زياد ماجد
الثلاثاء 4 كانون الثاني 2011 يقدّم فيلم الزميلة ديانا مقلّد 'عن لطيفة وأخريات' شهادة بليغة ومؤلمة حول العنف المصيب كثراً من النساء في لبنان. فقصص نساء الفيلم الثلاث - لطيفة قصير وآمنة بيضون 'المُقيمتين' اليوم في قبرين رخاميّين، وألماظة حوراني المسلوبة حقوقها وحرّيتها رغم كل ما عانته من جحيم زوجها – تلخّص فداحة الظلم المتهدّد – فعلاً أو احتمالاً - النساء في لبنان، والضارب سنوياً قسماً منهنّ. والأمر، الى ارتباطه بالعنف والهمجية في سلوك كثر من الرجال، مرتبط أيضاً بمنظومة تشريعية وثقافية وسياسية واقتصادية تتيح دهس من يقع من بنات ونسوة فريسة للعنف العائلي، وتتيح كذلك خنق محاولات اللجوء الى القانون سبيلاً للنجاة.
ذلك أن 'الهروب' من الضرب والاغتصاب إن وقعا داخل الأسرة، والغالبية العظمى من حوادثهما تقع بالفعل داخلها، ليس في لبنان أمراً يسيراً. فلا الأهل مضمونةٌ مساعدتهم، ولا المخافر أماكن لجوء وأجهزة ضبط فاعلة في هكذا حالات، ولا المحاكم مواضع نجاة موثوقة وأقواس عدل تردّ للمعتدى عليهن حقوقهن أو تعاقب الجناة: فالشرعيّة أو الدينية من بينها تنحاز تلقائياً للرجال (والنماذج المضادة نادرة الوقوع وترتبط بشخص رجل الدين أكثر مما ترتبط بالنصوص والتشريعات)، أما المدنيّة، فيتطلّب الذهاب إليها مخاضاً عسيراً يمرّ بأطبّاء شرعيين وتقارير أمنية وإثباتات غالباً ما يصعب تملّكها.
وإن أضيفت الى الأمر العثرات الأخرى، المرتبطة بقانون العقوبات، أو بقوانين حضانة الأطفال المحسومة لدى مختلف الطوائف لصالح الرجال (والفروقات إنما هي بالنسبة لأعمار الانتقال الى حضانة الأب ليس أكثر)، أو بأحوال النساء الاقتصادية وانعدام قدرتهن غالباً على الاستقلال المادي، وقعنا على حال من القهر والإجحاف، لا تكفي لدحضه أو مقارعته التبدّلات في ثقافة بعض أبناء وبنات الجيل الجديد ومسلكيّاتهم، ولا التحسّن الطارئ على مستويات التعليم والطبابة لديهم.
المطلوب إذن لمواجهة ظواهر مرَضية خطيرة كظاهرة العنف ضد النساء هو تشريعات جديدة صارمة في تجريمه، وقوانين أحوال شخصية مدنية تستند الى الاتفاقات الدولية والمعاهدات الأممية ذات الصلة، ومقاربات مجتمعية تبدأ بالتصدّي لحالات محدّدة، وتصل الى تغيير النظرة الى المرأة بوصفها 'مواطناً ناقصاً'، مواطناً لا تتيح له النصوص والظروف والعقليات والعقبات مساواة الرجل في الحقوق والواجبات.
والمطلوب أيضاً هو حملات، مثل حملة 'كفى' و'جنسيتي حق لي ولأسرتي' و'الكوتا في الانتخابات' وغيرها، التي قدّمت الكثير في العام 2010، وينبغي تقديم الدعم والتغطية لها لتستمرّ في العام 2011 ولتحقّق (بعضاً من) أهدافها.
فيلم ديانا مقلد، أعاد بصوره القاسية وبكلمات إبن فاطمة وابنتها المؤثّرة، تذكيرنا بأن أموراً خطيرة (من خارج الحلبة السياسية واصطفافاتها) تحيط بنا، لا بل تعيش بيننا. أمور تودي بحياة لطيفة قصير وأخريات. وأمور تودي بإنسانيتنا كل ما صمتنا تجاهها، وكلّما غضضنا الطرف عن واجب القول وواجب الفعل لمحاصرتها...
|