الخميس, 24 فبراير 2011 القاهرة - أحمد رحيم وأحمد مصطفى
زادت المطالبات بإقالة رئيس الوزراء المصري أحمد شفيق وحكومته على رغم وعود وزرائها بتغيير حقيقي في السياسات، فيما تختبر الأوساط السياسية مدى قدرة الحكومة على الصمود في ظل التظاهرات المليونية التي دعت إليها غداً أوساط المعارضة والشباب في ما أسموه «جمعة التطهير» للضغط من أجل إقالة الحكومة.
ويأتي هذا الاختبار الجديد وسط مخاوف حكومية من الانتقال إلى مرحلة من عدم الاستقرار والدخول في دوامة التغييرات الوزارية المتلاحقة تحت وقع الاحتجاجات التي تصعب السيطرة عليها. وقررت الحكومة تشكيل لجنة للحوار الوطني برئاسة نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل «بهدف إجراء حوار موسع مع مختلف القوى الوطنية في مصر في شأن القضايا التي تهم الوطن والمجتمع والمستقبل». وقال الناطق باسم مجلس الوزراء الدكتور مجدي راضي إن اللجنة «مفتوحة» ويمكن أن تشارك فيها وزارات عدة مثل التعليم والسياحة والمالية والأوقاف والاتصالات، كما تتمتع بحرية الاستعانة بأية جهات أو خبرات. وطالب المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي بوضع دستور جديد للبلاد، فيما طالبت «حركة شباب 6 أبريل» بالمشاركة في صياغة التعديلات الدستورية التي تعمل عليها لجنة شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة من المفترض أن تنهي أعمالها مطلع الأسبوع المقبل.
ووجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحذيراً شديد اللهجة إلى «المجموعات الخارجة على الشرعية»، بعدما لاحظ «تعدد الاستغاثات من محافظات الجمهورية المختلفة، خصوصاً القاهرة الكبرى والسويس وبورسعيد من أعمال البلطجة والسرقة». وأكد في رسالة على صفحته في موقع «فايسبوك»، أنه «سيتم اتخاذ أقصى الإجراءات وأعنفها تجاه هذه المجموعة الخارجة على الشرعية للقضاء على هذه الظاهرة تماماً». وناشد المصريين «مساعدة القوات المسلحة في التخلص من هذه العناصر حتى تتفرغ لأداء مهامها الطبيعية في هذه الأوقات الحرجة من تاريخ البلاد». وكان الوزراء الجدد في حكومة شفيق سعوا إلى كسب تأييد شعبي عبر الوعد بحل مشاكل المواطنين ومحاولة تلبية مطالبهم خلال الأشهر المقبلة، وطلب منح الحكومة فرصة قبل الحكم على سياساتها. وعقدت الحكومة أول اجتماع لها بتشكيلها الجديد أمس «لعرض آليات دفع عجلة الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، وإجراءات جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والدولية لإقامة مشاريع جديدة توفر مزيداً من فرص العمل للمواطنين».
وعرض الاجتماع «إجراءات عودة الحياة الطبيعية بما يسمح بتدفق حركة السياحة مرة أخرى، وإعادة عجلة الإنتاج والتصدير، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين في مختلف المجالات». وأكدت الحكومة أن أسلوب عملها في المرحلة الدقيقة الحالية «يقوم على السرعة والديناميكية في التحرك واتخاذ القرار، وجماعية العمل والمسؤولية الجماعية للمجلس، والمصارحة التامة في كل القضايا مع المواطنين، والتمثيل الأوسع لأطياف المجتمع واتجاهاته، والعمل بروح المبادرة وعدم الانتظار للتعامل برد الفعل».
وأكد وزير الداخلية محمود وجدي «عدم وجود أي معتقلين من التظاهرات الأخيرة أو من شباب 25 يناير سواء لدى الداخلية أو القوات المسلحة، واستمرار الوزارة في الإفراج المستمر يوماً بيوم عن أعداد متزايدة من المعتقلين السياسيين». وأشار إلى أن «عدد المعتقلين الباقين لا يزيد حالياً على 256 معتقلاً، يتم دراسة حالاتهم في شكل مستمر». ودعا نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل إلى «إعطاء الفرصة للوزارة الجديدة للقيام بالمهام الموكلة إليها ومراقبتها ثم محاسبتها، وليس محاسبتها قبل أن تبدأ أعمالها أو من دون إعطائها الفرصة للقيام بمسؤولياتها»، داعياً العمال والمواطنين إلى مواصلة أعمالهم «للخروج من حالة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد».
وأشاد الجمل الذي كان محسوباً على المعارضة بالدور الذي قام به الشباب في إسقاط النظام السابق، مؤكداً أن مطالبهم في التغيير «مشروعة»، وأنه «يتم الآن تفكيك مؤسسة الفساد الذي استشرى خلال السنوات العشر الماضية»، لكنه رأى أن «التغيير لن يحدث ما بين يوم وليلة». وأوضح أن «المرحلة المقبلة ستشهد الاهتمام بالعدالة الاجتماعية والشباب... والحكومة بتشكيلها الحالي خير شاهد على العودة إلى دور الدولة والوظيفة الأساسية لها في المجتمع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ولعب الدور الحيوي الرئيسي في خدمة المواطنين والارتقاء بما يقدم من خدمات مختلفة لتحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة».
وعلى صعيد التحقيقات التي تجريها السلطات القضائية في قضايا الفساد، قرر النائب العام منع رئيس الوزراء السابق الدكتور عاطف عبيد ووزير الثقافة السابق فاروق حسني ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ و9 رجال أعمال هم رئيس هيئة التنمية الصناعية عمرو عسل، ورئيس اتحاد المنتجين الزراعيين مدحت المليجي، وياسين منصور، وحامد الشيمي، وحلمي أبو العيش، وأدهم نادين، ونهاد رجب، ونبيل عبدالعظيم، ومحمد أبو العينين، من مغادرة البلاد، ووضْعِ أسمائهم على قوائم ترقب الوصول للتحقيق معهم في اتهامات تتعلق بالفساد.
وأصدرت محكمة جنايات القاهرة أمس حكماً قضائياً أيدت فيه قرار النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بمنع وزراء الداخلية والسياحة والإسكان السابقين حبيب العادلي وزهير جرانة وأحمد المغربي وأمين تنظيم الحزب الوطني السابق رجل الأعمال أحمد عز من التصرف في أملاكهم العقارية، كما أصدرت محكمة الجنايات في محافظة الإسماعيلية الساحلية حكماً أيدت فيه قرار منع وزير الزراعة السابق أمين أباظة ورجلي الأعمال محمد أبو العينين وعمرو منسي من التصرف بأموالهم وتجميد حساباتهم.
وللمرة الأولى، مثل المغربي وجرانة وعز أمام القضاء وظهروا بملابس السجن البيضاء داخل قفص الاتهام، فيما تغيّب وزير التجارة السابق رشيد محمد رشيد لوجوده خارج البلاد، وحضر محامون للدفاع عنه. وكانت الجلسة شهدت توتراً قبيل عقدها عندما تعالت هتافات الحضور من محامين وأهالي في قضايا أخرى ضد المغربي وجرانة وعز، إذ اتهموهم بالسرقة والاستيلاء على «أموال البلد» وإفقار الشعب. وعقب انتهاء الجلسة وترحيلهم في سيارات تتبع الشرطة إلى محبسهم، حاول بعض الأهالي استيقاف عربات الترحيلات التي كانت تقلهم للتعدي عليهم، غير أن السيارات أسرعت بالهرب من الحشود الغاضبة.
وبدأت النيابة العامة أمس تحقيقاتها في البلاغ المقدم من «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» ضد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي الذي تتهمه فيه بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية والاعتداء على المتظاهرين العزّل أثناء ثورة الشباب». واستمعت نيابة استئناف القاهرة إلى أقوال رئيس المنظمة حافظ أبو سعدة الذي اتهم العادلي بـ «إصدار أوامره بإطلاق الرصاص المطاطي والخرطوش والرصاص الحي على المتظاهرين، فضلاً عن تسببه في نشر الرعب والفزع بين صفوف المواطنين من خلال إطلاق البلطجية وقطّاع الطرق وفتح السجون، وسحب قوات الأمن».
وقدم ثلاثة من رؤساء المؤسسات الصحافية الحكومية استقالاتهم إلى رئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق. وقال راضي إن رؤساء المؤسسات هم رئيس مجلس إدارة «دار الهلال» عبدالقادر شهيب ورئيس مجلس إدارة «دار التحرير» علي هاشم ورئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» محمد علي إبراهيم. وأحال شفيق طلبات الاستقالة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبت فيها. لكن هذه الخطوات لم تقنع المعارضة التي طالبت بإقالة حكومة شفيق. وقال الناطق باسم جماعة «الإخوان المسلمين» عصام العريان إن الجماعة «لا تعترف بشرعية الحكومة الجديدة لأن من عيّن رئيسها هو (الرئيس السابق حسني) مبارك»، مطالباً بتشكيل حكومة جديدة نزولاً عند رغبة الجماهير، فيما أعلن حزب «الوفد» رفضه الحكومة الجديدة على رغم ضمها سكرتيره العام منير فخري عبدالنور الذي تولى حقيبة السياحة. وشدد الحزب على أن عبدالنور انضم إلى الحكومة بصفته الشخصية لا الحزبية وأن قراره لا علاقة له بالحزب. وكذلك فعل حزب «التجمع» على رغم تعيين القيادي فيه الدكتور جودة عبدالخالق وزيراً للتضامن والعدالة الاجتماعية.
وعبرت «الجمعية الوطنية للتغيير» التي أطلقها البرادعي عن بالغ اندهاشها للتعديل الوزاري «الذي لا يعدو أن يكون عملية ترقيع أخرى لا يمكن أن تغير شيئاً من حقيقة أنها لا تزال حكومة غير شرعية صدر قرار تشكيلها من رئيس الجمهورية السابق، ولا تزال تسكنها عناصر من حزبه الذي سوّغ الاستبداد وأشاع الفساد». وأضافت في بيان أن «الحكومة الجديدة تبدو مصرة على استفزاز الرأي العام وتحدي ثورة يناير بالإبقاء على وزيري الخارجية أحمد أبو الغيط والعدل المستشار ممدوح مرعي على وجه الخصوص». ورأت أن «على رغم أن الدكتور يحيى الجمل كفاءة علمية وقانونية معتبرة، إلا أنه في هذا المقام لا يعبر عن سياسة الجمعية الوطنية للتغيير التي تنادي بضرورة إسقاط هذه الحكومة وقيام حكومة انتقالية فعّالة من الكفاءات الوطنية المستقلة بعيداً من متاهات وشخوص الحزب الوطني».
ورأى البرادعي أن وضع دستور جديد «هو المدخل الصحيح». وقال في تعليق على صفحته على موقع «فايسبوك» إن «الحديث عن انتخابات ديموقراطية وتكافؤ الفرص في غياب حرية تكوين الأحزاب بمجرد الإخطار خلال الفترة الانتقالية هو لغو واستمرار للفكر السلطوي»، مضيفاً أن «إجراء انتخابات في ظل دستور مشوّه يتم ترقيعه، هو أمر يأخذ من الديموقراطية شكلها وليس جوهرها». وتساءل: «ما دواعي العجلة؟».
وطالبت «حركة شباب 6 أبريل» بـ «رحيل حكومة أحمد شفيق وكل الوزراء الموجودين منذ عهد النظام البائد، وتكوين حكومة ائتلاف وطني من الكفاءات المختلفة، وتغيير المحافظين كافة وتعيين قيادات شعبية من المشهود لها بالكفاءة». ودعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى «تقديم ضمانات واضحة لتنفيذ مطالب الشباب وفقاً لجدول زمني، ومشاركتهم في صناعة القرارات التي تخص البلاد خلال الفترة المقبلة». وحذرت من «الالتفاف على هذه المطالب»، مؤكدة «استمرار الشعب المصري في ثورته السلمية على رغم كل محاولات الإحباط التي يقودها فلول النظام البائد ورجال الأعمال المرتبطين بمصالح معهم».
أما رئيس حزب «الوفد» السيد البدوي، فطالب بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية قبل انتخابات مجلسي الشعب والشورى، «وبعدها يقوم الرئيس الجديد بالدعوة إلى وضع دستور جديد للبلاد في إطار جمهورية برلمانية مدنية ديموقراطية وعادلة». وتوقع ألا يحقق أي حزب غالبية منفردة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، «ما سيحتم تشكيل حكومة ائتلافية تضم مختلف التيارات والأحزاب». وفي ما يخص الاحتجاجات الفئوية، أضرم رجال شرطة مقالون النار في مبنى شؤون الأفراد الملحق بوزارة الداخلية بعدما اقتحموه. وكانت مجموعات من أمناء الشرطة الغاضبين نفذت وقفات احتجاجية عدة أمام مبنى الوزارة في الأيام الماضية. وأسفر الشغب عن تدمير ست سيارات خاصة وسيارة شرطة كانت موجودة في مرأب المبنى. وفرضت القوات المسلحة طوقاً أمنياً على الشوارع المؤدية إلى مبنى وزارة الداخلية.
|