التاريخ: أيلول ٢٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
اتفاقات كمب ديفيد وأوسلو والسلام المفقود - هشام ملحم
حلت هذا الشهر الذكرى الأربعون لتوقيع اتفاقات كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل، والذكرى الخامسة والعشرون لتوقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. الآمال التي علقت على كمب ديفيد انحسرت مع مرور السنين. أما أوسلو فقد ادت الى اجتياحات وانتفاضات وتفجيرات واستمرار الاستيطان الاسرائيلي، وجدار عازل وقاتل، وانقسامات عميقة بين الفلسطينيين. السلطة الفلسطينية المنبثقة من أوسلو تعيش على المساعدات الخارجية، وتعتمد اقتصاديا الى حد كبير على اسرائيل. الرئيس محمود عباس بدأ ولايته الاولى في 2005، لكنه لا يزال رئيساً من غير ان يُعاد انتخابه، وهكذا انضم الى جوقة الرؤساء العرب الذين يحتلون مناصبهم مدى الحياة. والسلطة الفلسطينية تحولت متسلّطة لا تتقبّل حتى الحد الأدنى من المعارضة السياسية وتنتهك حريتي التعبير والصحافة، وتفوح من بيروقراطيتها وقياداتها رائحة الفساد النتنة... ويمكن القول إن تعاون السلطة مع اسرائيل أمنيا، قد سهّل على اسرائيل ليس فقط اطالة أمد الاحتلال، ولكن خفض كلفته المالية.

إسرائيل كدولة وكمجتمع منذ أوسلو تسير على طريق اليمين المحافظ والمتعصب ضد الفلسطينيين حيث يدعو خمسون في المئة من الاسرائيليين اليهود الى طرد الفلسطينيين، وفقاً لأحد استطلاعات الرأي. واذا لم تؤدِ التحقيقات القضائية في فضائح بنيامين نتنياهو وعائلته الى اقصائه، فإنه سيصبح قريباً رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي احتل هذا المنصب مدّة أطول من جميع أسلافه. الاصوات السلمية في اسرائيل تغطيها اصوات التعصب الديني الذي حوّل الهوية اليهودية للدولة الهوية الاساسية على حساب هوية مواطنيها العرب وحقوقهم.

اتفاقات كمب ديفيد أدت الى معاهدة سلام بين مصر واسرائيل، ولا يزال هذا السلام فاتراً وحذراً بين شعبين، وسلاماً واقعياً ومنفعياً بين حكومتين. آمال المصريين في أن يؤدي السلام الى تقدم اقتصادي وربما انفتاح سياسي، لم تتحقق، لا بل تراجعت مصر على مختلف الصعد، وازدادت قسوة السلطة على شعبها وانحسر التسامح المصري التقليدي الى ان اختفى تقريبا. مصر التي كانت منذ عصر النهضة وحتى منتصف القرن الماضي قوة اقليمية يحسب حسابها ومركزاً ثقافيّاً تنويريّاً، تعيش الآن في ظل اسرائيل (وحتى إيران وتركيا) وثقافيّاً وفنيّاً تحولت ما يشبه الأرض اليباب. هل كان بإمكان أي مصري قبل بضع سنوات ان يصدق ان اسرائيل تقوم اليوم نيابة عن حكومة مصر بغارات جوية على مواقع الجهاديين والارهابيين الاسلاميين في سيناء؟ هذا بحد ذاته يبين مدى انهيار الدولة المصرية.

هذه الأنماط والاتجاهات السلبية والقاتمة سوف تزداد قسوة وانحطاطاً في ظل حكومة أميركية تؤيد اوتوقراطية النظام المصري، وقد شنّت حرباً اقتصادية وسياسية على الفلسطينيين بهدف تركيعهم أو تجويعهم شملت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقف جميع المساعدات الانسانية والتعليمية للفلسطينيين، مستغلة انهيار الاهتمام العربي بقضية فلسطين، وانشغال دول المشرق بإطفاء حرائقها التي أشعلتها بنفسها.