| | التاريخ: تشرين الأول ٢٥, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | عبد المهدي إذ تُثنى له الوسادة - حميد الكفائي | ربما لم يحلم عادل عبد المهدي يوماً بأن «الوسادة» سوف «تُثنى» له بالطريقة التي حصلت في أيلول (سبتمبر) 2018. كان من دون شك يسعى إلى أن يكون أول رئيس وزراء عراقي منتخب عام 2006، لكن نائباً «مشؤوماً» صوت لإبراهيم الجعفري فرجح كفة الأخير بدلا منه. ولسوء حظ الجعفري، فإن ذلك «الفوز» كان وبالاً عليه، فقد عارض الجميع، عراقيين وأجانب، عودته إلى الحكم، فاضطرت القوى السياسية لأن «تتوافق» على شخص آخر هو نوري المالكي، الذي التصق بالكرسي التصاقاً عضوياً، على رغم الاستياء العارم من زعامته وسقوط ثلث العراق بأيدي الجماعات المسلحة، ما اضطر القوى الأخرى، بمن فيها قيادة حزبه، إلى اقتلاعه بطريقة مبتكرة، هي استحصال موافقة المرجع الديني علي السيستاني على استبداله.
وفي أيلول 2018، أجمع السياسيون ورعاة «الديموقراطية» الأجانب، والجيران الخائفون من نجاحها، والمرجعية الدينية الشيعية، على أن عبد المهدي هو المنقذ، فليس هناك غيره من ينقذ الموقف ويقنع الجميع بلياقته للمنصب، فسارت نحوه الزعامة الهوينا وهو جالس في بيته. ولكن، هل كان عبد المهدي حقاً فرحاً بها؟ لا أظن ذلك. رفضها ابتداءً لأن حالة التردي وصلت إلى درجة أن لا أحد يهمه النجاح مستعد لأن يترأس حكومة تدير الفوضى والتدهور والتنسيق بين المبليشيات!
قَبِل عبد المهدي التحدي، ليس طمعاً في قوة يستمدها من سلطة سيتولاها، أو دعماً يتلقاه من جارة متنفذة أو قوة عظمى «راعية»، بل لشعور بوجود فرصة تاريخية للتغيير، لأن جميع منافسيه استنفدوا قواهم في محاربة بعضهم بعضاً، بينما ضعفت الجارة بسبب مغامراتها الخارجية وترددت القوة العظمى لجهل مسؤوليها. الجميع ضعفاء، وعبد المهدي هو الأقوى بينهم. في إمكانه أن يطالب إيران من دون خوف بأن تحترم سيادة العراق وعدم تجاوز الخطوط الحمر التي رسمت بالدم، إذ أصبحت الاغتيالات وأعمال الاختطاف سائدة حتى ضد الفتيات العزلاوات مثل عارضة الأزياء المسكينة، تارة فارس، التي صدّقت بأن في العراق حرية وديموقراطية وقانون فجاءت إلى بغداد تلبية لرغبة معجبيها، فاسقبلتها العصابات في يوم وصولها برصاصات في الرأس خطفت حياتها في سن الثانية والعشرين، أو الناشطة المدنية البصرية، سعاد العلي، التي قُتلت غيلة لأنها احتجت وعارضت وطالبت بحياة مدنية في العراق. ولم يكتفِ القتلة بقتلها بل أرادوا اغتيال شرفها أيضاً، فروجوا أن زوجها قتلها «لأنها خانته». كيف لأمرأة بشرف سعاد العلي وشجاعتها أن تخون؟ إن كان هناك من خائن فهو الذي يستهدف امرأة محترمة مثلها. وسواء أدرك عبد المهدي ذلك أم لم يدركه، فإنه الآن أقوى زعيم عراقي منذ صدام حسين، لأن الجميع يحتاج إليه لتشكيل حكومة عراقية قادرة على ترتيب وضع العراق وإعادته إلى وضع «طبيعي» يمكن الحياة أن تدب فيه من جديد، أو في الأقل تؤجل حسم النزاعات المحلية والإقليمية والدولية إلى أجلٍ غير مسمى، أجلٍ تتمنى الأطراف المتنازعة أن يكون ملائماً لها كي تستعيد قواها لمنازلات جديدة حاسمة.
