الخميس ٢١ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
أيار ١٤, ٢٠١٩
المصدر:
جريدة الحياة
"الإخوان المسلمون" والغرب - محمد سيد رصاص
يشير حسن البنا في "مذكرات الدعوة والداعية" (نسخة pdf في 342 صفحة) على الرابط التالي:
forum.roro44.com269574.html إلى أن تفكيره بتأسيس جماعة "الإخوان المسلمين" في آذار (مارس) 1928 يعود إلى أسباب عدة. ويذكر منها: "إلغاء الخلافة الإسلامية من قبل أتاتورك - الغزو الغربي العنيف والمسلح" (ص 57- 58)، ما جعله يفكر في "وجوب القيام بعمل إسلامي مضاد"(ص 59). لم يكشف البنا في البداية عن الوجه السياسي للجماعة، بل أعطاها قناعاً تربوياً - اجتماعياً خلال فترة التأسيس في مدينة الإسماعيلية.
بعد الانتقال إلى القاهرة وتأسيس مركز الجماعة هناك في 1932، بدأت تكتسب تدريجاً شكل التنظيم السياسي. وفي 1936 وقفت ضد المعاهدة بين حكومة مصطفى النحاس باشا والإنكليز، التي يصفها البنا بأنها تشكل "إجحافاً كبيراً بحقوق مصر واستقلالها الكامل" (ص 316).
لا يطرح البنا أمام التحدي الغربي شكل المقاومة السياسية فقط، بل يطرح بالتكافل معه مشروعاً فكرياً مضاداً من أجل الوصول إلى "عمل إسلامي مضاد": "ها هو الغرب يظلم ويجور... فلم يبق إلا أن تمتد يد شرقية قوية يظللها لواء الله وتخفق على رأسها راية القرآن" ("مجموعة رسائل حسن البنا"، "دار الأندلس" بيروت 1965، ص169). من الواضح هنا أنه يعتبر "الجماعة" الحامل السياسي - التنظيمي لهذا المشروع.
لم يدخل البنا في تفاصيل رؤيته الفكرية للغرب، ولا في تفاصيل المشروع الفكري الخاص بالعمل الإسلامي المضاد. يمكن تلمس هذا عند سيد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" (عام 1949)، إذ هناك تأكيد بأن "الكارثة التي أطبقت على الإسلام، إنما كانت في هذا العصر الحديث حين غلبت أوروبا على العالم وامتد ظل الاستعمار الصليبي، وغشي العالم الإسلامي كله شرقاً وغرباً، وأرصد لقتل الروح الإسلامية كل قواه مستمداً دفعته من العداء الصليبي الموروث" ("دار الشروق"، القاهرة 1993، ص 186). ثم يحدد العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي بالتالي: "العالم الغربي هو في الوقت ذاته عدو لنا وعدو لديننا بوجه خاص" (ص191)، وهو في ذروة صراع الكتلة الرأسمالية الغربية والكتلة السوفياتية الشرقية يرى أن "لا يخدعنا أن نرى الصراع قوياً وعنيفاً بين كتلتي الشرق والغرب... لا يوجد اختلاف في طبيعة التفكير الأميركي والروسي، فكلتاهما لا تملك إلا فكرة مادية عن الحياة، وكلتاهما قريبة في طبيعة تفكيرها من الأخرى... إنما تتنازعان النفوذ على العالم... أما الصراع الحقيقي العميق، فهو بين الإسلام وبين الكتلتين الغربية والشرقية معاً" (ص 214).
يرى سيد قطب أن المشروع الإسلامي البديل المضاد، هو مشروع شامل: "الإسلام منهج. منهج حياة... منهج يشمل التصور الاعتقادي الذي يفسر طبيعة الوجود ويحدد مكان الإنسان في هذا الوجود، كما يحدد غاية وجوده الإنساني، ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق من ذلك التصور الاعتقادي... كالنظام الأخلاقي... والنظام السياسي وشكله وخصائصه، والنظام الاجتماعي وأسسه ومقوماته، والنظام الاقتصادي وفلسفته وتشكيلاته، والنظام الدولي وعلاقاته وارتباطاته" ("المستقبل لهذا الدين"، "مكتبة وهبة"، القاهرة 1960، ص 3. ترجم هذا الكتاب إلى الفارسية من قبل علي خامنئي).
يمكن مما سبق تلمس أن موقف "الإخوان" من الغرب، يحوي بنية من طابقين: موقف فكري - ثقافي وموقف سياسي.
في الثلاثينات، كانت الحركية السياسية لتنظيم جماعة "الإخوان المسلمين" في موقف مضاد تفارقي مع الغرب البريطاني المسيطر على مصر. ظهر هذا في الموقف من معاهدة 1936، وفي التحالف مع الملك فاروق الذي كان على تضاد مع زعيم "حزب الوفد" مصطفى النحاس باشا، الذي عقد تلك المعاهدة، ووقف "الإخوان" مع القصر ضد "الوفد" والإنكليز، بالتحالف مع شخصيات مثل علي ماهر رئيس الديوان الملكي ثم رئيس الوزراء (آب 1939- حزيران 1940)، من أجل الدفع باتجاه حيادية مصر في الحرب العالمية الثانية، وعدم الانجرار وراء إنكلترا في حربها مع الألمان والطليان، حتى حسمت لندن الأمر في 4 فبراير 1942، عندما اقتحمت الدبابات البريطانية "قصر عابدين" وفرضت على الملك فاروق تعيين النحاس باشا رئيساً للوزراء.
