| | التاريخ: تشرين الأول ١٩, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | ما بعد دي ميستورا... مرحلة الأسد - سميرة المسالمة | يبدأ المبعوث الأممي «الرابع» إلى سورية عنوان مرحلته بإنهاء الصراع العسكري رسمياً بين النظام والمعارضة، بقبول متبادل بين الطرفين، وبدء مرحلة الحل «السياسي» وفق خطة روسيا، التي تستعد لنقل ملفات جنيف إلى سوتشي، كمسار متتابع، تنفذ من خلاله خطة تسليم النظام ما تبقى من المناطق السورية الخارجة عن سلطته الأمنية والعسكرية، تحت مسميات التسويات المناطقية، التي بدأتها موسكو من مسار آستانة 2017، برعاية من طرفي الصراع الأساسيين (محور النظام روسيا وإيران، ومحور الفصائل المسلحة تحت رعاية تركيا) وصولاً إلى سوتشي1 (الحوار السوري- السوري).
وهذا يعني أن المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا بإعلانه استقالته نهاية الشهر القادم، ينهي مرحلة التمهيد الأممي لإعلان فشل جهود الأمم المتحدة في إلزام النظام السوري بالخضوع للقرارات الدولية، من بيان جنيف1 عام (2012) إلى القرار 2254 عام(2015)، والانتقال إلى مرحلة إلزام المعارضة بالتسوية الاستسلامية التي يديرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتصمت عنها الإدارة الأميركية، وتسوف لها الأمم المتحدة باختصار الحل السياسي بلجنة دستورية مرتهنة لمصلحة الدول المشكلة لها.
سجلت الأمم المتحدة عبر تتالي المبعوثين الأمميين الخاصين إلى سورية (كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي مستورا) مراحل تطور ملف الصراع في اتجاهين: أولهما الصراع في سورية وعليها، وثانيهما الصراع داخل أروقة الأمم المتحدة للهيمنة على قراراتها وتدجينها وتعدد قراءاتها حسب المصالح الدولية ورهاناتها على الملفات البينية بين الدول المتصارعة في الساحة السورية.
فمنذ بداية اندلاع الثورة، ومع كل تسمية جديدة لمبعوث خاص كان يمكن السوريين تلمس موقف الأمم المتحدة، ومدى جديتها في انهاء الصراع «مع أو ضد الثورة»، فحيث أبدت الأمم المتحدة عبر تدخلها الأول ( خطة كوفي عنان) رغبتها في قلب موازين القوى في سورية، والزام النظام بالامتثال إلى عملية سياسية شاملة، وتأطير الحراك على أنه ثورة شعبية، بمطالب سياسية وحقوقية، وفقاً للإرادة الأميركية المساندة آنذاك لفعاليات الثورة، إلا أنها في المرحلة الثانية بدت أكثر ميلاً للحلول «التهادنية» لمصلحة النظام من دون التسليم بانتصاره، لتمر إلى مرحلة التسليم بإرادة روسيا والصمت على عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي والمشاركة بها، والخضوع لإرادة الدول باستمرار الصراع حتى تحقيق مصالحها داخل سورية وخارجها.
فحيث رغب عنان ( 23 شباط/ فبراير -2 آب/ أغسطس 2012) في وضع حد للحرب التي أعلنها النظام على السوريين وأدت إلى حمل السلاح على الطرف المواجه له، وذلك من خلال التمسك بالنقاط الست (خطة عنان)، التي ركزت على الالتزام بالعملية السياسية الشاملة بقيادة السوريين، والالتزام بوقف جميع أعمال العنف المسلح، بما في ذلك وقف استخدام الأسلحة الثقيلة وسحب القوات، وإنهاء تحركات الجيش السوري باتجاه المدن، والافراج عن المعتقلين تعسفياً، وضمان حرية حركة الصحفيين، والاتفاق على حرية تكوين المؤسسات وحق التظاهر السلمي، كان خليفته الإبراهيمي (ايلول 2012-ايار 2014) يبشر السوريين أنهم ذاهبون إلى «صوملة سورية»، في حال لم يسيروا باتجاه وقف اطلاق النار (الذي فشل مراراً)، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات لم يستبعد منها «النظام»، وانتخابات برلمانية أو رئاسية، وهذا ما شجعته روسيا آنذاك، وهي لا تبتعد اليوم في حلولها المقترحة في سوتشي عن ذلك، مع تعديلات بسيطة تتمثل بأن تنهي اطلاق النار باستسلام الفصائل المسلحة، وتسليم سلاحها، وتحولها إلى شرطة روسية، أو انخراطها بجيش الأسد.
ومن جهة أخرى، لم يبتعد دي ميستورا (تموز/ يوليو 2014- تشرين الأول/ أكتوبر 2018) عن طروحات خطة الإبراهيمي، على رغم استصدار القرار 2254 والذي يحدد مراحل الحل السياسي، بدءاً من مرحلة بناء الثقة التي تتضمن عملياً ما جاء في خطة عنان 2012 عن وقف إطلاق النار وسحب الجيش إلى ثكناته وإطلاق سراح المعتقلين، والتي حولها دي ميستورا إلى «سلال تفاوضية» وهي أساساً وفق القرار الأممي فوق تفاوضية، بل تم تحييد الأمم المتحدة نهائياً في الحرب التي شنتها روسيا على حلب لاستعادتها إلى حكم النظام 2016، ولاحقاً قبل بمصادرة روسيا لمناقشة بنود إجراءات الثقة في مسارها «آستانة» المفتعل لتعطيل مسار جنيف، وفرغ جلّ وقته لإعادة هيكلة المعارضة السياسية، في الوقت الذي تعهدت فيه الدول الضامنة لاتفاقات خفض التصعيد بإعادة هيكلة الفصائل المسلحة وتفتيتها أو تجميعها بما يضمن مسار التسويات الدولية لهم.
وعلى ذلك فإن بدء مرحلة أممية جديدة من خلال مبعوث خاص يرضى عنه النظام ولا تضع موسكو أو الولايات المتحدة تحت اسمه ملاحظات تعيق استلامه المنصب يعني أن الأمم المتحدة تسير باتجاه الحل البيني الروسي الأميركي الذي مهدت له خطة «اللاورقة والوثائق الأميركية المسربة، وتصريحات المسؤولين بتأكيد أن الحل يبدأ من خروج إيران من سورية والمشهد السياسي في المنطقة، وهو يعتمد محاباة روسيا في استرجاع الأراضي السورية كاملة تحت سيطرة النظام، كشرط مسبق لتسويات سياسية، تتلخص بصياغة دستور بالتراضي بين أعضاء اللجنة من الطرفين (المعارضة والنظام)، واختصار كامل الصراع الممتد منذ 8 أعوام بتعديلات حكومية، وانتخابات برلمانية، ليس لدى «قيادات المعارضة» خطة واضحة لاكتساب مقاعدها، بعد أن تحولت المظاهرات الشعبية في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، من مساندة لها، إلى مطالبة برحيلها قبل النظام.
وضمن هذا السياق فإنه على رغم تحقق رغبة المعارضين للنظام في رحيل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عن مهمته في سورية، حيث لم تغب لافتات تتساوق في معناها مع «ارحل يا دي مستورا» عن المظاهرات الشعبية أيضاً، وهي في ذات الوقت كانت مطالبات المتحدثين باسم الكيانات المعارضة، في مراحل متعددة، وتحميله مسؤولية فشل إدارة ملف التفاوض، ليصبح كقميص عثمان حسب تصريحاته، مع، أو ضد، مصالح كيانات المعارضة، وتبرير أخطائها، إلا أنه لا بد من القول إن رحيل المبعوث في هذا التوقيت، ومع تنامي فرص موسكو بوضع يدها على كامل الملف السوري، يبعث على «القلق» الذي فقدناه مع رحيل عنان «رحمه الله» عن مهمته، فحيث التوافق المطلوب على اسم المبعوث الجديد يعني ضمنياً العودة إلى نقطة البداية، ليس في تنفيذ القرارات الدولية وإنما في قولبة المعارضة واستكمال مرحلة «أنسنتها مع النظام وإعلان انتصاره»، بما ينسجم مع مشروع المرحلة المقبلة، واستحقاقات التنازلات فيها لتمرير التسوية البينية الروسية الأميركية.
* كاتبة سورية
| |
|