الأثنين ٢٥ - ١١ - ٢٠٢٤
بيانات
التاريخ:
تشرين الثاني ٤, ٢٠١٨
المصدر:
جريدة الحياة
حين تكرّس الصورة الوعي الزائف عربياً - نديم الوزة
بعد اكتشاف المحاكاة البصرية للتعبير عن التفاعل الفني الفطري مع الطبيعة، وموجوداتها المؤثرة على وجود الإنسان، تحوّلت هذه المحاكاة إلى نوع من التقديس للصور والتماثيل. ومع أنّ هذه الصور تطورت إلى نوع من اللغة التداولية كما هي الحال في الكتابة الهيروغليفية، إلا أنّ معاملة الصور والتماثيل كأجساد حيّة وتقدّم لها الأضاحي والنذور، بقيت شائعة حتى ظهور الإسلام، الذي حرّم عبادة التماثيل بدوره، ويعرف الجميع حكاية تحطيم التماثيل من جانب الأنبياء قَبل الإسلام أيضاً. وربما يكون تحريم هذه العبادة منطقياً، أو عقلانياً باعتبار أنّ العقل السليم لا يقبل أن يعبد الإنسان التماثيل التي يصنعها بيديه ومن مواد أرضية. وفي المقابل، يبدو تحريم التصوير في حدّ ذاته مستغرباً، لأنّه يستمرّ في التعامل مع الصورة كشيء حيّ، وليس فناً من الفنون، أو محاكاة للواقع، أو المبالغة فيه، كما هي حال الصورة الشعرية.
صحيح أنّ الدول المستبدة مثل روسيا اللينينية وألمانيا الهتلرية، تعاملت مع صور الزعماء وتماثيلهم بقداسة. لكن هذا الشبه بقي نفسياً، ويجد معادله الموضوعي في شخصية إنسانية مثل ستالين مثلاً، ذات سمات قاسية، ومرعبة، وليس لها بعد ميتافيزيقي، أو لا تخضع للتفكير الأيديولوجي، واستمرّت الشخصية العربية والإسلامية بوجه عام في التعامل مع الصور والتماثيل من منطق المحرّم، . وربما قلّد مستشارو السلطات العربية والإسلامية نظراءهم في روسيا وألمانيا لنشر الاستبداد من خلال مفهوم الزعيم وصوره وتماثيله. أو ربما كانوا على دراية بهذا الوعي الاستيهامي للشخصية العربية والإسلامية، فأخذوا بإشاعة صور الزعماء وتماثيلهم ليظهروا في وعي الشعوب - غير العقلانية بموروثها عن عصر الانحطاط - ثابتين لا يمكن إزالتهم.
لا أريد أن أتحدّث عن المردود السلبي لنشر هذا النوع من الوعي على ضرورات التنمية البشرية التي تحتاجها الشعوب العربية والإسلامية، فهذا شيء قد لا تهتمّ به سلطات هذه الشعوب. وهي لن تعي خطورته إلا في اللحظات الحرجة حين يهدّد وجود هذه السلطات ذاتها. وأكتفي بما فعله «داعش» وأشباهه من تحطيم للتماثيل التي هي في نظر الأمم المتحضرّة إرث إنسانيّ تنبغي حمايته. ولكي أذكر أطرف ما حصل أثناء احتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق، وكيف استفادت من هذا الوعي الزائف حين جعل خبراء الجيش الأميركيّ من احتلال بغداد شيئاً محقّقاً بسقوط تمثال الرئيس وليس بسقوط الرئيس ذاته، ليحقّقوا صدمة مروّعة في وعي الجيش العراقي والموالين له آنذاك، وعلى ما بدا كان لهم ما أرادوا.
* كاتب سوري
الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك
اطبع الكود:
لا تستطيع ان تقرأه؟
جرب واحدا آخر
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة