زياد ماجد
الثلاثاء 28 كانون الأول 2010 منذ خمس سنوات، كانت ساحة الشهداء في بيروت ساحة الاحتمالات المختلفة: احتمالات التأسيس لمختبر سياسي يلي الاستقلال الثاني وحيويّاته الشعبية، واحتمالات تكريس الاصطفافات الطائفية القائمة بخياراتها "الخارجية" المتنابذة. لم يطل الانتظار كثيراً، وتقدّمت الاحتمالات الطوائفية وخياراتها على ما عداها، وعادت الأمور الى مساقاتها المعهودة، ولو مع إنجاز كبير تمثّل في إخراج جيش النظام السوري من لبنان.
ثم هجم القتل وأردى مثقفين وصحافيين وقادة سياسيين كانت بيروت قد جمعتهم بين 14 شباط و14 آذار، وتوالت التطوّرات والنزاعات واندلعت حرب تموز عام 2006 ثم عُطّلت المؤسسات الدستورية وانفجر مخيم البارد عام 2007، واغتيل أمنيّون ووقع 7 أيار عام 2008 وقامت المحكمة الدولية وجرت انتخابات 7 حزيران عام 2009، ووصلنا اليوم الى ما نحن عليه في العام 2010...
تجاه السنوات الخمس المذكورة، وتجاه بعض السنوات التي سبقتها، كُتب الكثير وسُطّرت نصوص عديدة. إلا أن نظرة استرجاعية الى الكتابات هذه، مع انطواء العام ومع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تضعنا مباشرة أمام كتاب الزميل مايكل يونغ بالإنكليزية "أشباح ساحة الشهداء" بوصفه الوثيقة الأغنى رصداً وتحليلاً لأحداث العقد المنصرم في لبنان ووضعاً لها في سياقين داخلي وخارجي بأسلوب يتقنه يونغ جيداً: أسلوب السيرة السياسية حيث الكاتب مراقب ومشارك يوظّف معلوماته ومصادره لرسم مسرح الأحداث بدقة، وحيث الأحداث لا تنفصل عن خلفيّاتها التاريخية التي يعود إليها مايكل كل ما كان الأمر ضرورياً لتوضيح رابط أو استذكار علاقة تُبقي المرحلة التي يتعرّض لها موصولة بما سبقها ممهّدة لما قد يليها.
ومايكل أنيق في عناوينه، كما في لغته. فعنونة الكتاب كما عنونة الفصول تضفي مسحة أدبية واستعارة لصور سينمائية تمدّ السيرة السياسية وما فيها من معلومات بجمالية تجعل القراءة أكثر ودًّا وأنساً رغم فداحة الموضوع وآثاره التي أصابت كل واحد منّا على نحو مباشر أو غير مباشر.
"أشباح ساحة الشهداء" عنوان كتاب يقدّم قراءة لأحداث عشناها ويستذكر أشخاصاً انتُزعوا من بيننا وصاروا أشباحاً فوق ساحة صنعوها وصنعتهم. و"أشباح ساحة الشهداء" عنوان لوضع بلدنا الراهن أيضاً. بلد يبدو في انتظاراته مسكوناً بالأشباح: أشباح مؤسسات، وأشباح تسويات، وأشباح صدامات، وأشباح عدالة، وأشباح ذكريات، وأشباح آمال نحاول عقدها في آخر السنة، بسذاجة ربما، على السنة المقبلة الفاتحة للعقد الجديد...
|