| | التاريخ: تشرين الأول ٢٧, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | الشعوب تخون أيضاً وتنسى آلام الضحايا - موسى برهومة | الذين شاهدوا السيارات المتوجهة من الأردن إلى سورية من خلال معبر نصيب/ جابر الحدودي بين البلدين، يغشى قلوبهم الأسى؛ فقد اصطفت طوابير طويلة من السيارات غالبيتها مدنيّة من أجل اجتياز المعبر الذي افتتح منتصف الشهر الجاري، والذهاب إلى حوانيت الشام من أجل التسوق وشراء البضائع، نظراً إلى فارق الأسعار بين البلدين، وتدني سعر صرف الليرة السورية مقابل الدينار الأردني.
أحد الأيام شهد عبور حوالى ألف أردني، مقابل 392 سورياً، وفق ما أفادت مصادر أمنية أردنية الخميس، الثامن عشر من الشهر الجاري، في حين التقطت كاميرات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لطوابير عدة لمتسوقين أردنيين ربما زادت أعدادهم في الأيام اللاحقة.
ولفت أحد المعلقين إلى أنّ السوريين في الأردن يترددون في العودة إلى «بلادهم»، وهم الذين تربطهم بها الوشائج العصية على الوصف، ويغمرهم الحنين إلى منازلهم، وياسمين نوافذهم، لكنّ قلة من الأردنيين تتناسى هذه الحيثيات، وتنحدر بالعيش إلى مستوى متدنٍ لا مكان فيه للمبادىء ومشاعر التضامن مع عذابات الضحايا، فتذهب إلى مشاطرة من تبقى في بلاده البضائعَ والكساء والغذاء، من أجل توفير بضعة دنانير.
مشهد يتحلّل من المسؤولية الأخلاقية في معاقبة طغمة طاغية حوّلت سورية إلى أطلال مهدمة ومحترقة يذهب بعض الأردنيين لالتقاط الصور بجانبها، وربما تحت التراب الذي يقفون عليه تئن عظام أطفال وشيوخ جرى إخفاؤهم في مقابر جماعية، لا يأبه بها ربما أؤلئك الذين يعودون إلى الأردن محمّلين بالمكدوس الشامي، وبعض الفواكه المجففة، وبضائع لا قيمة لها.
سورية الشعب، وليست سورية الأسد، كانت وستبقى رئة الأردن وامتداده الحيوي والجغرافي، وهذا أمر لا يتنازع فيه اثنان، ولكنّ المآل الذي أنهى به بشار الأسد وأعوانه من ميليشيات إيران وروسيا و»حزب الله»، وقطّاع الطرق والشراذمة المرتزقة من كل حدب وصوب، خنق ثورة السوريين الأحرار الذين هتفوا للحرية والعدالة، ودعوا إلى السلميّة، والمقاومة المدنية، قبل أن يعسكر النظام الثورة الأنقى في زمن الربيع العربي، ويضربها بمكره التاريخي وتوحشه الذي بلا حدود، فيفتح الحدود للجماعات الإرهابية من داعش وأخواته، ويسمّم روح الحراك الشعبي ويدميه.
هذه الوقائع يدركها الأردنيون جيداً، فلطالما ملأوا الميادين دفاعاً عن حرية سورية، ولطالما آووا وما زالوا السوريين، وقاسموهم لقمة الخبز، وسيبقون كذلك، رغم محاولة تكدير الصفاء من مجموعة خارجة على قواعد الوجدان الشعبي، ممن تحركهم آلات الشبيحة وبعض ماكينات اليسار الكسيح، والقومجيين المتثائبين، عشّاق البيانات المتيبّسة، الذين لا يستطيعون تحريك تظاهرة تضم أكثر من مئة شخص، وهو ما أثبتته الوقائع القريبة الماضية بجلاء!
العتب ليس على هؤلاء الميؤوس منهم، وغير القادرين على التأثير في مجرى الأحداث، ولكن العتب كله على الذين غلّبوا «مرطبان المكدوس» على مشاعر التضامن مع شعب يرفض أو يتردد في العودة إلى دياره، لأنّ فيها نظاماً لا يمكن الثقة فيه، ولأنّ فيها عصابات وميليشيات جاهزة لمضاعفة السوريين القتلى، والشروع في الانتقام والثأر وقطع الأعناق والألسنة، فهذه العصابة لا يُؤتمن جانبها، ولا تحوز أي شرعية. فبأي معنى ستكون عودة السوريين، ولأي غاية؟
إكراهات السياسة تفرض على الجانب الأردني أن يفتح معبر نصيب أمام الشاحنات والتجارة، حيث انخفضت صادرات الأردن إلى سورية بنسبة 82 في المئة وبلغت 7 ملايين دولار، مقابل نحو 238 مليون دولار عام 2010 قبل اندلاع الحرب في سورية، بحسب تقديرات مصادر رسمية أردنية تأمل بإنعاش الأحوال الاقتصادية في المملكة.
لكنّ الذي يثير الريبة والأسى هو السهولة في خيانة الألم السوري من مجموعة من «السياح والمتسوّقين» الأردنيين الذين اشتاقوا لاستنشاق الهواء السوري، ولا يدركون أنّ رائحة الجثث والحرائق والدمار والبراميل المتفجّرة ستزكم أنوفهم، وقلوبهم!
* كاتب وأكاديمي أردني
| |
|