لا يزال الغموض مخيماً على ما يجري في ليبيا في ظل التعتيم الاعلامي والحصار الذي تفرضه السلطات على وسائل الاعلام والاتصالات. لكن التقارير المحدودة التي سربها شهود او معارضون او بعض وسائل الاعلام المحلية اشارت الى تواصل الاحتجاجات وعمليات القمع الشديد الذي يجبه به المتمردون، لاسيما في شرق البلاد وخصوصا في مدينتي بنغازي والبيضاء، مما رفع الى اكثر من 84 عدد القتلى بحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش" لمراقبة حقوق الانسان في أسوأ اضطرابات على مدى أربعة عقود من حكم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي.
وليست ثمة مؤشرات على انتفاضة شعبية تعم ليبيا حيث يتركز العنف حول ثانية كبرى مدن البلاد، بنغازي الواقعة على مسافة نحو 1000 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس وهي منطقة لا يتمتع فيها القذافي تقليديا بالتأييد الذي يتمتع به في بقية البلاد. وقال احد سكان المدينة ان قوات الامن التي قتلت عشرات من المحتجين على مدار الايام الثلاثة الماضية تراجعت إلى مجمع سماه مركز القيادة حيث يطلق قناصة نيرانهم على المحتجين. واضاف طالباً عدم ذكر اسمه: "قتلوا اليوم (امس) من المبنى بالرصاص ثلاثة محتجين. في الوقت الحالي الوجود العسكري الوحيد في بنغازي محصور في مجمع مركز القيادة في المدينة وبقية المدينة قد حررت. تجمع الآلاف والآلاف من الناس أمام مبنى محكمة بنغازي وهناك الآن مستشفيات ميدانية وعربات اسعاف ومكبرات صوت وكهرباء. المكان مجهز تماما. ليس هناك نقص في الطعام على رغم ان ليست كل المحال مفتوحة. المصارف مغلقة. كل مكاتب اللجنة الثورية (الحكومة المحلية) ومراكز الشرطة في المدينة احرقت". وكان مصدر أمني أعطى شهادة مختلفة إذ قال ان الموقف في منطقة بنغازي "تحت السيطرة بنسبة 80 في المئة".
ونشرت صحيفة "قورينا" الخاصة التي تصدر من بنغازي والمرتبطة بأحد أبناء القذافي أن 24 شخصا قتلوا في المدينة الجمعة. وأضافت أن قوات الأمن فتحت النار لمنع محتجين يهاجمون مقرات الشرطة وقاعدة عسكرية حيث توجد مخازن للأسلحة. واشارت الى أن "الحرس اضطر الى استخدام الرصاص في مواجهة المحتجين للحيلولة دون وصولهم إلى تلك المخازن". ولم تصدر الحكومة أي أرقام عن القتلى والجرحى أو تدل بأي تعليق رسمي عن العنف. لكن "هيومان رايتس ووتش" اكدت ان 84 شخصا قتلوا خلال الايام الثلاثة الماضية في اعنف حملة تشنها قوات الأمن لإخماد احتجاجات مناهضة للحكومة تحاول محاكاة الانتفاضتين في تونس ومصر المجاورتين لليبيا. وقال مسؤول في مستشفى الجلاء لـ"هيومان رايتس" انه جرى استدعاء كل اطباء المدينة ودعوة السكان للتبرع بالدم. واضاف: "لم نر مثل هذا في حياتنا".
وامر النائب العام في ليبيا المستشار عبدالرحمن العبار بفتح تحقيق في اعمال العنف. ودعا الى تعجيل الاجراءات لمحاكمة جميع الذين يدانون بالقتل والتخريب. وانتشرت قوات الامن الجمعة حول مدينة البيضاء على مسافة 200 كيلومتر من بنغازي، واقامت حواجز عند مداخلها وكذلك امام المطار، كما افاد مصدر مسؤول، بعد معلومات انتشرت عبر الانترنت تفيد بان المتظاهرين سيطروا على الوضع في المدينة. وقال ان قوات الامن تلقت الامر بمغادرة وسط المدينة لتفادي الصدامات مع المتظاهرين. وفي لندن، قال وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إن لديه تقارير تفيد بأن أسلحة ثقيلة ووحدات من القناصة استخدموا ضد المتظاهرين. وأضاف في بيان: "هذا أمر غير مقبول بشكل واضح ومروع". طرابلس وبعيدا من المنطقة الشرقية تبدو البلاد هادئة. وأفاد مراسل لـ"رويترز" أن مئات الاشخاص تجمعوا حاملين صوراً للقذافي ورددوا هتافات مؤيدة لزعيم الثورة في الميدان الأخضر في وسط طرابلس وبجوار البلدة القديمة المحاطة بسور. ويقول مراقبون للاوضاع في ليبيا ان الوضع مختلف عن مصر لان القذافي يملك سيولة نقدية نفطية للتغلب على المشكلات الاجتماعية. كما انه لايزال يحظى باحترام في معظم البلاد. ولم يكن ممكنا التواصل عبر موقعي "تويتر" و"فايسبوك" اللذين نقلا نداءات التعبئة، كما كان الاتصال بباقي مواقع الشبكة بطيئا جدا او غير ممكن، على ما افاد سكان في طرابلس وبنغازي. وذكرت شركة "اربور نتووركس" المتخصصة بمراقبة حركة الانترنت ان اتصالات الانترنت قطعت فجأة ليل الجمعة في ليبيا. (رويترز، ي ب أ، و ص ف)
|