التاريخ: تشرين الأول ٢٦, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
«السيادة» السوريّة... روسيّة وإيرانيّة - وليد شقير
كان طريفاً جداً إبلاغ وزير الخارجية السوري وليد المعلم موفد الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أول من أمس، بأن صوغ الدستور السوري الجديد «شأن سيادي بحت يقرره الشعب السوري بنفسه من دون أي تدخل خارجي يسعى من خلاله بعض الأطراف والدول الى فرض إرادته».

كان يمكن هذا الموقف أن يمر من دون تعليق لولا أنه جاء بالتزامن، (إذا لم يكن بعد لحظات) من استضافة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، ومساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري، للبحث في تشكيل لجنة صوغ الدستور. إذ إن الأخير أعلن بعد الاجتماع، أن «تشكيلة اللجنة وبرنامج عملها قد بلغا النتيجة اللازمة في المحادثات المطولة والمشاورات التي أُجريت بين الدول الثلاث الضامنة». بل إن أنصاري ذهب إلى حد المجاهرة بأن الدول الثلاث الضامنة لمسار آستانا «تسعى الى صيغة مناسبة لتعيين مندوبي المجتمع المدني السوري في اللجنة»، مشيراً إلى أن «ثلثي القضايا المتعلّقة بلجنة ​الدستور السوري​ الجديد أنجز».

والخلاف السابق على تلك المواقف كان يدور حول كيفية ضمان حصول النظام على أكثرية الثلثين في لجنة الدستور، من طريق التدخل في تعيين ممثلي أحد الأضلع الثلاثة في اللجنة: النظام ، المعارضة والمجتمع المدني. وإذا كانت موسكو نجحت في ضم الموالين لها، وللنظام، تحت خانة ممثلي المعارضة، وهو ما ضمن الأكثرية لمصلحتها في اللجنة، فإن دخولها وطهران على خط تعيين ممثلي المجتمع المدني هدف بالطبع إلى ضمان الحصول على أكثرية الثلثين لتأمين قيام دستور يكرس يحول دون تقليص صلاحيات الرئيس السوري لمصلحة الحكومة ويمنع إخضاع أجهزة الأمن لغير الرئاسة أو يلتف على ذلك عبر ابتداع صلاحيات تتيح تأثير الرئاسة على هذه الأجهزة.

ليس غريباً أن تسفّه دمشق الموفد الدولي الذاهب إلى التقاعد من مهمته التي دامت أكثر من اللزوم، على رغم أنه أمعن مع فريق العمل الذي واكبه، في مداراة النظام السوري ومسايرته في معظم الخطوات التي أقدم عليها في كل مراحل القضم العسكري التي نفذها الثالوث الروسي - الإيراني - الأسدي تحت عنوان «مناطق خفض التصعيد»، منذ تعيينه قبل نيف وأربع سنوات. كان على موسكو، على الأقل أن تحفظ له ماء الوجه، هي التي ساهمت بضغطها عليه وعلى الأمم المتحدة، في جرّه إلى أجندة حماية النظام وضمان بقائه، وإلى مسار آستانا، لإبعاده عن آلية تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 2254، وجوهره وقف اندفاعة النظام العسكرية الوحشية ضد المعارضة والسوريين، وإطلاق مرحلة الحكم الانتقالي.

أكثرية الثلثين في لجنة الدستور السوري هي بالتحديد حصة روسيا وإيران. والثلث الباقي بالكاد يمكن الضلع التركي في آستانا أن يضمن وجود معارضين حقيقيين فيه. فهموم أنقرة تتركز على هاجسها الأساس في الشمال السوري الآن وهو إنجاح اتفاقها مع واشنطن على تحييد السلاح الكردي في منبج عبر الدوريات المشتركة، والإفادة من تحسن علاقتها مع الأميركيين.

لا حراجة في أن يترك الوزير المعلم «الشأن السيادي» لموسكو وطهران وأنقرة في سياق المناورات التي تحتاجها الدول الثلاث في خضم علاقة كل منها مع أميركا، وقبل قمة فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. مسار آستانا كان في الأصل تسليماً من النظام بإدارة الثلاثي الصراع السوري وفق مقتضيات علاقة كل من دوله الثلاث مع الإدارة الأميركية. وأمام تفاقم صراع واشنطن مع موسكو على النفوذ الدولي والإقليمي، بعد تهيؤ الأولى للانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، بات التوافق على لجنة الدستور كتمهيد للحل السياسي السوري والمرحلة الانتقالية، في ذيل لائحة القضايا الخلافية من جهة، وإحدى أوراق بوتين والحرس الثوري لمصلحة كل منهما في هذا الصراع من جهة ثانية.

لا بد للمعلم، بحنكته، من أن يتفهم تجيير السيادة لحليفيه، خصوصاً أن النظام يمضي مع إيران في سياسة القضم والتغيير الديموغرافي السوري، وأن موسكو تترك القوات الإيرانية ترسخ تمددها في بلاد الشام، بما فيها المناطق التي كان اتفقت مع الأميركيين والإسلرائيليين على إبعادهم منها. والهدف الواضح هو العودة إلى التحكم بالحدود مع إسرائيل، ومحاصرة القوات الأميركية الممتدة من الحدود مع العراق، وصولاً إلى دير الزور ومناطق السيطرة الكردية، التي يجري التحرش بها بين الحين والآخر.

بينما القوى الكبرى منشغلة بـ»المشهد الاستراتيجي الجديد» كما وصفه جون بولتون بعد لقائه بوتين، قد تكون لهذه اللجنة أهميتها في تهريب تشكيلها وفق مصالح موسكو وطهران ودمشق.