| | التاريخ: تشرين الأول ١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | سورية قبل إدلب وبعدها ؟ - عادل يازجي | استطاعت التهدئة إعادة الروح إلى الشارع السوري، تقلّصت فيه الحواجز الأمنية، أزيلت منه المتاريس والكتل الاسمنتية، حذفت من التداول فيه الجراح النازفة، لعلها تندمل بمرور الزمن، وربما بعلاج المصالحات الروسية والسورية!
عادت الروح إلى الشارع العام، أمّا الشارع السياسي فلم تكن فيه حياة حقيقية لتعود الروح إليها. حاول النظام في بداية الأزمة تطعيم سلطته بنكهةٍ ديموقراطية لسد الذرائع، يُسَيِّسُ فيها معارضةً له تحت عباءته الأمنية. وهذا ما حدث فعلياً، فالأحزاب الجديدة جميعها لا تقدم نفسَها إلاّ معارضة، يُسوِّقها في مؤازرة موسكو لدى المجتمع الدولي لإضعاف المعارضة الخارجية وتشتيتها. وعين هذه الأحزاب ترصد وتترقب ليس خرقاً سياسياً بتأثير الضغوط الدولية، بل استمرار التهدئة كما هي حالياً، ومن ثمّ اعتمادها حلاًّ سياسياً تقدم هذه الأحزاب نفسها لحمل راية المعارضة فيه، وكل تأخير في حسم انفراد النظام بالحل يقلقها، ويقضُّ مضاجعها.
مشكلة إدلب لا تُناقَشُ في أدبيات الأحزاب المحلية إلاّ بلغة النظام في القضاء على الإرهاب، وقلقها ليس فقط من طول الانتظار، بل من الصراع الخفي بين من يَستظِلّ بعباءة النظام ومن يستظلّ بعباءة موسكو، وكل طرف منهما يقلقه اتّساع نفوذ غريمه. فحبال الود لم تُقطع بين النظام ومنصتي موسكو والقاهرة، وفي الداخل تمتد حبال الود بين الأحزاب الجديدة المرعية أمنياً وموسكو وحميميم. هذه الحبال قد تُشوش مرحلة ما بعد التهدئة، التي يسعى المجتمع الدولي لتكون تنفيذاً لقراره «2254» ويملك من وسائل الضغط رفض المشاركة بإعادة الإعمار، والتهديد والوعيد أوروبياً وأميركياً. وما العودة إلى اللجنة الدستورية في ظلِّ التهدئة أثناء استفحال الخطر في إدلب، إلاّ محاولة لنزع فتيل الانفجار بوعود دستورية تحترم الرغبة الأممية في تخفيف هيمنة النظام على مرحلة ما بعد الحسم الميداني، استجابة للضغوط العربية والدولية. الصراع على اللجنة الدستورية تشكيلاً وهويّةً وورقةَ عملٍ، لم يُحسم خلال الأشهُر الثمانية الماضية، ويتفاءل دي ميستورا بحسم تشكيلها قبل نهاية العام الحالي، وقد أمسك بطرف الخيط، في اجتماعه بوفود الدول الضامنة، وبعده مباشرة بمجموعة الدول المصغرة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، السعودية، الأردن، مصر، ألمانيا). وحتى لو تشكلت، يصعب التنبُّؤ بنجاحها، فالشروخ كبيرة ليس فقط بين النظام ومعارضيه، بل بين امتدادات الجهتين عربياً وإقليمياً، إضافة إلى استفحال الاستفزاز الملتبس بين واشنطن وموسكو، وانعدام تأثير المجتمع الدولي على شطحاتهما.
قمة طهران (7/9/2018) كلفت خبراء دولها في الخارجية والدفاع والقوى الأمنية، بوضع الخريطة التي وقعها وزيرا الدفاع الروسي والتركي في قمة سوتشي الأخيرة بين بوتين وأردوغان، وهي اتفاقية للفصل الميداني بين طرفي النزاع. أمّا الجانب السياسي فيها فلم يرشح عنه ما يشكل أرضية لقراءة خطوطه العريضة، والتسريبات مُختَلَفٌ عليها تفسيراً وتأويلاً بين الموالاة والمعارضات، وأغلب الظن أن الحسم السياسي تُرِك لحراك دولي أوسع، لن يُهمل طالما هناك استعراض للعضلات العسكرية بين الثنائية القطبية.
على كل حال، نجحت قمة سوتشي في فصل القوات، وإبعاد هيئة تحرير الشام من إدلب، ربما إلى مرمى النيران السورية والروسية في البادية الشامية، أو إلى الأحضان القطرية الإيرانية في مكانٍ ما، وهذا يسهّل تقبُّلَ الدول الضامنة ما يتبقى داخل إدلب معتدلاً لا متطرفاً، لكن النظام أعلن احترامه الاتفاق، وأردفه بلغة التأهب لإعادة إدلب الى أحضانه!
لا شكّ في أنّ نجاح الحسم الميداني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، قرار عربي إقليمي دولي، نفذه النظام وموسكو ولم يُعلن عن الثمن الذي دُفع، أو يُدفع للموقّعين عليه خطياً أو شفهياً، أو بغض الطرف، أو بقطع طرق إمداد الفصائل المعارضة المتطرفة. وأغلب الظن أن الثمن بقي قيد التداول في الاستثمار السياسي والمصادرات، ولن يُدفع إلاّ بالتقسيط، فأجواء الاستنزاف الميداني ما زالت قيد التداول.
اللجنة الدستورية يحاول المبعوث الدولي تشذيبها، وتطعيمها بجرعة أممية تسد الرمق الأوروبي وتنفّس احتقانه، بينما يقرع النظام طبول الانتصار الميداني والسياسي معتبراً أو مفسِّراً أو مؤوِّلاً ما تم حتى الآن بأنه يشكّل قصفاً تمهيدياً لتعويم التهدئة. أمّا الحل السياسي، ولجنة الدستور، وشطحات دي ميستورا، فالنظام وموسكو يقفان لها بالمرصاد ومن ثَمَّ فساعةُ الصفر السياسية لن تُنيخَ رِكابَها إلاّ باستنزاف سياسي وميداني قد يكون طويل الأمد، وربما احتاج إلى جهود داعشية داعمة!
ما من خطوة في معركة الحل السياسي على الطريقة الأممية الدستورية، إلاّ وتحتاج إلى منتديات ومؤتمرات، وضغوطات سياسية وميدانية، لكن التوافق على ورقة عمل لجنة الدستور إذا تمّ، فإنه يوحي بإمكان فبركة «خطة» لحل سياسي يحترمه النظام والحلف الثلاثي الضامن، لفرملة الشطط الأممي في لعبة التغيير أو التعديل الدستوري. مشاغل النظام هذه تُلهيه عن الالتفات إلى الأفواه الحزبية المفتوحة في الداخل، تنتظر دعوته إلى المائدة، وجميع أمنائها العامّين يتنقلون اختيالاً بين المقاهي السياسية والمرجعيات الأمنية، لعل «الرتوش» السياسي ينطلق قبل أيّ تغييرات تشمل الداعمين، فتضيع جهودهم (المعارِضة) هباء منثوراً، لذلك يدأب هؤلاء على مدّ حبال الولاء إلى الجيل الصاعد بالمواقع السياسية والأمنية، في جوٍّ ملبدٍ بصراع النفوذ داخلياً بين طهران وموسكو!
المشهد الدولي حول سورية وهي تحاط بالأساطيل البرية والبحرية والجوية، وارتفاع وتائر التأهب، بما فيها إسقاط الطائرة الروسية، حوافز للحسم السياسي، وليس الميداني، وهذا مُتَوَقَّعٌ عملياً، لكن الحل السياسي طالما هو متعثّر فلن يُرفعَ الحسمُ الميدانيُّ من التداول مهما قلّت نسبة احتماله، وأغلب الظن أن حرب المصادرات لن تتخلّى عن الاستنزاف الميداني، على شاكلة حروب الاستنزاف العربية التي لا تنتهي إلاّ بانتصار الجميع، وهذه حال الحل السياسي المطروح أُمَمياً والمتعثّر واقعياً! | |
|