الأثنين ٢٥ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
كانون الأول ٢١, ٢٠١٨
المصدر:
جريدة الحياة
المواجهة المفتقدة للإرهاب بالمعلومات - منير أديب
المعلومة هي المرتكز الأساسي الذي يمكن أن تستند عليه الدول في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، فلا يمكن لجهاز أمني مواجهة العنف من دون توافر معلومات عن أولئك الذين يستخدمون هذا العنف سواء أكان عنف دينياً أو جنائياً، وهنا تبدو أهمية أجهزة المعلومات في فهم «المتطرفين» فهماً يؤدي بها في النهاية إلى مواجهة لا تبقي ولا تذر من أثر هؤلاء المتطرفين وبخاصة الفكري، سلوك هؤلاء «التكفيريين» العنيف أقل ما يمكن أن نتحدث عنه في معادلة المواجهة المفتقدة والأهم فهم هذه التنظيمات حتى يمكن القضاء على أثرها، وهذا لا يمكن إلا بتوافر كم هائل من المعلومات عنها.
ويمكن الحديث هنا عن أمرين في غاية الأهمية، أولهما وجود أجهزة معلومات قادرة على الحصول على معلومات صحيحة ودقيقة وغير مشوشة تؤدي في النهاية للوصول إلى نتائج سريعة ومؤثرة من دون وقوع ضحايا جدد يمكن أن تحولهم إلى «إرهابيين محتملين».
فأجهزة المعلومات عصب المواجهة الحديثة التي يمكن أن نتحدث عنها في ظاهرة الإرهاب العالمية، ولكن في المقابل لا بد أن يكون القائمون على هذه الأجهزة مؤهلين لفهم الظاهرة ابتداءً حتى يمكن أن يواجهوا عدواً معلومة بواطنه ليس عنده أو لديه أسرار يمكن أن يخفيها، وبالتالي يستخدمها في ممارسة تطرفه وإرهابه.
مجتمعاتنا العربية في حاجة إلى مراكز أبحاث ودراسات متخصصة في فهم ظاهرة الإرهاب والتطرف خصوصاً «المعولم» منها أكثر من أي وقت مضى لأسباب ترتبط بضرورة فهم الظاهرة بأبعادها المختلفة، وهنا تبدو عملية الرصد مهمة، كما تبدو منطقية هذا الفهم أكثر أهمية، ومراكز الأبحاث والدراسات هي الأقدر على فهم هذه الظاهرة ووضع خريطة طريق للتعامل معها، مبنية على فهم وإدراك واقعيين.
المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كانتا ومازالتا صاحبتي السبق في وضع خطط مواجهة الإرهاب وفق قواعد المعلومات، ولذلك فهما الأكثر تأثيراً في ظاهرة الإرهاب وفي ضرب بناه التحتية، وهنا فرق كبير بين مواجهة طويلة وممتدة تحقق فيها نتائج ولكنها تبقى موقتة بسبب وجود الرحم المنتج لظاهرة الإرهاب، وبين أخرى حازمة قد لا تكون بنفس قوة الأولى ولكنها ذات أثر ملموس لأنها حددت المعلومات ركيزة لها في فكرة المواجهة فحق أن نطلق عليها ناجعة.
كثرة التنظيمات المتطرفة وارتباط بعضها ببعض يُخرجها من دائرة المحلية إلى دائرة التنظيمات عابرة الحدود وبعضها قد يكون إقليمياً، وهنا تبدو أهمية المعلومة وأهمية التنسيق العسكري القائم على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وهنا أيضاً تكتشف العجب في أن كثيراً من عواصمنا العربية تعيد تعريف الإرهاب، أو لكل منها تعريف خاص بها، وكل منها ينظر للجماعات والتنظيمات الدينية برؤية تختلف عن الأخري، وبالمناسبة هذه النظرة قد تكون لجماعات وتنظيمات لها علاقة
بالعنف.
تقع بعض مراكز الأبحاث والدراسات المعنية في خطأ «الإحصاء» للمعلومات من دون قراءة دقيقة أو تحليل يجعلها تستفيد بهذه المعلومات استفادة تمكنها من «تقدير موقف» للإرهاب من واقع المعلومات المتاحة، شريطة أن تكون هذه المعلومات صحيحة، فكلما كانت المعلومة مشوهة كانت النتائج أكثر تشويشاً، وهنا لن نصل لنتائج، وأن تكون هذه المعلومات من مصادرها، وإذا حصل المركز البحثي عليها من خلال متعاونين فلا بد من اختيار هؤلاء المتعاونين بحيث يكونوا محل ثقة ودراية، فإذا توافرت المعلومة الدقيقة والباحث المجتهد القادر على قراءتها ستكون هناك قراءة واقعية من خلالها نستطيع أن نقضي تماماً على الإرهاب.
ومن المهم غربلة كافة المعلومات غير المفيدة والمشوهة في فهم جماعات العنف والتطرف والتمرد مع الاعتماد على المعلومات الصحيحة القادرة على القراءة الصحيحة أيضاً، فكلما كانت القراءة صحيحة ودقيقة؛ كلما كان هناك تقديراً أكثر واقعياً للموقف، وبالتالي مواجهة أكثر قوة للواقع الرديء للإرهاب.
على الدول وأجهزة الأمن في عواصمنا العربية أن تعتمد بشكل رئيس على مراكز أبحاث ودراسات قادرة على القراءة الصحيحة لواقع الإرهاب، فضلا عن الحصول على المعلومة وتقدير الموقف، ويبقى التعامل مرتبطاً بالجهاز الأمني والقرار السياسي، فما يمكن أن تتوصل له مراكز الأبحاث من خلال الدراسات والأبحاث التحليلية لا يمكن لغيره الحصول عليها ولا على نتائجها لسبب بسيط أنها تفتقد المدخلات التي تؤدي لمخرجات واقعية وملموسة، وهنا تبدو أهمية التعاون والتنسيق بين كل منهما.
قد يسأل سائل: ما أهمية المعلومة في مواجهة يستخدم فيها العدو أسلحة ثقيلة ويمارس إرهاباً بالسيف والنار؟ نقول له إن المواجهة تصبح «قشرية» و«سطحية» إذا غابت عنها المعلومة، كما أنها تُصبح بلا جدوي إذا توافرت المعلومة بينما غابت مواجهة خشنة للإرهاب يستخدم فيها هذه المعلومة، وهذه هي أهمية المعلومة المفتقدة في مواجهة
الإرهاب.
يمكنك أن تقيم أي مواجهة للإرهاب في أي عاصمة عربية وغير عربية يكون منطلقها الأساسي توافر المعلومات، وقدرة القائمين على المواجهة في توفير المعلومة الصحيحة والقادر على قراءتها قراءة صحيحة، إذا غابت حلقة من هذه الحلقات سيُصبح حالنا مع الإرهاب كما نعيشه الآن، ولذلك فأهمية قراءة المعلومة وخضوعها للتحليل لا تقل أهمية عن مصدرها ومدي صحتها، فكلما اعتمدنا على معلومات صحيحة كلما كنا أقدر على المواجهة أيضاً الصحيحة.
* كاتب مصري.
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة