الثلاثاء, 04 يناير 2011 حمد الراشد
بدايةً لم أكن أريد الكتابة حول ما قدمه عبدالله الغذامي في محاضرته السابقة وما لحقها من نقاشات، نظراً لكونها لا تحمل أي قيمة ثقافية أو معرفية تضاف لمن لديه أدنى حصيلة من الثقافة وأدنى مستوى من الوعي، إلا أن ما دفعني للكتابة وجود متلقٍ يستثار ويوجه بأجندة عند الغذامي وأمثاله فوجب تنبيهه لتمكينه من التصدي لمغريات التزييف. وأول ملاحظة على المحاضرة أنه في البداية يزعم استبعاد حكم التعميم من خلال إقراره بعدم تطابق السلوكيات مع المصطلح، وبأن المواقف مهما كثرت لا تدل على حقيقة المصطلح وأهليته، وملاحظتي أن نقطة البداية تلك ما هي إلا غطاء منه للخروج عليها بعد ذلك في نقاط عدة داخل محاضرته، من حيث وقوعه بالتعميم المفرط والهجوم على الليبرالية من خلال انتقاء مواقف وممارسات بعينها دون غيرها.
ويبدأ المحاضر لتوضيح منهجه بحال مقارنة ساذجة لا تدل على أي تمييز عن طريق تمثيله الذهاب إلى الطبيب، وكما يعرف الجميع الفرق بين مهنة تخصصية لها شروطها واتجاه ثقافي وفكري متاح لكل فرد في كل المجتمعات بحسب إطلاعه ووعيه. وينتقل المحاضر إلى زعم جديد بأن الليبراليين لا يسمحون بتوجيه أي نقد لهم. والسؤال: ما الأدلة الواقعية ومؤشرات ذلك؟ إلا إذا كان المحاضر يبني زعمه على مواقف لمراهقين لا يفقهون من الليبرالية إلا اسمها؟، فإن كان كذلك فهو يثبت ثانية وقوعه بالانتقائية والتعميم الذي نفاه في البداية.
ومن النقاط التي أثارها الغذامي تساؤله عن المؤسسات التي تحتوي الليبراليين، وهذا دليل على قصور نظرته من حيث تقييد الليبرالية بشرط مؤسسي لا يتحقق إلا بعد مراحل من جهود الأفراد كما حدث عند كل الأمم والمجتمعات، فعدم احتواء الليبراليين ضمن مؤسسات رسمية ليس مبرراً لتهميش الليبرالية بمفهومها الفردي والذي يعتبر الأساس قبل النشوء المؤسسي، والأهم من ذلك أن الفرد بثقافته وبتطوير ذاته وبوعيه لمفاهيم الحرية المختلفة، يمكن أن نطلق صفة ليبرالي عليه حتى وإن لم يكن لديه نتاج فكري يرضي الغذامي، فالفرد ليس مسؤولاً عن عدم وجود مؤسسات تتبنى فكره – على رغم أهميتها ودورها - حتى يكتسب صفة الليبرالي، ووضع ذلك الشرط ما هو إلا تعجيز وتهميش متعمد لحقه ولحريته وتثبيط ليس له ما يبرره، وحتى في حال عدم قناعة المحاضر بأن الليبرالية لها تعريفات، وأن لها قيمة فقط، فهذا لا يغير من حق الفرد باعتباره ليبرالياً لأن للفرد الحق أن يؤمن بالقيمة وإن كانت تواجهه تحديات أثناء تحققها، لأن الإيمان بالقيمة يسبق تحققها، ولأن الفرد هو اللبنة في حدوث ذلك التحقق للقيمة. ومن الأمثلة على الانتقائية الفجة التي ينتهجها المحاضر اعتماده على تحليل مفكرين دون غيرهم، فهو مثلاً يورد تحليل عبدالله العروي، ومن المعروف أن أضعف نتاج للعروي هو ما يتعلق بالحرية نظراً لمساره الفكري الذي يقترب من الماركسية، ونحن نعرف ما بين الليبرالية والماركسية من تباين شديد.
وعند تتبعنا لما يطرحه المحاضر نجد قصوراً في الوعي بالليبرالية فهو يريدها نظاماً شمولياً بأهداف سياسية محددة فقط، وبذلك فهو بطريق غير مباشر يلزم الليبرالية بما لا يلزمها بحيث تتحدد بصفة مطلقة إجبارية من خلال نماذج، وهو ما يتعارض أساساً مع الليبرالية كونها ضماناً لحق الفرد في جميع نواحي الحياة من دون استثناء.
يعود المحاضر للتناقض مع مبدأ الليبرالية بتشويهها بضرب أمثلة عن آليات وحالات الانتخاب وممارسات لا تتطابق بالضرورة مع الليبرالية وتحقق حرية الفرد، وبذلك يكرس نظرة عامة عن جميع الأفراد والمواطنين الليبراليين ويحملهم مسؤولية الواقع الاجتماعي والسياسي، فكأني به يحرضهم على تبني برنامج أو تغيير بالقوة، وإلا فهم ليسوا ليبراليين، حتى وإن شاركوا بكتابات ضمن المتاح لهم إعلامياً، فهم لا يستحقون صفة الليبرالية إذا لم يتبنوا رأيه الإيديولوجي، وهذا تشفٍ وشماتة لهم تتعارض مع مبدأ الاحترام لفرديتهم وحقهم في الاختيار خارج التكتل والتحزب الذي يلمح إليه، وما يثبت ذلك ما تبعه من حديث حول الزعامة السياسية ممثلة بمانديلا ولوثر، وذكره لهؤلاء الزعماء يدلل على ما يريده من تحريض على مواطنين أحرار، كل ذنبهم أنهم يحترمون مقدرات الوطن ويتجنبون الفتنة ولا يريدون إجبار الناس على ثقافة وفكر حتى وإن رأوا تلك الثقافة سليمة وذلك الفكر يستحق، فتغيير الواقع يتم عبر تنوير ووعي الناس أولاً، وهي الاعتبارات التي يحاول الغذامي أن يبعدها عن الليبرالية ويتجاهلها متعمداً لتبرير موقفه، بينما يدرك من لديه ثقافة أفقية ترابط الليبرالية القوي مع تلك القيم، وهنا يبتعد الغذامي عن أدنى موضوعية ممكنة.
* كاتب سعودي.
|