|
|
التاريخ: تشرين الأول ١٦, ٢٠١٨ |
المصدر: جريدة النهار اللبنانية |
|
صورة المنطقة: التغيير إلى الوراء ليس بليداً - جهاد الزين |
محظوظون هم الصحافيون ورجال الدولة والأكاديميون المقيمون خارج منطقتنا، سَمِّها ما شئت، الذين سيتعاملون معها في المرحلة المقبلة.
فقد أظهرت التحولات بعد موت آخر خرافات "الربيع العربي"، وهو مات أصلا قبل ذلك، أن موجة التغيير إلى الوراء التي عادت تجتاح منطقتنا هي موجة على درجة عالية من الديناميكية والتجدد. ولهذا فإن وجود هذه الفئات من صنّاع القرار والصحافيين والأكاديميين خارج الشرق الأوسط يتيح لهم فرصاً من الاستفادة الفكرية السياسية والمعلوماتية يمكنهم توظيفها ودرسها بحرية كبيرة خلافا لغير المحظوظين الذين نستطيع تعريفهم بأنهم النخب المقيمة داخل هذه المنطقة.
في مرحلة "موت المجتمعات" التي يدخلها التغيير الهائل في الشرق الأوسط، الموت الذي يستثني المجتمع الإسرائيلي، والنخب الشرق أوسطية الهاربة إلى الغرب من أميركا حتى جنوب الباسيفيكي الأسترالي والنيوزيلاندي مرورا بأوروبا طبعا، تكشف مجتمعاتُنا المتداعيةُ عن المزيد من عناصر الغنى الثقافي والاقتصادي والسياسي والبيئي في الهوة العميقة المتواصلة التي تعيش فيها.
إنها جاذبية الاحتضار في طورها الجديد الذي يكشف عن عمقها التاريخي واتساعها إلى حد أنه يمكن اعتباره "ثورة احتضارية" لبنى المنطقة بعد قرنين من العلاقة مع الحداثة.
لكن الذي يموت عمليا حاليا في الشرق الأوسط، وبصورة مكثّفة هو السياسة كما ورثناها من الغرب الاستعماري الذي جاءنا بموجة التقدم الأولى ثم الثانية فالثالثة من تأسيس الكيانات إلى استقلالها إلى "إصلاحها" خلال القرن المنصرم.
كل حقبة لها أفكارها التغييرية التي تبنّتْها نخبُ المنطقة وتصارعت عليها حتى الموجة الأخيرة الكبيرة واليتيمة والقليلة العمر وهي "الربيع العربي" الذي هو صناعة غربية رائعة من الانترنت على يد شباب المدن العربية والشرق أوسطية تتفاعل معها نخبويا واقتصاديا فسياسيا فئات اجتماعية تجرّب حظها قبل قرار هجرتها إلى الغرب.
بهذا المعنى الموجة الحالية التغييرية إلى الوراء في الشرق الأوسط هي موجة الموت الإصلاحي، موت الإصلاح حتى لو استمر هذا الوهم حيوياً بين نخب الطبقات الوسطى وبعض متنوري رجال الأعمال وربما قلة من رجال الحكم، وخبيثاً على لسان سياسيين ورجال دولة يعرفون أن لا مستقبل له.
"موت المجتمعات" أم موت الإصلاح السياسي؟ أم كلاهما معا؟ ما الذي يميِّز المرحلة الاحتضارية العربية والمسلمة والشرق أوسطية الحالية؟
أعرف أن هذا النوع من التقييم الراديكالي لتدهور أوضاع المنطقة التي صار إسمها اليوم على لسان أي مقدم برامج في أي إذاعة أو تلفزيون غربي: "منطقة خطرة متفجرة"، لا يلائم ما تبقى من معايير الكلام "الصحيح سياسيا" أي الذي لا يستطيع أن يقبل فكرة موت الإصلاح حتى لو كانت صحيحة ولا طبعا فكرة موت ما لمجتمعاتنا. ولكن لا بد من أن أضيف صفة ثالثة مؤكدة هي أنها منطقة يائسة بين نمط وحشي من الإسلام السياسي ونمط وحشي من انهيار بيئي واقتصادي وديموقراطي (باعتبار اللاديموقراطية بيئة) في مجتمعات فلتان التزايد السكاني.
عندما تستفيق صباحا على اغتيال أو مجزرة سياسيين، لتمييزهما عن المجازر الطبيعية، في بلد شرق أوسطي ما، وتقرأ الصحافة الغربية باعتبارها مرجعك للتقييم المعياري السياسي لسلوكيات الحكم ستتأكد مجددا أنه لا قضية في منطقتنا، أكانت فكرية أو سياسية أو حياتية لها شرعية وقيمة الاعتراف بها إذا لم تكن لها مساحة على صفحات الصحف الغربية.
أكاد أقول لا يموت السياسي أو الصحافي أو الاقتصادي في الشرق الأوسط إذا لم يمت على صفحة في صحيفة غربية، أميركية أو أوروبية. |
|