الجمعه ٢٢ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
حزيران ٢٥, ٢٠١٩
المصدر:
جريدة النهار اللبنانية
لبنان بين لجوء ونزوح: سورياليّة، شعبويّة وغلو سياسي بدل السياسات العامة!
ناصر ياسين - زياد الصائغ
لم يسمح السياسيّون للبنان، حتى السّاعة، بأن يدير بشكلٍ سليمٍ أزمتين تاريخيّتين، أي أزمة اللاجئين الفلسطينيّين وأزمة "النازحين" السوريّين. فقد شهدت هاتان الأزمتان تعقيدات بنيويّة على المستوى الوطني (منها الطائفيّة – المذهبيّة)، وكذلك عقبات إقليميةّ ودوليّة. ويشكّل الأداء السياسي اللامسؤول، غير العلمي، وغير المحترِف، والشعبوي، والمبني على الشعارات، والتهويلات، والاتهامات، السبب الرئيسي في هذا الفشل على مستوى ادارة هاتين الازمتين.
ليست القضية غياب البراهين. هناك كم من الدراسات الأكاديمية، والأبحاث الاستقصائية المستندة على وقائع وأرقام، وكذلك أوراق السياسات العامة التي تناولت هاتين الأزمتين وعالجت أبعادها الإنسانيّة والسياديّة والديبلوماسيّة، وهي متَّسِقة مع القانونين الإنساني والدّولي، والتزام لبنان بخيارات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيّة، وهو العضو المؤسِّس فيهما، مما يضمن سيادة الدولة وكرامة الإنسان في لبنان مواطِناً ووافِداً. وقد أوصت بعض هذه الدراسات بانتهاج ديبلوماسيّةٍ فاعِلة تجد حلول لمسبِّبات أزمتَي اللّجوء والنزوح بعيدًا عن الاسترسال في رفع منسوب التوتّر حول نتائجها الكارثية على اللاجئين والنازحين، والمجتمعات المضيفة، على حدِّ سواء. ولكن همشت هذه الدراسات والأبحاث لصالح انتاج مسار الاشتباك السياسي في الداخل والخارج بغرض مكاسب سياسية داخلية، وهنا من المفيد طرح تساؤلاتٍ حول مسؤولية الفشل المتراكَم في إدارة هاتين الأزمتين، مما يسمح بمحاسبة مسؤولة للمعنيين بتبنّي منطق التهويل والتخوين لتحقيق غاياتٍ لا علاقة لها بجوهر الأزمتين وحلهما.
1- لبنان واللاّجئون الفلسطينيّون: البؤس واللاسيادة والتسطيح
تشكل مخيّمات اللاجئين الفلسطينييّن بؤر بؤس وفَقر، وتخضع لسطوة سلاح امسى خارج صلاحية "النضال"، بينما لم تحرز الديبلوماسية اللبنانية أي تقدم لابقاء حقّ العودة كأساس لحل هذه القضية المركزية في العالم العربي، خاصة بوجود مخطط لمحو هذا الحق. ولا تُخفى على أحد التعقيدات التي حَكمت العلاقات اللبنانيّة – الفلسطينيّة إبّان حرب لبنان، أما بعد الحرب فقد مُنِع لبنان من إدارة هذه العلاقات. ففي العام 2006 تمّ التوافقٌ على تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين من خلال إطلاق ورشة عمل تنمويّة في المخيّمات أطلقتها لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني في رئاسة مجلس الوزراء (2006 – 2009)، على أن يتولّى المجتمع الدولي التمويل من خلال الأونروا، إلا أن أحداث مخيّم نهر البارد أعاقت تنفيذها. وكان قد تمّ التوافق على بسط سيادة الدولة داخل المخيّمات وإنهاء حالة السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات، بالإضافة إلى دعم حقّ العودة من خلال مقاربة دبلوماسيّة رصينة ومتكامِلة.
لم يتحقق من هذه الخطة إلا إصدار وثيقة جامعة تحت عنوان "رؤية لبنانيّة موحَّدة تجاه قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، عمِلت عليها لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني بدقّة، وأطلقتها برعاية رئيس مجلس الوزراء في حزيران 2018، وقدَّمتها الى رئيس الجمهوريّة، لكن حتى الآن لم تُدرَج على جدول أعمال مجلس الوزراء لإقرارِها..
يشكل عدم إقرار وتنفيذ هذه الوثيقة، التي صيغت على نحو سياسة عامة، على الازدواجيّة لدى القِوى السياسية اللبنانية في تعاطيها مع هذه الأزمة المستمرة منذ 71 عاماً. وكان من الأجدى في مواجهة "صفقة القرن"، وعِوَض التموضع خلف شعاراتٍ استنفاريّة، العمل بموجب ما ورد في هذه الوثيقة، مما يحقق حماية حقوق لبنان واللاجئين معاً. إلا أن تسطيح المقاربات السياسيّة، والمترجمة إعلاميّاً في الرأي العام، خطرٌ على نضالات اللبنانيّين واللاجئين الفلسطينييّن معاً.
2- لبنان والنازحون من سوريا: الارتجال والتذاكي واللامنهجيّة
منذ العام 2011 استقبل لبنان وافدين من سوريا قسراً هرباً من ظلم عُنفي وإرهاب دمويّ. بعض القوى اللبنانية ساهموا في دفع هؤلاء لترك مدنهم وبلداتهم وقراهم، مما يشكل خرقًا لاتفاق القِوى السياسية على "النأي بالنفس". مما يستأهل سياقاً تحليليّاً موازياً لأزمة اللجوء السوري (النازحون في التعريف الرسمي اللبناني)، خاصةً وأن ما نعيشه اليوم مرتبط بهذا الخَرق، كون عشرات الالاف من المهجرين السوريين بإمكانهم العودة فوراً الى مناطق القلمون، والقلمون الغربي، والزبداني والقصير إلا أن هناك قوى امر واقع في سوريا تعطِّل هذه العودة.
منذ العام 2011، انقسمت القوى السياسية حول إدارة أزمة النزوح السوري، ولم يتم وضع سياسة عامة لإدارة هذا الملف بالرغم من عدّة مسوِّدات اصطدمت بتعنُّتٍ أو عناد، وجهلٍ أو تجاهل، وبقِي اللبنانيّون أسرى شعاراتٍ تتصاعد وتيرتها حين الحاجة.
النتيجة: وضعُ النازحين بائِس، ووضع المجتمعات المضيفة منهك، وحلّ الأزمة في سوريا أمام أفقٍ مسدودٍ. المبادرة الروسيّة لعودة السوريين الى ديارهم متعثّرة. لكن ما يعنينا هو ما قامت به القِوى السياسية اللبنانية في إدارة الأزمة وغياب اي مقاربة ديبلوماسية جدية، عربيا ودوليا، تقارب موضوع العودة إلى سوريا بطرق ممنهجة خاصة في موضوع تمنع السلطات السورية من إعطاء ضمانات قانونيّة وأمنيّة جدية لتسهيل العودة ضمن عملية مصالحة حقيقية في سوريا. وفي موازاة قُصور الحكومة اللبنانية عن إنجاز سياسة عامة تقارب الموضوع بين الإنساني والسيادي والديبلوماسي تجاه النازحين، يتخاذل المجتمع الدَولي في إنهاء الأزمة في سوريا، كما هناك تراجع في تقديم المساعدات للنازحين والمجتمعات المضيفة جرّاء تعب الدول المانحة.
ان هذه العوامل لا تواجه باستنفار الغرائز وتسعير التوتّرات، بل بقيادة سياسية مسؤولة تبلور سيناريوهات مبنية على كرامة الإنسان وتطبيق القانون واحترام لبنان لتعهداته كعضو فاعل في الامم المتحدة، وكذلك معالجة الهواجس لدى النازحين واللبنانيين معاً.
الذاكرة اللبنانية – الفلسطينية ما زالت متوجِّسة ويائسة، والذاكرة اللبنانية – السورية تعاني أيضاً تصدّعاتٍ هائلة، فيما المعنيّون منحازون لسورياليّة وشعبويّة وغلو سياسي تعمِّق الجراح، فمتى نستعيد مسار بناء السياسات العامة تفادياً لانهياراتٍ عظيمة؟
باحثان في شؤون اللاجئين
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة