| | التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | الغرفة 401 - جاد تابت | نظَّم معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع مؤسسة وستمنستر للديموقراطية حلقة نقاشية الأربعاء 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 حول كتاب "لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه: إنجازات ونشاطات 2000-2018". هنا نص مداخلة رئيس اتّحاد المهندسين اللبنانيين النقيب المعمار جاد تابت.
"أصحاب المعالي والسعادة، أيّها الحفل الكريم، أريد أولاً أن أشكر معهد عصام فارس والصديق العزيز الدكتور طارق متري على دعوتي هذه الليلة كما أشكر سعادة النائب السابق محمد قبّاني لثقته. إن وجودي بينكم اليوم هو شرف كبير لي وفي الحقيقة عندما أرسل لي طارق متري الكتاب واطّلعت عليه ذُهلت لغزارة العمل وكثافة الجهد الذي بُذل خلال 18 سنة.
لن أطيل الحديث عن إنجازات اللّجنة في مختلف القطاعات كما قال الوزير د. عادل حمية الذي تحدث بالتفصيل عن هذه الإنجازات. اسمحوا لي فقط أن أسرد بعض الأرقام:
- قطاع النفط والغاز: عبارة عن ثلاثة مشاريع قوانين، بينها قانوني الموارد البترولية وتحديد الحدود البحرية، سبعة اقتراحات مكمّلة لقانون تحديد الحدود البحرية وإحدى عشرة ورشة عمل وندوة.
- قطاع المياه: خمس عشرة توصية وسبع ورش عمل وندوات.
- قطاع النقل والسير: قانون السير الجديد ومشروع قانون النقل السريع وأربع وعشرين توصية وستّ ورش عمل ومؤتمرات والشرعة اللبنانيّة لحقوق المشاة.
- قطاع الكهرباء: قانون تنظيم قطاع الكهرباء وإحدى عشرة توصية وثلاث ورش عمل ومؤتمرات.
- إدارة مخاطر الكوارث: مشروع قانون لإنشاء هيئة إدارة الكوارث سبع توصيات وورشتا عمل، بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من جلسات عالجت أمورا مختلفة مثل مخطّط التوجيه العام لاستعمال الأراضي اللبنانية وقانون البناء ورؤية مستقبلة في قطاع الطرق والمياه والصرف الصحي وصدر عنها 38 توصية.
عمل جبّار، لكن سأكتفي بالتركيز على بعض المبادرات التي بنظري تُشكّل فعلاً مبادرات مميّزة إذ أنّها تتّسم بطابع حضاري ينقل لبنان إلى مستوى أكثر الدول تقدّماً.
المبادرة الأولى، هي الشرعة اللبنانية لحقوق المشاة في بلد يبدو فيه أن السيارات هي سيّدة الموقف، في بلد لا تُخطّط فيه المدن إلّا لتأمين مرور السيارات، في بلد يبدو فيه أنّ فتح طرق جديدة هو الهمّ الشاغل للبلديات والتنظيم المدني، تشكّل هذه الشرعة مبادرة حضاريّة بالغة الأهميّة مماثلة لما يجري اليوم في أكثر الدول تقدّماً. اسمحوا لي هنا أن أروي حادثة حصلت معي منذ بضع سنوات، حيث كان لدينا مشروع لتنظيم مسار تنقّل حضاري، وذهبنا والتقينا بأحد المحافظين (من دون ذكر الأسماء)، وطرحنا عليه فكرة توسيع ممّر المشاة للسماح لهم بالتنقّل بطريقة أسهل، وإدخال الدراجات وإلخ... فقال: لماذا؟ نحن نريد أن نوسّع شوارع السيارات، وممر المشاة لأكثر من سبعين سنتمتراً غير مفيد وهو أكثر من كافٍ! وهذا نموذج عن العقلية الموجودة في لبنان، لذلك هذه الشرعة تعتبر أساسية، وهي تقول أن للمشاة الحق في العيش في بيئة صحيّة وحريّة التمتّع بالساحات العامة، كما ولهم الحق في العيش في مراكز مدنية أو قروية مؤاتية لاحتياجات الإنسان وليس لحاجات المراكب الآلية، وللأولاد والمسنين والمعوقين الحق في التطلّع بأن تكون المدن أماكن للإتّصال الإجتماعي الميّسر، فضلاَ عن حقهم في وجود مناطق مخصّصة لهم متجانسة مع تنظيم المدينة الشمولي.
هذه الشرعة تُشكل ثورة حقيقية بالنسبة لفلسفة التنظيم المدني والتخطيط التي هي سائدة اليوم في لبنان. أمّا المحور الثاني، فهو النقل العام للركاب الذي يُعاني ضعفا بنيويا مزمنا سببه الإهمال وتقاعس الدولة وتفاقم الوضع بعد الحرب الأهلية لتُسيطر الفوضى الشاملة وطغيان السيارات الخاصّة مع كل المشاكل التي نتجت عنها من زحمة سير وتلوث وهدر في الوقت والطاقات.
مبادرة اللجنة مع البنك الدولي وجهات محلية أخرى مثل المديرية العامة للنقل إلخ... إلى طرح مشروع الباصات السريع "BET" التي تستعمل مسارات مستقلّة تعتبر مبادرة أساسية وذلك على الشريط الساحلي من بيروت الكبرى، ونتمنّى تحقيق هذا المشروع في وقت سريع، لأننا ننتظره منذ زمن طويل وهو حيوي بالنسبة لمستقبل مدينة بيروت الكبرى وكل الشريط الساحلي.
المحور الثالث، هو إدارة مخاطر الكوارث، الذي يُعتبر أساسي في لبنان، ولم يتم الإهتمام به حتى الآن بشكلٍ جدّي. كما ولبنان معرّض للهزات الأرضية، وحرائق الأحراج، والتغيير المناخي ونتائجه من فياضانات وغيرها. لذلك اقتراح القانون المقدّم من قبل رئيس اللجنة لإنشاء الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث، موضوع أساسي جداً، ويضع لبنان في مقدّمة البلدان المتقدّمة، وهو مُعلّق حتّى الآن. ولبنان ليس جاهزاً لمواجهة أي كارثة، لو حصل زلزال، نحن لسنا جاهزين له، ولا بد من مبادرة مثل التي طرحتها اللّجنة، فهي عمل حضاري يجب تطبيقه، لأنها تشكّل اليوم ثورة في مجال التخطيط في بلادنا.
المحور الرابع هو التنمية المستدامة والبيئة، حيث أن العالم دخل في عصر الثورة البيئية، وهي شبيهة بالثورة الصناعية التي غيّرت وجه العالم في القرن التاسع عشر، وسيكون لها تأثيرات شبيهة للأخيرة، ولبنان لا يزال قاصراً في مواجهة نتائج هذه الثورة، بالإضافة إلى العديد من التوصيات، الندوات، والمبادرات، أطلق رئيس اللّجنة البرلمانيّة محمد قباني عام 2009 نداء بيروت إلى قمّة كوبنهاغن من قلب مجلس النواب. إنّها مبادرة لها دلالة رمزيّة أساسيّة، إذ تدلّ على أنّ لبنان أصبح جزءاً من الجهد الذي يدور في العالم، والذي يقوم به المجتمع الدولي لمواجهة قضية تغيير المناخ والحفاظ على البيئة. هذا النداء يطلب من رؤساء وممثّلي دول العالم إقرار اتفاق طموح، وملزم للعمل على الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة في الكواكب وخفض الانبعاثات، والتوجّه نحو اعتماد مسار التنمية المستدامة، واقتصاد قليل الكربون. كما يٌركّز على ضرورة إعطاء الدول النامية، وبشكلٍ خاص، الدول الأكثر فقراً، الأولويّة في الحصول على المساعدات التي تسمح لها بالتكيّف مع نتائج الثورة البيئيّة.
سأنتهي بموضوع التنظيم المدني وقانون البيئة، وما لفت نظري هو أنّ اللّجنة النيابيّة اعتمدت في كل مواقفها مبدأ أولويّة التخطيط وتنظيم استعمالات الأراضي، ولم تنجرّ ولا لمرّة واحدة لضغوطات قد تأتي من تجّار البناء وأصحاب العقارات بل أكّدت دائماً على أولويّة المصلحة العامّة. وهذا درس أساسي، يجب أن تقتضي به اللجنة النيابيّة الجديدة.
أخيرًا، إنّ تجربة الغرفة 401 في الطابق الرابع من مكاتب النوّاب، كانت نموذجية خلال 18 سنة. وقرأت في الكتاب ان اللجنة عملت كفريق واحد رغم تعدّد الإتّجاهات والإنتماءات السياسيّة. وللأسف، لو سادت الروح في هذه الغرفة وانتقلت الى باقي اللّجان، والمؤسّسات الرسميّة، وإلى السلطة التنفيذيّة، كان يمكن أن يكون لبنان في وضع أفضل بكثير ممّا هو عليه الآن، وشكراً".
نقيب المهندسين | |
|