الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: حزيران ١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لاحتواء إيران، خط ترامب الجديد يشبه كثيراً خط أوباما - ديفيد سانجر
واشنطن – لدى الإلحاح بالسؤال [منذ بضعة أسابيع] على أحد كبار مساعدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتعريف الأهداف التي يتوخّاها الأخير من تصعيد الضغوط العسكرية والاقتصادية على إيران، لجأ إلى تعداد قائمة مألوفة: وضع حد للدعم الذي تُقدّمه إيران للإرهاب، ومنعها من إطلاق الصواريخ، والأهم من ذلك قطع الطريق أمامها للحؤول، على امتداد أكثر من عام، دون امتلاكها القدرة على تصنيع سلاح نووي.

قال بريان إيتش كوك، مبعوث وزارة الخارجية الخاص بإيران، أمام مجموعة صغيرة من المراسلين، إن الولايات المتحدة سوف تصرّ على "صفر تخصيب لإيران". فذلك يضمن عدم إنتاج إيران لأي مواد نووية جديدة، وتالياً لا تصبح أقرب مما هي عليه الآن إلى تصنيع سلاح نووي.

كانت لحظة معبِّرة في أسبوعٍ غريب ويدور في حلقة مفرغة من التهديدات المتبادلة والرسائل الضائعة بين عدوَّين لدودَين. كان وضع اتفاقٍ يضمن أن إيران ستستغرق عاماً أو أكثر لـ"تجاوُز العتبة النووية" وتصنيع الوقود الضروري للاستحواذ على قنبلة نووية – ما يمنح الولايات المتحدة وإسرائيل وسواهما متّسعاً من الوقت للرد – القوّة المحرِّكة خلف الاتفاق النووي لعام 2015 الذي جرى التفاوض عليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

كل مقتضى وكل تنازل في الاتفاق تمت دراسته انطلاقاً من تأثيره على ذلك الجدول الزمني. ووفقاً لمختلف المعطيات، كان الاتفاق ناجحاً قبل أن يعمد ترامب إلى سحب الولايات المتحدة منه في أيار 2018، واصفاً إياه بأنه "كارثي".

في حين أصرّ ترامب على أنه بإمكانه مواجهة إيران من دون أن يؤدّي ذلك إلى اندلاع نزاع عسكري، وضع مسؤولون آخرون في إدارته، فعلياً، خطاً أحمر قالوا إن طهران سوف تتحمّل التبعات في حال عمدت إلى تخطّيه.

وقال هوك: "نعيد إرساء الردع فيما نعمل على التوصل إلى اتفاق جديد وأفضل"، مضيفاً: "خسرنا الردع بموجب الاتفاق الإيراني".

لم يُحدّد المسؤولون ما هي طبيعة الرد – عسكري أو غير ذلك – الذي سيتم اللجوء إليه في حال امتلكت إيران مخزوناً كافياً من اليورانيوم واتخذت خطوات أخرى لتخطّي تلك العتبة. لكنهم أقرّوا بأنه في حال مضى الرئيس الإيراني حسن روحاني قدماً بتنفيذ المخططات التي جرى الإعلان عنها الأسبوع الماضي [قبل أسبوعَين] بوضع حد تدريجي للحدود المفروضة على إنتاج الوقود النووي، فسوف يؤدّي ذلك، في نهاية المطاف، إلى استحواذ إيران على تلك الإمكانات.

لقد شحنت إيران نحو 97 في المئة من وقودها النووي إلى خارج البلاد، ولم يبقَ سوى مخزون صغير، وكانت تلتزم بالحدود المفروضة على إنتاج كميات إضافية. يعتقد معظم الخبراء أن إيران تحتاج إلى بضعة أشهر لإنتاج كميات كافية من الوقود النووي الجديد بما يُتيح لها امتلاك قدر كافٍ لتصنيع سلاح نووي في غضون عامٍ واحد. (لكن تلك التقديرات هي عبارة عن مزيج غير دقيق من الفيزياء والمعادلات الحسابية والأحكام الذاتية عن مهارات العلماء الإيرانيين).

لقد سلّط الإعلان الأخير الصادر عن إدارة ترامب الضوء على التشوّش الذي يتخبّط فيه الكونغرس وحلفاء أميركا وأعداؤها فيما يضغطون على البيت الأبيض ليكونوا على بيّنة من الأهداف الاستراتيجية الحقيقية التي يتوخّاها الرئيس. فهل ما نشهده هو مواجهة لوضع حد نهائي لطموحات إيران النووية؟ أو إنهاء برنامجها الصاروخي؟ أو وقف دعمها للإرهابيين؟ أو توليد الظروف المؤاتية لتمكين الشعب الإيراني من الإطاحة بحكومته الخاضعة لسلطة رجال الدين؟

تصبّ الأجوبة التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في إطار كل ما تقدّم، فضلاً عن السعي إلى تحويل إيران "بلداً طبيعياً"، على حد تعبيره. لكن حتى تاريخه، وجد كبار مساعدي ترامب صعوبات هائلة في إعطاء الأولوية لأهدافهم، أو تفسير السبيل لتحويل المواجهة إلى تفاوض.

لعل ما يجري هو نتيجة تصرفات رئيسٍ كان يعلم ما هو الأمر الذي لا يروقه – فهو لم يكن راضياً عن اتفاق جرى التفاوض عليه في عهد أوباما، وينتهي العمل بالقيود الأساسية التي فرضها على إنتاج الوقود النووي اعتباراً من سنة 2030 – قبل أن يُحدّد كيف يريد استبداله.

يقول فيبين نارانغ، وهو أستاذ مساعد في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا يتابع مسائل الانتشار النووي: "كانوا شديدي الالتزام بالانسحاب من الاتفاق، لأنه جرى التفاوض عليه من جانب إدارة أوباما، إلى درجة أنهم انسحبوا من دون التفكير في العواقب القابلة للتوقّع".

ويضيف: "كانت هناك شوائب – كثيرة – في الاتفاق القديم. لكنهم شرّعوا الأبواب على المجهول عبر إقدامهم على تمزيقه"، لأن كثراً في إيران أبدوا أيضاً استياءهم من الاتفاق بسبب تخلّيه عن الإنتاج النووي.

والآن يواجه ترامب تداعيات قراره. كان الهدف من تصريحاته يومَي الأربعاء والخميس [15 و16 أيار] بأنه لا يريد حرباً مع إيران، تهدئة الأجواء، وإظهار أنه لا يسير باتجاه نزاع محتوم ما، مهما كانت توصيات مستشاريه الأشد صقورية.

ووجّه ذلك أيضاً رسالة متباينة إلى إيران عن التداعيات في حال عمدت الحكومة الخاضعة لسلطة رجال الدين إلى استئناف إنتاج المواد النووية. يعلق نارانغ في هذا الصدد: "لقد تخلّى عن أداة نفوذه الأكبر"، في إشارة إلى التهديد المبهَم الذي لوحّت به إدارة ترامب بأنه في حال اقتربت إيران كثيراً من امتلاك قنبلة نووية، فقد يدفع ذلك بالولايات المتحدة أو إسرائيل إلى شنّ عمل عسكري ضدها.

إنه نمط مألوف بالنسبة إلى ترامب. لقد هدّد كوريا الشمالية بـ"النار والغضب" عام 2017، عندما كانت في صدد اختبار صواريخ وأجهزة نووية. لكن ما إن اجتمع ترامب بالديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ-أون حتى أعلن أن التهديد النووي لم يعد قائماً.

حدث ذلك قبل عام تقريباً، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف كيم عن إنتاج مواد نووية، وعلى الأرجح أسلحة نووية، وفقاً لتقارير صادرة عن الاستخبارات الأميركية.

ولا شك في أن الإيرانيين لاحظوا ذلك.

من الممكن أن ترامب يفتعل مواجهة لإرغام إيران على التفاوض على اتفاق جديد. هذا الأسبوع [منذ أسبوعَين تقريباً]، قال إنه يريد التكلم مع روحاني. غير أن رد الفعل الأولي من إيران كان مخيّباً.

فقد قال المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانشي، لقناة "سي بي إس": "يريدون أن يحملوا العصا في أيديهم، في محاولة لترهيب إيران وفي الوقت نفسه يدعون إلى حوار. أيّ نوع من الحوار هذا؟"

من شأن كتابة الاتفاق النووي من جديد أن تحمل بعض أوجه الشبه مع ما فعله ترامب عندما طرح جانباً اتفاق التجارة الحرة في أميركا الشمالية (نافتا)، ليعود فيُبرم اتفاقاً جديداً جرى التفاوض عليه مع كندا والمكسيك، ويُشبه إلى حد كبير الاتفاق السابق. في تلك المسألة، كان ترامب في ملعبه: فأكثر ما يُحفّزه هو إعادة إرساء التوازن في موازين تجارة البضائع.

لكن الاستراتيجيا النووية تتبع قواعد مختلفة. فانطلاقاً من الدروس التي تعلّمها ترامب مع كوريا الشمالية، حتى الوعود بتشييد فنادق برّاقة على شواطئ لم تُفسدها يد الإنسان ليست كافية لجعل القادة السلطويين يتخلون عن التكنولوجيا التي يمكن أن تحول دون إطاحتهم على أيدي قوى خارجية.

ليست إيران بلداً مصنِّعاً لقطع السيارات والأجهزة الإلكترونية، والتعاطي الخاطئ قد يتسبّب بسهولة بإطلاق سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط، فيما تطلق السعودية تهديدات علنية بأنها ستعمد إلى مضاهاة إيران في كل ما تفعله.

كانت تلك بالطبع المعضلة المحورية التي واجهتها إدارة أوباما لدى شروعها في مقاربتها السرّية الأولى تجاه إيران قبل ست سنوات. في البداية، أصرّ معاونو أوباما على أنه ينبغي على إيران التخلي عن كل شيء، وعلى قطع الطريق أمام الحكومة الإيرانية كي لا تتمكّن من إنتاج أي مواد يمكن أن تتحوّل في نهاية المطاف إلى قنبلة نووية.

في نهاية المطاف، خلص المفاوِضون الأميركيون، بعد سنوات من الاصطدام بالجدران، إلى أنه من الأفضل السماح لإيران بامتلاك قدرة رمزية منقذة لماء الوجه لمدة 15 عاماً، وإجراء عمليات تفتيش دولية صارمة، بدلاً من الخروج من دون اتفاق وظهور تهديدٍ حقيقي باندلاع حرب.

قال عدد كبير من منتقدي أوباما، وبينهم بعض الديموقراطيين، إن المفاوِضين قدّموا تنازلات أكثر من اللازم. خلال الحملة الرئاسية عام 2016، سارع ترامب إلى تصويب سهامه على نقطة الضعف الأكثر وضوحاً في الاتفاق النووي: بعد 15 عاماً، يستطيع الإيرانيون استئناف إنتاج الوقود بكميات غير محدودة.

كان رهان أوباما الأساسي أنه ستصبح لإيران قيادة مختلفة بعد 15 عاماً، وأن تلك القيادة قد تُبدي اهتماماً بالانخراط مع العالم الخارجي أكثر منه بامتلاك القدرة على صنع قنبلة نووية. فضمّ عالِماً نووياً في حكومته، وزير الطاقة إرنست مونيز، إلى المفاوضات.

طوال أشهر دأب مونيز، الذي كان يرأس سابقاً مختبر الفيزياء النووية في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، على الاجتماع بنظيره الإيراني الذي أتمّ دراساته العليا في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا. توطّدت العلاقة بينهما، وتوصّلا إلى اتفاقٍ أكّد العلماء في وزارة الطاقة أنه يضمن أن إيران سوف تحتاج إلى عام أو أكثر لـ"تجاوُز العتبة النووية" وتصنيع الوقود الضروري للاستحواذ على سلاح نووي – إلى أن تنتهي مهلة الخمسة عشر عاماً.

وقد قرّر المفاوِضون في فريق ترامب أنهم يحتاجون إلى الشيء عينه – إنما يجب فرضه بصورة دائمة.

من شأن الجدول الزمني الذي أعلن عنه روحاني للإيرانيين الأسبوع الماضي أن يضع البلاد من جديد على السكة نحو إنتاج الوقود النووي. ومن شأنها أن تجتاز، عاجلاً أم آجلاً، عتبة العام الواحد. يقول المفتّشون إنه لم يسبق لإيران أن خصّبت اليورانيوم عند مستوى النقاء المطلوب لتصنيع سلاح نووي، لكنها اقتربت من تحقيق ذلك.

قال جايك سوليفان، وهو مسؤول سابق في شؤون الأمن القومي في إدارة أوباما ساعدَ على إطلاق المفاوضات مع طهران: "كي تبقى إيران على مسافة أكثر من عام من امتلاك الإمكانات لتصنيع قنبلة نووية، المطلوب هو العودة إلى الاتفاق، لأن هذا بالضبط هو ما يحققه الاتفاق".

في الواقع، أصرّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على أن العودة إلى الاتفاق هي الشرط المسبق لمناقشة التغييرات.

يرفض ترامب ذلك رفضاً قاطعاً. ويوم الجمعة [17 أيار]، حاول تحويل الرسائل المتباينة نقطةً إيجابية ومفيدة. فقد غرّد: "مع كل الأخبار الكاذبة والملفّقة، لن تكون لدى إيران أي فكرة عما يجري فعلياً!"

مراسل في صحيفة "نيويورك تايمز" متخصص في شؤون الأمن القومي

ترجمة نسرين ناضر


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة