السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ١١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الخبر الجزائرية
تزعزع «ثالوث سوتشي» - محمد سيد رصاص
من المؤكد أن يوم 19 كانون الأول (ديسمبر) 2018، عندما اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار الانسحاب العسكري من سورية (ولو مع إبقاء مئتين منهم)، يعد فاصلاً في تاريخ الأزمة السورية، مثل يوم الدخول العسكري الروسي إلى سورية في 30 أيلول (سبتمبر) 2015. طرحت حتى الآن ثمانية سيناريوات لملء الفراغ العسكري الأميركي في شرق الفرات وفشلت كلها في الولادة.

في هذا الصدد، عقدت قمة بين بوتين وأردوغان يوم 23 كانون الثاني (يناير)، ثم قمة ثلاثية ضمتهما مع الرئيس الإيراني روحاني في 14 شباط (فبراير) لبحث «ملء الفراغ الأميركي»، وفشلت القمتان في الاتفاق على ذلك.

كان لافتاً تزعزع «الثالوث» الروسي- التركي- الإيراني أمام هذه المسألة، وهو عندما بدأ عبر «إعلان موسكو»، في 20 كانون الأول 2016، كان هناك إعلان عن أن الدول الثلاث ستكون «ضامنة لاتفاق بين السلطة والمعارضة»، في محاولة واضحة لإنشاء بديل عن مسارات (جنيف -2 وجنيف-3). جاء ذلك الإعلان حصيلة لانزياح أنقرة نحو موسكو إثر انقلاب 15 تموز (يوليو) 2016 الفاشل ضد أردوغان، الذي رأى بصمات الأصابع الأميركية فيه، وما تلا هذا الانزياح من تخلي الأتراك عن مسلحي الأحياء الشرقية من حلب والغطاء الروسي لعملية أنقرة في مثلث جرابلس- الباب- إعزاز. كان هناك في الخلفية فشل (جنيف3) السوري (29 كانون الثاني - 18 نيسان) الذي رعته واشنطن وموسكو، بعد توليد مشترك منهما للقرار 2254 إثر شهرين ونصف من الدخول العسكري الروسي، ثم فشل اتفاق كيري- لافروف للتنسيق العسكري- الأمني في أيلول (سبتمبر). خلال شهر من «إعلان موسكو» شرع الروس في طرح حلول للأزمة منفردة مثل «مسودة الدستور الروسية»، ثم بدأ (مسار آستانة) الذي كان من الواضح أنه يتجه إلى أن يكون عند موسكو إذا لم يكن بديلاً عن (جنيف) فهو موازٍ له، حيث لم يقتصر (آستانة) على القضايا الأمنية - العسكرية، بل تضمن الكثير من القضايا التي كانت تناقش في المدينة السويسرية. في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 بدأ «ثالوث سوتشي» بالتشكل عبر قمة أولى، كانت رابعتها في شباط (فبراير) 2019، وقد ظهرت بوضوح، عبر قممه الأربع، النية في أن تكون الدول الثلاث «ضامنة لاتفاق بين السلطة والمعارضة»، وقد كان عقد «مؤتمر سوتشي للحوار السوري- السوري» في 30 كانون الثاني 2018، اتجاهاً واضحاً نحو ذلك، وقد صرف الوزير سيرغي لافروف ساعات عدة في محاولة إقناع «هيئة التفاوض» بالحضور، إلا أنه لم ينجح، وهو ما دفع الروس للاتفاق مع الأمم المتحدة لأن تكون مخرجات المؤتمر المذكور المتعلقة باللجنة الدستورية خاضعة لعملية تنتج مسودة إصلاح دستوري.

«كمساهمة في التسوية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة وبالتطابق مع القرار 2254» (النص بالإنكليزية منشور على موقع الخارجية الروسية). كان هذا تنازلاً كبيراً من الروس واعترافاً بعد عام وشهر من «إعلان موسكو» بأنهم لا يستطيعون إنتاج تسوية منفردة عبر «ثالوث سوتشي»، وفعلاً لم يعد ممكناً توليد اللجنة الدستورية سوى في نيويورك، وهو ما أثبتته المحاولات الماراثونية في هذا الاتجاه أو عكسه التي بذلها دي ميستورا في 2018.

أثبتت السنتان الفاصلتان بين «إعلان موسكو» وقرار 19 كانون الثاني 2018 لترامب أن «ثالوث سوتشي» هو في حالة عجز عن إنجاز تسوية سياسية وحده، ثم أثبت الشهران الماضيان من 2019 أنه عاجز عن الاتفاق على ملء فراغ الانسحاب العسكري الأميركي. هناك خلافات أخرى ضمن «ثالوث سوتشي»، منها التنسيق الروسي- الإسرائيلي في ما يتعلق بالملف السوري، والذي كان نتانياهو بزيارته الأخيرة لموسكو أكثر من صريح في تحديده بوصفه موجهاً ضد طهران، ومنها أن التصورات الروسية حول الدستور، كما في مسودة كانون الثاني 2017، تميل نحو (اللامركزية) التي تصل لحدود سياسية، وليس فقط إدارية، من خلال «جمعيات المناطق»، وهو ما ترفضه أنقرة وطهران المهجوستان بالهم الكردي، ويبدو أن تحالف حزب الاتحاد الديموقراطي، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، مع واشنطن هو العائق الوحيد لتقارب موسكو مع ذلك الحزب.

في جانب آخر، يلاحظ أن موسكو تتجه للتحالف مع الرياض في منظمة الأوبك، وهذا كان واضحاً في السنوات الأربع الماضية، إذ عانت روسيا بالنصف الثاني من 2014 من تأثيرات اقتصادية كبرى لانهيار أسعار النفط، إضافة للعقوبات الغربية الاقتصادية التي اتخذت إثر الأزمة الأوكرانية. هناك مواقع سورية متناقضة عند أطراف «ثالوث سوتشي»، حيث السلطة السورية هي حليفة لموسكو وطهران، فيما «الإخوان المسلمون» قد أثبتوا في السنوات الثماني من عمر الأزمة السورية أنهم نسخة إسلامية في تبعيتهم لأردوغان تجمع الولاء الآيديولوجي- السياسي – التنظيمي، وكان آخر مظاهر ذلك بيانهم الأخير في 28 شباط حول «المنطقة الآمنة»، تكرر ما كانه خالد بكداش عند الشيوعيين السوريين تجاه ليونيد بريجنيف.

من الممكن أن يكون علي خامنئي، مترجم سيد قطب، عاملاً مساعداً في إنتاج تسوية سورية منفردة يرعاها بوتين وأردوغان بين السلطة السورية والإخوان المسلمين، ولكن العامل الأميركي، الذي يتجه للتحكم بالأزمة السورية عبر قانون «قيصر»، وعبر الضغط على حلفائه الأكراد لمنع توريد النفط والغاز والقمح لدمشق، سيكون معيقاً أمام أن تكتب الحياة لأية تسوية سورية لا تكون واشنطن أحد الرعاة لها، كما أن محاولات إنتاج مصالحة بين السلطة السورية وجماعة الإخوان المسلمين، التي بدأت في 1984 بعد سنتين من أحداث 1979-1982 ثم جرت مرة ثانية عام 1987 ثم استؤنفت عبر أردوغان أثناء تقاربه مع دمشق 2004-2011، أثبتت أنها عسيرة الإمكان.

* كاتب سوري.
 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة