القاهرة - من جمال فهمي
فيما كانت الجهود تتواصل امس لاحتواء تداعيات اول صدام عنيف وقع بعد منتصف ليل الجمعة بين المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية وآلاف المتظاهرين الذين ارادوا الاعتصام امام مقر مجلس الوزراء اعتراضاً على بقاء الفريق احمد شفيق على رأس الحكومة، اعلن المجلس بسرعة لافتة موافقته على صياغة حزمة من التعديلات الدستورية استُقبلت بارتياح واعتُبرت اول دليل عملي على نجاح الثورة العارمة التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك وعصفت بنظامه. وكان المجلس العسكري كلف لجنة قانونية مستقلة وضع مشروع لتعديل البنود الدستورية وحزمة تشريعات وقوانين تعيد بناء النظام السياسي، خصوصا ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والتشريعية وازالة القيود التعجيزية التي كانت تكاد تقصر حق الترشح لمنصب الرئاسة على اسرة الرئيس المخلوع.
وعرض المجلس العسكري، في بيان اصدره عقب لقاء جمع رئيسه المشير حسين طنطاوي واعضاء اللجنة القانونية التي يترأسها القاضي السابق المستشار طارق البشري، تفاصيل التعديلات التي ادخلت على خمسة بنود من الدستور الحالي المعطل منذ تنحي الرئيس السابق وانتقال السلطة الى الجيش في الحادي عشر من الشهر الجاري. وألغت التعديلات كل شروط الترشح للرئاسة التي كانت تفرضها المادة 76 وفتحت ثلاثة ابواب لخوض سباق الرئاسة هي: اما الحصول على تزكية من 30 عضوا في مجلسي الشعب والشورى، او الحصول على دعم مسبق من 30 الف مواطن في 15 محافظة من محافظات البلاد الـ 28 وترك الباب الثالث مفتوحا امام الاحزاب السياسية التي اصبح يحق لها ترشيح اي عضو فيها بلا شروط، عدا ان يكون الحزب ممثلاً بعضو منتخب واحد في احد مجلسي البرلمان.
وخفضت التعديلات مدة الرئاسة من ست الى اربع سنوات غير قابلة للتجديد الا لمرة واحدة، فقط كما لا يستطيع من تولى منصب الرئيس ان يعود للترشح مرة اخرى بعد خروجه من المنصب. وأعادت التعديلات الإشراف القضائي الكامل على انتخابات الرئاسة والبرلمان ونزعت اي اختصاص للحكومة او وزارة الداخلية في التحضير لعمليات الاقتراع او إعداد لوائح الناخبين، واوكلت المهمة برمتها الى لجنة قضائية عليا تتألف من رؤساء هيئات قضائية مرموقة.
والغت التعديلات البند 179 الذي كان يسمح لرئيس الجمهورية بمحاكمة المدنيين امام محاكم استثنائية او عسكرية، كما الزمت في بند مستحدث وانتقالي البرلمان الجديد الذي سينتخب على اساس هذه التعديلات بتأليف جمعية تأسيسية من مئة عضو تتولى وضع مشروع دستور جديد للبلاد في مدى زمني لا يتجاوز ستة اشهر من تاريخ انتخاب مجلسي الشعب والشورى. ولم تقترب اللجنة القانونية من عشرات البنود الدستورية التي تمنح سلطات "شبه إلهية" لرئيس الجمهورية . وقال رئيس اللجنة ان الدستور الجديد سيعيد تحديد هذه الاختصاصات بحيث يقلصها الى المستوى المقبول في النظم الديموقراطية.
وقيدت حزمة التعديلات التي ينتظر عرضها على استفتاء شعبي خلال اسابيع سلطة رئيس الجمهورية في اعلان حال الطوارئ وألزمته بعرض قراره في هذا الشأن على مجلس الشعب خلال سبعة ايام وحظرت فرضها في البلاد لأكثر من ستة أشهر غير قابلة للتجديد إلاّ لمرة واحدة، على ألاّ تمدد بعدها من دون اللجوء الى استفتاء شعبي. وقال المستشار البشري ان اللجنة على وشك الانتهاء من صياغة مشروعات قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية الذي يحدد آليات ممارسة حقوق الترشيح والانتخاب للمواطنين وقانون جديد للاحزاب يزيل القيود الصارمة الحالية المفروضة على تأليفها، وكذلك القوانين المتعلقة بنظام الانتخابات التشريعية.
وكانت قوة مشتركة من الشرطة العسكرية والقوات الخاصة فرقت بالعنف بعد منتصف ليل الجمعة آلاف المتظاهرين الذين كانوا يريدون الاعتصام امام مقر مجلس الوزراء القريب من ميدان التحرير للمطالبة بابعاد رموز نظام مبارك من الحكومة وخصوصا رئيسها احمد شفيق ووزراء الخارجية احمد ابو الغيط والعدل ممدوح مرعي والإنتاج الحربي سيد مشعل. وأسفرت المواجهات بين قوات الجيش والمتظاهرين على سقوط نحو عشرة جرحى واعتقال بضع عشرات. لكن ردود الفعل الغاضبة على هذا الحادث غير المسبوق منذ نزول الجيش الى شوارع العاصمة وباقي مدن البلاد في ذروة احداث الثورة التي انطلقت شرارتها في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي، اضطرت المجلس العسكري الحاكم الى اصدار بيان اعتذر فيه ضمنا عما جرى، وأكد انه "لم ولن تَصدر اوامر" باستخدام القوة لتفريق المتظاهرين.
|