التاريخ: تشرين الأول ١٦, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لعبة الشطرنج السورية - ناصيف حتي
إن الناظر إلى الأزمة المأساة السورية المستمرة منذ سنوات سبع ونيف، لا بد أن يصاب بالدوار بسبب شدة التعقيدات في المشهد السوري من حيث تقاطع وتصادم المصالح بين مختلف اللاعبين الدوليين والاقليميين في مسرح المواجهة الإستراتيجي الأهم في الشرق الأوسط، تفاهمات بالقطعة في قضية أو في حيز جغرافي معين من "المسرح الإستراتيجي السوري" مقابل خلافات ولو محاصرة في أماكن أو قضايا أخرى.

في الجنوب الغربي كان هناك تفاهم واضح روسي إسرائيلي أميركي مع تأييد عربي لأن يعود الوضع في الجولان كما كان منذ فك الإرتباط بين سوريا واسرائيل عام 1974 وحتى حدوث الإنفجار السوري عام 2011، إمساك السلطات السورية بالوضع مع ضمانات روسية سياسية وعلى الأرض أيضاً وابعاد إيران وحلفائها بحدود المائة كلم عن الجبهة:

إتفاق على منع إيران وحلفائها من الإمساك بورقة إستراتيجية جد هامة في إطار النزاع العربي الإسرائيلي بشكل خاص والمشرق العربي بشكل عام يعزز موقع إيران ووزنها ودورها في تلك المنطقة. مقابل ذلك وجهت روسيا رسالة حازمة وواضحة إلى إسرائيل بأن هناك خطوطاً حمراً أمام الطيران الحربي الإسرائيلي في الأجواء السورية في إطار المواجهة مع إيران وحلفائها: عنوان الرسالة تقديم منظومة صاروخية "س 300" إلى السلطات السورية ولو بقيت بالطبع تحت إشراف موسكو لاحتواء أي تصعيد ممكن عند الضرورة. محاولة إضعاف إيران حالياً بهدف اخراجها من سوريا رغم شبه استحالة تحقيق ذلك، ليس في مصلحة موسكو في هذه الفترة، دون إستبعاد حصول خلاف مستقبلي عندما يحين وقت الإنطلاق الفعلي لعملية التسوية السياسية وبالتالي لحظة تقاسم الجبنة السورية بين رؤيتين مختلفتين لتركيبة السلطة مستقبلاً ولدور سوريا أو وظيفتها الإقليمية.

في الشمال الغربي إستقر تفاهم روسي تركي مع تأييد إيران، الطرف الثالث في مسار استانة الذي أخذ يستقر بالفعل كبديل من مسار جنيف لإدارة الأزمة السورية وتسويتها.

عنوان هذا التفاهم فك الإرتباط في ادلب آخر مسارح القتال الرئيسية في سوريا وإخراج السلاح الثقيل والتخلص من التنظيمات الإرهابية فيما تبقى تنظيمات المعارضة المسلحة تحت إشراف تركيا. بالطبع يبقى التحدي في كيفية تنفيذ بنود هذا الإتفاق غير السهل في عناصره، وقد يكون هذا التفاهم الروسي التركي قدأجل بعض الوقت حرب ادلب التي إذا ما حصلت ستكون لها تداعيات خطيرة سياسياً وأمنياً وأنسانياً حسب الكثافة السكانية ووجود أكثر من مليون نازح في هذه المنطقة. حرب إستعادة ادلب ترفع عنوانها السلطات السورية ومعها إيران ويمنع انطلاقها الموقف الروسي حالياً. في شرق الفرات يقف ثلاثي أستانا وكل من أعضائه له أولاوياته ضد الدور الأميركي في منطقة الغاز والنفط وعلى البوابة الإيرانية الرئيسية عبر العراق نحو سوريا والبحر الأبيض المتوسط. واشنطن تلعب الورقة الكردية بالطبع تحت سقف معين هادفة بشكل أساسي إلى محاولة إقفال هذه البوابة.

عنوان أخر في لعبة الشطرنج السورية يتمثل في إنشاء اللجنة الدستورية الأكثر من أساسية لاطلاق عملية الحل السياسي المنشود والخلاف الروسي التركي قائم في شأن أوزان التمثيل وطبيعته في الأضلع الثلاثة (النظام، المعارضة والمجتمع المدني) للجنة، فيما يبقى الخلاف الأساسي حول المعايير والضمانات المطلوبة لإطلاق المسار الدستوري ومواكبته ومن ثم آليات وضمانات تنفيذ نتائجه، مع ما يعرف بالمجموعة المصغرة، الغربية العربية، المناهضة للنظام السوري.

ثم تأتي مسألة عودة النازحين/ اللاجئين وتحاول موسكو عبر مبادرتها في هذا الخصوص وهي المبادرة الوحيدة القائمة على الصعيد الدولي. المبادرة التي تتقاطع بقوة مع مصالح الدول المضيفة وخصوصاً لبنان الذي ينوء تحت عبء هذا الملف إنسانياً وأمنيا ووطنياً، تحاول إحداث فك إرتباط بين العودة والحل السياسي. وربط تمويل إعادة البناء والتأهيل بالعودة وهو ما ترفضه بشدة المجموعة المصغرة التي ستكون الرافد الرئيسي للتمويل وتعتبر هذه المجموعة أن العودة الطوعية وكذلك التمويل مرتبطان كلياً بتحقيق الحل السياسي الشامل.

انها لعبة الشطرنج السورية بين الكبار، يدفع ثمنها السوريون بشكل أساسي ثم دول الجوار إلى أن يتم التفاهم الشامل بين الكبار الدوليين والاقليميين، والذي يبدو صعباً حالياً ولو أنه غير مستحيل على المدى البعيد في ظل الصدام الأميركي العربي مع إيران، التفاهم على الخطوط العامة للتسوية الشاملة في سوريا وعلى خريطة طريق للحل يتولاها ويوفر الضمانات الضرورية لها الكبار أنفسهم للمضي في تنفيذ هذه التسوية عندما يقتنع الجميع بأهميتها على حساب إستمرار الصراع على خطفها والتفرد بها وهو أمر مستحيل.