عند انتخابات البرلمان التي دعا إليها زعيم "الوفد"، اتجه حسن البنا نحو إجراء استدارة كبرى عن مواقفه السابقة، إذ اختار دعم سياسي لوزارة تدعمها لندن، مقابل تعهد النحاس باشا بغض النظر عن النشاط التنظيمي لـ "الجماعة"، مختاراً التنازل في الفكر والسياسة لصالح تمكين التنظيم "الإخواني"، الذي شهد نمواً كبيراً بين الأعوام 1943 و1945، وهذا ما ساعد، على الأرجح، على عدم موته بتأثير ضربات الأعوام 1949 و1954 و1965. وهذا ما أعطى صورة عن براغماتية ليست بلا ضفاف موجودة عند تنظيم الجماعة، لم تمنع العودة بسرعة إلى صدام "الإخوان" و"الوفد" في الفترة الممتدة بين الأعوام 1946 و1950، ولا وقوف "الإخوان ضد "معاهدة صدقي - بيفن" في عام 1946، مطالبين بالجلاء قبل أي اتفاق مع لندن، كما أنها لم تمنع اشتراك "الإخوان" في حرب العصابات ضد الإنكليز في منطقة القناة إثر إلغاء وزارة النحاس باشا في 1951 لمعاهدة 1936.
كان هناك استدارة أكبر عند "الإخوان" نحو الغرب إثر صدامهم مع عبدالناصر في 1954، بعدما استدار الأخير في خريف العام 1955 نحو موسكو مبتعداً عن الغرب: هذه الاستدارة عند الجماعة، كانت ذات طابع سياسي – تنظيمي وليس فكري - ثقافي، وقفت فيه مع واشنطن والرياض ضد جمال عبدالناصر في حرب اليمن (1962-1970) ووقفت فيه مع واشنطن ضد موسكو في حرب أفغانستان (1979-1989). انتهى هذا في "حرب الخليج" الأولى العام 1991، عندما وقفت كل تنظيمات "الإخوان المسلمين"، عدا الفرع الكويتي، مع العراق ضد التحالف الدولي - العربي الذي وقف ضد صدام حسين وغزوه الكويت.
في عام 2005، بدأ يظهر اتجاه عند واشنطن لتقديم أردوغان كنموذج إسلامي في وجه بن لادن، بتأثيرات تفكير أميركي جديد إثر ضربات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وبدأت في ذلك العام محادثات أميركية مع التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمين"، نتج عنها ضغط أميركي على الرئيس المصري حسني مبارك لإشراكهم ("الإخوان") في انتخابات مجلس الشعب ودخول ("الحزب الإسلامي العراقي")، وهو الفرع "الإخواني" المحلي، في وزارة نوري المالكي الأولى في عام 2006.
وفي الفترة الممتدة بين الأعوام 2011 و2013، وبتأثير "الربيع العربي" وسقوط الرئيس المصري حسني مبارك، حصل تلاقي بين "الإخوان" وواشنطن، أثمر غطاء أميركياً لوصولهم إلى السلطة في القاهرة، قيل إنه أتى بالترافق مع تعهد "الإخوان" بعدم المس بثلاث قضايا: المعاهدة المصرية – الإسرائيلية، المصالح الأميركية واقتصاد السوق، ثم جرت استدارة أميركية سريعة عن ذلك منذ صيف العام 2013 مع حركة 3 تموز (يوليو) بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي، التي أسقطت حكم "الإخوان" في القاهرة، ثم ترجم ذلك في تونس ضد "حركة النهضة".
خلال ست سنوات تفصل المنطقة عن يوم الثالث من تموز 2013، من الواضح أن هناك اتجاهاً غربياً أميركياً - أوروبياً، بدعم إقليمي من دول الخليج، نحو استئصال جماعة "الإخوان المسلمين" من المشهد السياسي. أحد أشكال ذلك، هو التوتر الأميركي - الخليجي تجاه حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يحاول اتقاء مفاعيله عبر الاقتراب من موسكو وطهران.
يأتي الإجراء الأخير عند إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو إدراج التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمين" ضمن المنظمات المصنفة أميركياً كـ "منظمات إرهابية"، ليشكل ذروة الطلاق بين الغرب و"الإخوان".
خلال السنوات الست الماضية، من الواضح أن هناك ضدية فكرية - سياسية - تنظيمية ظهرت بين "الإخوان" والغرب، بعد تلاقٍ سياسي - تنظيمي امتد من العام 1954 وحتى العام 1989، ومن ثم في الفترة الممتدة بين 11 شباط (فبراير) 2011 والثالث من تمّوز 2013.
* كاتب سوري.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة