التاريخ: أيلول ٢١, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
التعذيب الممنهج في حرب الجزائر - رافاييل برانش
على خلاف أسلافه، أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بلجوء الجيش الفرنسي الى التعذيب منذ بدء حرب الجزائر، وبأن التعذيب كان محورياً في أجهزة القمع. ولم يعد في الإمكان نفي طابعه المنتظم والمنهجي: فهو كان من ترسانة العسكر المكلفين شن حرب غير مسبوقة على شعب لا يعرفون عنه الكثير. والرئيس الفرنسي يقر بما أقره البحث التاريخي منذ زمن: على رغم طابعه غير المشروع، تُوسل بالتعذيب في الجزائر على نطاق واسع، وكان التعذيب ركن النظام القمعي الرامي الى الفوز بالحرب. وكان المدنيون أبرز المستهدفين بالتعذيب. وبدا أن فوز فرنسا مرتبط بالتعذيب، ولم تكن الغاية من الحرب الفوز بالأرض والإمساك بها بل حفظ الجزائر الفرنسية والإبقاء عليها مع الجزائريين. ومن جهة، سعت السياسة الفرنسية الى إرساء إصلاحات في الجزائر الفرنسية (استثمارات أكبر في وسط الجزائريين)، وإبعاد الجزائريين عن مؤيدي الاستقلال من طريق التعذيب، من جهة أخرى. وكان في وسع ماكرون أن يقصر إقراره بالتعذيب على حالة موريس أودان، الجامعي الفرنسي المناضل في الحزب الشيوعي الذي فقد أثره وقضى تحت التعذيب.
فهذا الشاب هو رمز ضحايا التعذيب كلهم في حرب الجزائر، فهو قضى في سياق أوسع ينتمي إليه ضحايا التعذيب كلهم. فالحملة الفرنسية لم تميز بين المتهمين المذنبين وبين المعتقلين خارج النظم القضائية. والإقرار بما أصاب موريس أودان، هو إقرار بحقيقة النظام القمعي الذي أُرسي في تلك المرحلة ولا يزال مكرساً في الجمهورية الخامسة.

وبعد أكثر من خمسين عاماً على انتهاء حرب الجزائر، تعترف الدولة الفرنسية بأنها انتهكت حقوق الإنسان والقيم التي كانت ترفع لواءها. وتقر بأن الجرائم ارتكبت نزولاً على أوامرها، وأنها تستّرت على كل أعمال العنف غير المشروع. ومنح عفو عام للقوات التي اقترفت هذه الأعمال. ولا شك في أن ماكرون لم يطو العفو العام، لكنه يطوي ما بدا حينها أنه مسوغه: ضرورة نسيان ما جرى.

* مؤرخة، عن «لو موند» الفرنسية، 13/9/2018، إعداد منال نحاس.