| | التاريخ: تشرين الأول ١٩, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | إرهاصات الجعفري - طوني فرنسيس | لم يكن لبنان أنجز تشكيل حكومته، ولا العراق تمكن من إنجاز ولادتها، عندما قرر إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي، إضافة بيروت إلى الزيارة التي قادته إلى دمشق بدعوة من نظيره السوري وليد المعلم، تلقاها قبل ساعات من تلبية تلك الدعوة.
ثلاث سنوات وثمانية اشهر مرت منذ آخر زيارة قام بها الجعفري إلى سورية (آذار 2015)، وكانت زيارته الأخيرة إلى بيروت في 21 كانون الثاني (يناير)2017، وقد تزامنت مع مجيء السيد مقتدى الصدر إلى العاصمة اللبنانية في ذروة اشتباكه السياسي مع نوري المالكي رئيس الوزراء السابق المدعوم من إيران. لم يعلن مسبقاً عن زيارة الرجلين ولم يعرف الهدف الفعلي من حضورهما المتزامن في بيروت، ووضعت لقاءات الجعفري الرسمية في إطار المجاملات البروتوكولية، فهو هنأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وبتشكيل الحكومة، في واجب قام به في حينه العديد من الزوار العرب والأجانب.
هذه المرة حضر الجعفري إلى دمشق وبيروت بوصفه وزير تصريف للأعمال، الحالة متشابهة بين لبنان والعراق، وفقط في سورية يبقى الوزير وزيراً حتى يتقرر مصيره لا منصبه. وحضوره بهذه الصفة يخفف من قيمة المداولات التي يجريها، لكن يخدم موقعه ودوره الذي يرسمه لنفسه في المسار اللاحق للتطورات العراقية. ويعزز هذا الانطباع القضايا التي جرى بحثها بين الضيف العراقي ومضيفيه السوريين واللبنانيين. ففي دمشق تكرر كلام عام عن خوض الجانبين المعركة ضد الإرهاب، وهو الكلام نفسه الذي قيل في 2015 مع اختلاف الظروف، وتحدث الجانبان عن فتح المعابر بين البلدين، من دون تحديد مواعيد وإجراءات عملية، فهما يعرفان العقبات التي تؤخر فتحها خصوصاً بين أبوكمال والقائم حيث ينشط بقايا «داعش»، والتنف حيث يتحرك عناصر المعارضة في حماية القاعدة الأميركية، والحسكة منطقة سيطرة الأكراد.
وفي بيروت بدت المطالبة العراقية بأموال مجمدة منذ عهد صدام حسين النقطة الأساسية الأكثر إثارة، وربما كان هذا الضمور في عناوين البحث العراق اللبناني المشترك وراء علم الكلام الذي لجأ اليه الجعفري في الحديث عن أهداف هبوطه في بيروت. أوجز الرجل مبتغاه بالقول: «المنطقة مقبلة على إرهاصات... أي على تحولات نوعية وحادة وبالغة التأثير. وعادة يأتي كل الخير من رحم الإرهاص الحاد... فتنطوي هذه الإرهاصات على الخير لأبناء المنطقة...».
على المرء أن يبحث وراء كلام الجعفري لمعرفة ما يسعى إليه. فالرجل الذي يقدم نفسه صديقاً لإيران ولأميركا ودول الخليج وروسيا، قام بإطلالته الضرورية عشية ولادة حكومة بلاده، وفي الجولة بين بغداد ودمشق وبيروت زاد يمكن تقاسمه مع محور الممانعة وحصيلة يمكن بحثها مع من يرغب. وهذه، ربما، زبدة السياسة في الزمن العربي الراهن. | |
|