يمكن عادل، وهكذا يعجبه أن يُسمى، أن يأتي بمن يشاء ممن يثق فيهم كي يديروا الدولة، ويمكنه أيضاً أن يعيد ترتيب الكثير من المعادلات التي اعتقد البعض بأنها أصبحت راسخة، مثل حصر السلاح بيد الدولة، وهذه المهمة ستكون التحدي الأكبر له لأنها تعني تجريد الجماعات المسلحة من سلاحها ونفوذها. وفي إمكانه أن يجعل من محافظة البصرة «دبي العراق» خلال سني حكمه، أو يؤسس لهذا المشروع، وهي مؤهلة لأنها ثرية ومتحضرة تاريخياً، وسكانها مستعدون للاضطلاع بهذا الدور الريادي. وفي إمكانه أن يجعل بغداد بملايينها الثمانية، قلب العراق النابض ومدينته الأولى التي تتمتع بالأمن والحريات والحياة العصرية، وفي إمكانه أن يجعل كردستان، التي يتمتع بعلاقات تاريخية مع قادتها، الإقليم المثل لكل العراق. نعم، يمكنه أن يفعل ذلك وأكثر لأن الجميع يدرك أن لا خيار سواه حالياً.
لا أتوقع أن مجلس النواب سيتمرد عليه، لأن معظم أعضائه يدركون، أو عليهم أن يدركوا، أنهم إنما جاؤوا إلى الوجود بسبب عزوف الناخبين وجزعهم من عملية سياسية لم تأتِ إلا بالفساد والفقر وفقدان الأمن. عزف 55 في المئة من العراقيين عن التصويت في الانتخابات الماضية، وهذه إدانة دامغة للأحزاب الحالية، وفي الوقت ذاته فإنها ورقة يمكن عادل أن يستخدمها ضد من يضعون العصا في عجلته: «إنكم عدتم لتمثلوا الشعب العراقي بسبب عزوف العراقيين عن التصويت لسخطهم منكم، وعليكم أن «تضحّوا» من أجل أن أعيد لكم ثقة الشعب في نظامكم «الديموقراطي»، وفي خلاف ذلك فكل شيء في العراق سيكون في مهب الريح».
لدى الأحزاب العراقية رغبة جامحة في تولي إدارة وزارات ومؤسسات معينة، لأنها تريد أن تبقى ضمن اللعبة ولن تبقى من دون مصادر تمويل. في إمكان عادل أن يوكل بعض الوزارات الخدمية إلى الأحزاب كي تبرهن حقاً جدارتها وأهليتها للحكم، فإن فشلت عليه أن يكشف هذا للشعب كي ينبذ الأحزاب الفاشلة. وإن نجحت فهي تستحق البقاء وسوف يصوت لها الناخبون عن طيب خاطر. يمكنه أن يوكل إلى الأحزاب إدارة وزارات الكهرباء والبلديات والمياه والزراعة والمالية والخارجية والصحة والعمل والتجارة، لكن وزارات التربية والداخلية والدفاع والثقافة والتعليم العالي والشباب والعدل، يجب أن يديرها خبراء مستقلون متنورون كي يؤسسوا لدولة مدنية حقيقية تكون لكل المواطنين وليس للمنتمين إلى الأحزاب فقط. هذه الوزارات تتعلق بالحريات وتطبيق القانون وتشكيل الهوية الوطنية وصيانة الحقوق الأساسية، ولا يمكن الوثوق في الأحزاب الحالية بأن تديرها بالحيادية اللازمة.
سيحتاج عادل إلى مستشارين متمرسين في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية والثقافة والاقتصاد والمال والخدمات كي يتمكن من إحداث التغيير المطلوب. لكن أهم ما يجب أن يعرفه هو أن الشارع العراقي معه، كما كان مع حيدر العبادي عام 2015، وأن عليه ألا يقبل بأقل من حكومة فعالة تعيد الأمور إلى نصابها، وتوقف الفساد وتوفر الخدمات الأساسية والأمن والوظائف وتعيد للعراق استقراره. فإن شعر بأنه غير قادر على تشكيل حكومة فعالة، فعليه أن يعتذر ويوكل الأمر إلى الشعب.
* كاتب عراقي
| |
|