السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٢, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
تسامح في سورية أم تصالح ؟ - عادل يازجي
نحن السوريين اللامنتمين للحرب التي دارت رحاها في منتجعات بلادنا،ودهاليزها،وسراديبها،وحاراتها،وأزقّتها المكانية والمذهبية والعشائرية والعنصرية والسياسية،كُنّا نُعوِّلُ على عقلانية النأي بالنفس أن تشكِّلَ ارضية لرؤيةٍ تحاول بهدوء ان تتعرّف على منطق الحجج والدوافع التي أدّت لقيام الازمة،او بالاحرى العوامل التي حتّمت ضرورة قيامها،لإبراز الخلل في الارضية التي رفعت لواء العمل الميداني،ولم ترَ المآل السياسي المحتمل، في حال نجاحها اوفشلها،ومدى استعداد المجتمع الدولي إمّا لشرعنة حراكٍ مُنفلتٍ من قِيَمِه الاممية،او العودة عن فكرة التغيير الكلّي والاكتفاء برتوشٍ دستوري،وحتى هذا الرتوش لم ولن تُفرش الورود في طريقه،وهذه نتيجة شبه حتمية لأخطاء تقدير قوة الذات في مواجهة الآخر !

النأي ليس هرباً بل إعادة إعتبار لقوة الافكار في زمنٍ ليس زمنها،وشيطنةٍ ضيّعت الحقائق في سراديب الشكّ والاوهام، فالتحليل وجهة نظر،والتسريب يعتبر رسالة، والتصريح يُخفي ويُغطّي اكثر مما يُبدي ويُظهر،وبالتالي لم يعُد لخطاب العقل تأثيرٌ في دواخل الحشد البشري القلق،التائه الحائر في اختيار اصطفافه هنا او هناك،او النأيُ بالنفس ومايحمله من وصمة الحياد السلبي إذا فشل بِلَعِبِ دورٍ إيجابي في إطفاء الحرائق ؟

الآن اُطفئت الحرائق في السواد الاعظم من الارض السورية لضرورة إقليمية ودولية،وتمّ حصر ما تبقّى منها في الشمال، من أقصى غربه إلى أقصى شرقه،وبقاءُ إدلب إمارةً تركية بعُهدة الفقيه أردوغان،يُدخل الشكَّ بوجود جَمْرٍ تحت الرماد، ستُضرمه الدولة عاجلاً أم آجلاً،وبقية المساحات شرقاً قد تلتهب تحت مظلة التحالف الدولي باُمرة ترامب،ولا تُستثنى إيران وحتى روسيا من شيطنات استثمار خروقات تفتعلها هنا وهناك ؟

في ظِلِّ نجاح تهدئة خفض التصعيد،يُفترض بقوةِ الأفكار أن تزجّ بثقلها لضبط إيقاع الخطاب السياسي والثقافي والتربوي، سواء جاء به المجتمع الدولي،او الدب الروسي،بهدف الحدّ من قدرة المنتصرعلى سحق الفكرالذي لم ينتمِ إلى هذه الحرب ميدانياً،وتموضع فوق ارضية لم تُصنع في معامل التحريم والتحليل،ولا في معامل الانظمة المدجّنة بعظمة أميرها المعصوم،وتكتسب شرعية وجودها من رفضها الانتماء إلى لغة البنادق،بحثاً عن زمن تُحترم فيه الافكار التي تتفهّم القلق الانساني،وتؤثّر في مفاصل صنع الانسان (التربية والتعليم والتثقيف) ؟

الركب اللامنتمي الى هذه الحرب لم يقتنع منذ البداية بعفوية التظاهر،لكنه رحّب بسيرورة فكرة العفوية لما أضافته من إذكاء روح التمرد والمجابهة،واظنّها تركت بصمة لاتمّحي، وقد تتشكل منها خلايا نائمة لزمن ثقافي سياسي بديل ؟

الزمن الثقافي السوري الذي نادى في يوم من الايام:(ألا هبّوا واستفيقوا ايها العرب)لم تَمُتْ روحه المتمردة بل هاجرت تتسكع في شوارع العالم الثقافية والسياسية، بلواعج حنينها للمنزل الاول،الذي تحوّل في ذهنية الابداع إلى أطلال يقفون عليها في منافيهم عبر الشاشات،ودمع العين منهمرٌ،يتأملون ويبدعون،ويبحثون عن وطن غابت ملامحه،وامّحت حدوده، والصراع فيه لم يصل إلى محطته الاخيرة سواء في إدلب،أو في سوريا،أو في المشرق العربي كُله،وجواره الاقليمي !

جحافل النأي بالنفس حُرمت سهواًاو عمداً من الادلاء بدلوها في صِيَغِ التصالح والتسامح،ويُفترض أنّها الاقدر على ردم الفجوة الهائلة ليس فقط بين النظام والمعارضات فتلك فجوات سياسية تُعالَجُ إقليمياً وعالمياً،بل بين المكونات الديموغرافية داخل حدود سيطرة الدولة،سواء كانت حدود سايكس بيكو نفسها،أو طرأ عليها تعديل او تغيير مُتوافَقٌ عليه إقليمياً ودولياً ؟

فلسفتا التصالح و التسامح في أدبيات بسط سلطة الدولة (النظام)على أطياف المجتمع السوري،وإعادة المياه إلى مجاريها بين هذه الاطياف،كنّا نأمل أن تُقَوَّمَ في اليوم العالمي للتسامح،وقمته بدبي(15و16/11)فقراءة تجربة عملية بروح بحثية لاسياسية تغني هذا التوجّه الانساني الذي هدفت إليه قمة دبي،لان مصالحات مابعد التهدئة طُرِح خطابها بصيغة التسامح،بينما المعارضة تعتبرها بصيغة الإذعان،والتقويم البحثي المحض لهكذا تجربة إشكالية يُغني توجّهات القمة نظرياً وعملياً،ويقدم خدمة للشعب المنكوب ؟ التصالح منفرداً يكفي لفضّ الاشتباكات،لكنه لايدمل الجروح المعنوية داخل الانسان،والتسامح يوحي مدلوله بعدم التساوي بين طَرَفَيْه(المُتَسامِح،والمُتَسامَح)وكأن للطرف المُتسامِح حقّاً عند الطرف الآخر وتخلّى عنه تفضُّلاً وتكرّماً !هذه المعادلة يمكن قبولها على مضض إذا اعتبرنا الطرفين هما النظام والشعب،يسامح النظام شعبه،ويسامح الشعب نظامه،وكأنّ شيئاً لم يكن دون الدخول في تفاصيل التسامح،لكن المعادلة يختلّ توازنها بين الاطياف المذهبية،اوالعرقية،اوالعشائرية ، مايوحي بعدم التساوي في الحقوق بين أطراف التسامح، لاسيما اذا كانت بين أكثرية وأقلية،فهذه غير مقبولة قطعاً في موازين حقوق الانسان ؟ إذا قُبِل التصالح فذاك إجراء لوقف النزيف،أي لخدمة هدف أهمّ وأكبر،أمّا التسامح فلا يستقيم امره استراتيجياً ما لم يكن بين طرفين متساويين معنوياً لاعددياً،وكمية التسامح متساوية معنوياً ووزناً في الأخذ والعطاء بين الطرفين،فهل وُضعت للتسامح ارضية فكرية وسطية،تحقق التوازن المعنوي والاعتباري بين الاطراف المتسامحة ؟ومفهوم التسامح عملياً،وليس لغوياً،هوالتعدد الثقافي بمعناه الشمولي، وهو هدف حوار الثقافات،وحوارالاديان،لكن ردم الهوّة بين الاطراف اللامؤتلفة داخل هذه الدولة أو تلك،لايكفيه الحوار، بل الاهمّ منه هو توجيه المقاصد في السياسات التربوية والتعليمية والتثقيفية،لخدمة هذا المفهوم وترسيخ وجوده في حياة الفرد والمجتمع،وهذا مشوار طويل ينتهي بالتعددية إذا امتلك القدرة الفكرية،والجُرأة في طرح العقبات المتوارثة0

كاتب سوري.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة