| | التاريخ: تشرين الأول ٧, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | منصة لتكريم المنتصر - مشرق عباس | بدا السؤال ملحاً خلال الأيام الماضية في شأن العاصمة التي انتصرت في سباق اختيار الرؤساء الثلاثة في العراق، هل بالفعل فرضت طهران حلفاءها في قصور الرئاسة ببغداد؟ أم أن واشنطن كسبت ختام لعبة الروليت العراقي وشكلت حكومة تتفق مع توجهاتها؟.
وهذا النوع من الجدل على رغم أصوله التي تمتد إلى عام 2003، فإنه أصبح أخيراً أكثر وضوحاً وحساسية مع تفاقم الأزمة بين العاصمتين، وتوجه واشنطن إلى فرض المزيد من العقوبات على طهران، بما وضع بغداد أمام اختبار حقيقي للمصالح الوطنية، وفيما إذا كانت ستتحول إلى أداة لتنفيذ العقوبات، أو أداة لإحباطها وإفشال أغراضها.
وأصبح الجدل محرجاً للجميع، عندما اعتبرت إيران أن فوز رئيس البرلمان العراقي الحالي محمد الحلبوسي بمنصبه يمثل «صفعة لأميركا!»، وهو الافتراض الذي على أساسه تمت إعادة صوغ معادلات الربح والخسارة، من دون معاينة الحقائق على الأرض لا على صفحات الجرائد والتسريبات الإعلامية.
والواقع أن لا الحلبوسي كشاب قادم من الفلوجة يمكن عده حليفاً تقليدياً لإيران، ولا منافسيه يمكن اعتبارهم حلفاء لأميركا، لكن هذا المعيار جاء استناداً إلى تحالف الكتلة السياسية التي رشحته «المحور»، مع الطرف الشيعي الأكثر قرباً من إيران (البناء- الفتح مع دولة القانون)، وهو الأمر الذي سيتخذ طابعاً مربكاً بإضافة «الحزب الديموقراطي الكردستاني» المعروف بعلاقاته الوطيدة مع واشنطن، إلى التحالف الذي منح الحلبوسي أصواته.
الإرباك، بلغ ذروته في لحظة انتخاب برهم صالح عن «الاتحاد الوطني الكردستاني» وهو الحزب المعروف بعلاقاته التاريخية مع إيران، رئيساً للجمهورية، وفشل مرشح «الديموقراطي»، الذي شيدت الولايات المتحدة على أرض مدينة أربيل، معقله التقليدي، أكبر قنصلية أميركية في الشرق الأوسط، فؤاد حسين في نيل المنصب، فلم يكن من المعقول أن حزب بارزاني، الذي عقد صفقة مع حلفاء إيران المفترضين في رئاسة البرلمان، سينال دعماً أميركياً لنيل المنصب!، كما لم يكن منطقياً أن برهم صالح المعروف بتوجهاته الليبرالية وصداقاته الغربية، والذي نال دعم تحالف «الإصلاح» (الصدر والحكيم والعبادي) سينال دعماً إيرانياً!.
ولأن المعايير قد انفرطت وتداخلت في لحظة انتخاب رئيس الجمهورية، فإن اختيار عادل عبد المهدي كرئيس وزراء مكلف، دفع بنظام التأويل الثنائي (الإيراني– الأميركي) إلى أقصى مراحل إحراجه، فكيف يمكن أن يكون الرجل مرشحاً عن «البناء» و «الإصلاح» معاً، وباستخدام المقاربات المشكوك بصدقيتها يصبح السؤال: كيف يمكن أن يكون مرشحاً لطهران وواشنطن معاً؟.
وبملاحظة تعليقات سابقة بهذا الشأن، فإن إيران لم تكن ترغب أبداً بحكومة عراقية محسوبة على حلفائها، وإن التهليل الإيراني لاختيار رئيس البرلمان، لم يكن إعلان نصر، بقدر ما كان ارتباكاً حقيقياً في صلب السياسة الإيرانية تجاه بغداد، التي على رغم كل نواقص حكامها، وتاريخ استسلامهم لفرضية كلية القدرة الإيرانية، قد أصبحت عملياً لاعباً أو تحاول أن تفعل، وأن الخيارات الإيرانية لم تعد حاسمة، ليس بسبب التداخل الأميركي الصريح، بل لأن نمط خيارات عراقية بدأ يتخذ طابعاً صريحاً.
قد نكتشف أن الحلبوسي على سبيل المقاربة، أكثر انسجاماً مع واشنطن من طهران، وقد يكون انتخابه بلا عائد حقيقي لأي طرف، أو أنه كان بداية صفقة لم تكتمل، وقد يكون انتخاب برهم صالح لحظة تمرد للنواب العراقيين على صفقات زعماء كتلهم، وعلى واشنطن وطهران معاً، ويمكن في هذا الصدد تعريف عادل عبد المهدي، بأنه خيار الاضطرار السياسي داخلياً وخارجياً، أمام موجه احتجاج شعبية متصاعدة، وشروط قاسية وضعها السيستاني لمعايير رئيس الحكومة.
لن تنتظر طهران من الرؤساء الثلاثة أكثر من محاولة إقناع أميركا باستثناء بغداد من ترتيبات العقوبات، ولن تجازف بدفع الحكومة العراقية للانتحار أمام المذبح الإيراني، ليس من باب الغرام السياسي، بل لأنها ستصطدم برفض أقرب حلفائها لهذا الخيار، ولن ترغب واشنطن بأكثر من حكومة عراقية مستعدة لتطبيق العقوبات، مع الوعد باستثناءات تقابلها المزيد من الإجراءات للحد من نشاط المسلحين، وربما للمرة الأولى لن تنصب في العراق منصة لتكريم العاصمة المنتصرة بتشكيل حكومة بغداد. | |
|