية صادفت واقعاً تشريعياً هرماً وعتيقاً من غير ان تغيب تماما مظاهر"التوظيف السياسي" لأزمة طالت حتى لامست عصب التجانس الوطني.
وشرارة الصدام الدامي اندلعت عندما احتشد في الصباح الباكر مئات من المواطنين المسيحيين المقيمين في حي العمرانية امام المبنى الجاري انشاؤه من اجل فك الطوق الامني المضروب حوله منذ الاحد الماضي، ومن ثم استكمال البناء الذي توقف بأمر من السلطات المحلية بحجة مخالفة التصريح الممنوح للكنيسة باقامة مبنى خدمي وليس مبنى كنيسة لممارسة شعائر العبادة.
ويذكر ان احد المطالب المزمنة للمواطنين المصريين المسيحيين الغاء العمل بقانون صدر في العهد العثماني (1856) معروف باسم "الخط الهمايوني" يقيد بناء دور العبادة للمواطنين من غير المسلمين ويشترط لبنائها صدور تصريح من رئيس الدولة شخصيا. لكن الرئيس حسني مبارك اصدر قبل سنوات، نتيجة تصاعد ضغوط المنظمات الحقوقية وقطاعات واسعة من المثقفين المصريين، قرارا بتفويض سلطته في هذا المجال الى المحافظين. وجاء في الرواية الرسمية للحادث، إن المواطنين المسيحيين المحتجين هم من بدأ الصدام بالقاء الحجار على قوات الشرطة، فردت هذه بقنابل الغاز المسيل للدموع، مما أدى الى تفريق المتظاهرين. ولكن سرعان ما عاد هؤلاء بأعداد أكبر (اكثر من الفين) وتجمعوا امام مقر محافظة الجيزة المطل على شارع الهرم وحاولوا اقتحامه تحت وابل كثيف من الحجار، كما ألقوا زجاجات حارقة على سيارات الشرطة.
وروى شهود عيان ان الصدام احتدم الى درجة أن الشرطة اطلقت زخات من الرصاص الحي في الهواء ، ورجحوا ان الشاب القتيل مكاريوس جاد شكر (19 سنة) اصيب في هذه الاثناء برصاصة اودت بحياته بعد نقله الى مستشفى قريب، كما اصيب في الاشتباكات ضباط كبار على رأسهم نائب مدير أمن الجيزة اللواء محمد ابرهيم.
وفيما ندد بطريرك الاسكندرية والكرازة المرقسية الانبا شنودة الثالث في عظته الاسبوعية التي القاها مساء امس، باستخدام الشرطة العنف ضد المتظاهرين، محذرا من ان "العنف يولد عنفا"، اعربت مشيخة الازهر في بيان اصدرته بعد ساعات من الصدامات عن "الأسف الشديد لهذه الاحداث المؤلمة"، ودعت "المصريين جميعا الى الاعتصام بوحدتهم الوطنية والتزام القانون والبعد عن كل ما يمس بامن الوطن"، وأهابت بـ"الجهات المعنية علاج الأمر باقصى قدر من الحكمة انطلاقا من الحرص على الاخوة الوطنية وامن البلاد واستقرارها".
واعلن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود القبض على 133 شخصا بتهمة اثارة الشغب واتلاف ممتلكات عامة وخصوصاً في محيط مبنى محافظة الجيزة، ووجه تحذيرا شديد اللهجة الى من سماهم "الخارجين على الشرعية القانونية"، وقال ان النيابة العامة "ستتصدى بكل حزم وحسم (لمرتكبي) الافعال التي تشكل جرائم وفقا لاحكام الدستور والقانون". اما وزير الاعلام انس الفقي، فناشد وسائل الاعلام المختلفة في البلاد "تناول الشأن القبطي بهدوء وتجنب التصعيد".
وأفاد محافظ الجيزة اللواء سيد عبد العزيز أنه "تمت السيطرة تماما على احداث الشغب التي قام بها عدد من الاخوة المسيحيين حاولوا تغيير الغرض من انشاء مبنى تابع للكنيسة وتحويله دار عبادة". واعتبر ما حدث "لا يتعدى مجرد خروج على القانون من بعض المواطنين" متعهدا "حل هذا الموضوع حلا جذريا". واوضح ان لجنة الاسكان في المحافظة "فوجئت بأن بعض المواطنين المسيحيين ارادوا تحويل المبنى الخدمي المصرح ببنائه كنيسة وظهر ذلك واضحا من خلال بناء قبة في هذا المبنى وسلم خارجي، وحاولت سلطات المحافظة ثنيهم عن ذلك بشتى الطرق السلمية الا انهم استمروا في محاولاتهم"، مما اضطر قوى الامن الى التدخل.
وجاءت هذه الصدامات الطائفية قبل اربعة ايام من الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها الاحد المقبل ، وفي ظل عاصفة من الجدل والانتقادات الحادة الموجهة من الداخل والخارج الى نظام مبارك على خلفية قيود تشريعية واجرائية تنال من "نزاهة وصدقية" العملية الانتخابية برمتها، واتهامات للحزب الوطني الحاكم باستخدام العنف على نطاق واسع بما في ذلك الإيعاز الى أجهزة الأمن بممارسة "ضغوط قمعية قوية جدا" على المرشحين المعارضين وأنصارهم لضمان "استمرار الهيمنة المطلقة على البرلمان" الذي سيشهد خريف السنة المقبلة إما التمديد للرئيس مبارك (82 سنة) لولاية سادسة واما توريث حكم البلاد لنجله جمال.
|