الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
كانون ثاني ٢١, ٢٠١٩
المصدر:
جريدة الحياة
الغالبية المتحركة وضعف الأحزاب التقليدية المصرية - عزمي عاشور
اتسمت الحياة الحزبية المصرية، على مدار ما يقرب من مئة سنة، بسمات وخصائص أبرزها هيمنة وسيطرة حزب واحد داخل المجتمع مع وجود أحزاب أخرى صغيرة تعجز أن تأخذ شعبيته مثلما حدث مع حزب الوفد في الفترة من 1923 وحتى 1952، أو بهيمنته في حالة الاتحاد الاشتراكي في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي أو الحزب الواحد المهيمن المرتبط بمؤسسات الدولة ونظام الحكم حالة الحزب الوطنى الديموقراطي في عقدي الثمانينات والتسعينات والعقد الأول من القرن الحالي. وبمجيء ثورة 25 يناير تأكدت الحقيقة المهمة المرتبطة بالأحزاب السياسية وهو خواؤها وضعفها حتى مع الحزب الذي كان يحكم ومع المعارضة. وإذا كان الإسلاميون فازوا بأحزابهم بأغلبية برلمانية في أول انتخابات بعد الثورة إلا أن ظاهرة الأحزاب الإسلامية لا يمكن القياس عليها بكونها أحزاب حقيقية؛ لأن الذي فاز التنظيم الديني وليس الحزب السياسي الذى كان ديكوراً سواء مع جماعة الإخوان المسلمين أو السلفيين. فكان طبيعياً أن يسلكوا في تجربتهم القصيرة نهج النظام السابق لهم في سطوته وجبروته حتى لو كانت الانتخابات التي جاءت بهم اتسمت بالنزاهة عكس فترة ما قبل الثورة التي كان يغلب على انتخاباتها التزوير. والمصريون هنا لم يتخذوا موقفاً مسبقاً من الإسلاميين برفضهم، فهو أثبت معهم حسن النية سواء في الاستفتاء على الدستور في آذار (مارس) 2011 أو في الانتخابات البرلمانية التي كشفت بفوزهم بها بالغالبية وجهاً غير مألوف للمصريين؛ ما انعكس بسرعة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت بعد البرلمانية بستة أشهر فبدأ التأييد لهم يقل تدريجياً برغم فوزهم بمقعد الرئاسة بفارق ضئيل.
وشهد مجمل التفاعلات التي حدثت عقب ثورة يناير تطورات ونقلة نوعية في عملية الانتخابات أولها؛ حدوث طفرة في عمليات التصويت التي كانت مقيدة لارتباطها ببطاقة التصويت وليس رقم الهوية الذي يحمله كل من وصل سنه إلى ثماني عشرة سنة من المصريين. وهذا الإجراء هو من الحقوق الدستورية التي لا تجب إعاقتها بأي إجراءات إدارية كما كان يحدث في السابق. أما التطور الثاني فكان الالتزام بالإشراف القضائي والتأمين الجيد للعملية الانتخابية، ما جعلها تخرج في شكل يرضي الجميع. وثالثاً؛ ظهرت فاعلية الغالبية التي كانت تسمى صامتة غير المرتبطة بأحزاب سياسية، استطاعت هذه الغالبية أن تكون هي صاحبة الصوت الأعلى والعامل الخفي في إحداث التطورات التي تحدث في المجتمع المصري وفقاً للآتي: إن هذه الغالبية هي التي صعدت بالإسلاميين ومنهم «الإخوان» إلى السماء ثم قذفت بهم على الأرض بعد ذلك، حالة الانتخابات البرلمانية الأولى. وهذه الغالبية نفسها هي التي صوَّتت ضد «الإخوان» حتى لو كان المرشح من أنصار النظام الذي قامت الثورة ضده لمجرد أنها في ستة أشهر لم تستطع أن تتحمل هذا الشكل الذي ظهر به الإسلاميون في السلطة بحالة التقعر في التدين وادعاء امتلاك الحقيقة. فتقريباً نصف الذين شاركوا في الانتخابات الأولى عقب ثورة يناير ذهبت أصواتهم إلى أحمد شفيق. ثم أخيراً ظهور هذه الغالبية بشكل مؤثر في ثورة 30 حزيران (يونيو). أما التطور الآخر فمرتبط بالأحزاب السياسية القديمة؛ فقد غطت هذه الغالبية المتحركة على هذه الأحزاب التي ظهر معظمها وهو يحاول أن يستوعب ويلحق بما يقوم به شباب الثورة، فهذا الحراك المجتمعي ظهر بشكل كبير في ثورة 25 كانون الثاني (يناير) عن طريق الحركات الاحتجاجية ومنها «كفاية» التي كان نجاحها في الفترة السابقة للثورة خير دليل على فشل الأحزاب التقليدية وانعدام دورها وفاعليتها في المجتمع، وهو ما انعكس بعد ذلك على نتائح التصويت التي حصلت عليها هذه الأحزاب في الانتخابات البرلمانية بعد الثورة فكانت نتائجها مخزية مقارنة بما حصل عليه «الإخوان» والسلفيون.
ولم تخرج نتائج هذه التفاعلات السياسية للانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2015 عن هذا السياق، فالفائز لم يكن أياً من الأحزاب التقليدية ولا حتى الحديثة وإنما هو تيار الكتلة المتحركة؛ الصامتة سابقاً، أياً كان التمحور الذي تتمحور حوله. وهنا لم يكن لطبيعة النظام الانتخابي الذي يغلب عليه النظام الفردي الدور وإنما لطبيعة العوامل التي سبق شرحها، وهو الأمر الذي يعيدنا إلى بداية ما بدأنا به، لماذا هذا التمحور حول حزب الغالبية في الفترة الليبرالية برغم أنه كان حزباً مناوئاً للملك والدولة ثم التحول إلى الحزب أو التنظيم الذي يستمد شرعيته من الدولة والنظام الحاكم ثم العودة إلى الحزب المرتبط بالرئيس الحاكم أو ما حدث من تطورات جديدة بعد الثورة حاول الإسلاميون السير فيها على نهج النظام السابق بأن يكون الحزب هو حزب الحاكم ولكنهم فشلوا. وكل هذه الأشكال التي ظهرت في الحياة الحزبية وتمحورها حول حزب حاكم رئيسي يجعلنا نسأل أيضاً السؤال الآتي هل بالفعل ظاهرة الأحزاب السياسية والخاصة بالسلبيات الموجودة بها في مجتمع كمصر، تجاوزتها التطورات بدليل أن الثورات كانت ثورات المجاميع غير الحزبية كالحركات الاجتماعية وغيرها، والأداء الضعيف في الانتخابات للأحزاب في مواجهة تحركات الكتلة الصامتة التي لا يمكن أن يسيطر عليها أحد فى حالة تحركها، فمحركها الأساسي هو الاقتناع بما يعرض عليها ويحقق مصالحها، فهي كانت مع «الإخوان» ثم تخلت عنهم وهي الآن ليس مع الأحزاب وإنما مع النظام الجديد ولكن من يضمن أنها لن تغير وجهة بوصلتها مرة ثانية إلى من ترى أنه هو الذي يحمي ظهرها ويهتم بمشاكلها.
هذه كلها تساؤلات مطروحة حول الحياة الحزبية في مصر وتفاعلات المجتمع، فهل الأحزاب تستطيع أن تدرك السلبيات التي تجعلها في هذا الموقف المحرج وتعالجها أم أنها سوف تدور في فلك ضعف الإمكانيات والقدرات، وإذا كان هذا صحيحاً، فلماذا لا تبدأ من الآن ببناء قاعدتها الجماهيرية بالتدريج باكتساب أرضية من الكتلة الصامتة التي لديها استعداد أن تتحرك مع من يحقق لها مطالبها حتى لو كان ذلك تنظيماً راديكالياً مثلما حدث في البداية مع «الإخوان».
• كاتب مصري.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة