| | التاريخ: أيلول ٩, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | ما بعد إدلب مرحلة جديدة للحروب في سورية وعليها - باسل الحاج جاسم | في خضم التغيرات التي طرأت على حجم المشكلات والأزمات الإقليمية– الدولية وطبيعتها، بات الكثير من الدول يعيد النظر في قراءة ما يحدث وسيحدث في سورية من جديد، بالإضافة إلى إعادة تقييم أهدافها السياسية اليوم.
المتابع لتسلسل الأحداث على الأرض السورية في الأشهر القليلة الماضية لا يمكنه تجاهل خريطة طريق، أبرز ملامحها اتفاق إقليمي دولي واضح بإنهاء أي عمل عسكري في سورية، مع إيجاد حل لانتشار عشرات آلاف المقاتلين هناك، وهذا يشكل جزءاً من اتفاق روسي– أميركي أيضاً.
الواضح أن موسكو أعطت أنقرة وقتاً كثيراً للتعامل مع ما يجري داخل منطقة خفض التصعيد الوحيدة المتبقية في إدلب، من انتشار لمجموعات مصنفة ضمن قوائم الإرهاب الدولي فيها، ولم تزل الكرة في الملعب التركي، إلا أن الواضح كذلك أن تركيا لا تريد صداماً مباشراً مع تلك المجموعات، على الرغم من أنها مجموعات تقع أيضا ضمن التصنيف التركي للإرهاب.
تريد موسكو حماية قاعدتها العسكرية في حميميم، بتأمين المنطقة المجاورة (اتهمت وزارة الدفاع الروسية جماعات مسلحة في منطقة خفض التصعيد الرابعة بالقيام بعمليات القصف التي تستهدف قاعدتها)، من أجل الانتقال إلى الخطوة التالية في المسار السياسي، بعد إنهاء ملف جبهة النصرة والجماعات الأخرى المشابهة، وهو ما قد يمهد، وفق مصادر كثيرة، لجعل طريق حلب- دمشق الدولي آمناً، بكل ما يحمله ذلك من دلالاتٍ ورسائل اقتصادية سياسية في الوقت ذاته.
تعتبر قمة طهران التي جمعت قادة الدول الضامنة لمحادثات آستانة السورية (روسيا، تركيا، وإيران) في السابع من ايلول سبتمبر الجاري، استمراراً لاجتماعات قادة ثلاثي آستانة، التي بدأت في سوتشي الروسية، لتستضيف بعدها تركيا القمة الثانية. وجاءت الإشارة إلى المحافظة على رابطة آستانة الرسالة الأبرز في هذا الاجتماع، خصوصاً في ظل التوتر الراهن بين واشنطن وأطراف هذه الرابطة، كل على حدة، وما يفرضه هذا التوتر من أزماتٍ على تلك الدول.
تصدر أهمية القمة الثلاثية من توقيتها، سيما بدخول محادثات آستانة مرحلة جديدة، مع بقاء منطقة خفض تصعيد واحدة فقط في إدلب، وللقمة أهمية جوهرية إضافية، أن ثلاثي آستانة ما زال أمامه الكثير في الساحة السورية، خصوصاً في إدلب، التي يخيم الغموض على مصيرها مع استمرار وجود منظمات مصنفة على قائمة الإرهاب فيها، وهو ما يجعلها هدفاً عسكرياً لأكثر من طرف.
بالإضافة إلى مناطق في شمال شرقي سورية، وهي اليوم تحت سيطرة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابياً في تركيا وحلف شمال الأطلسي) تحت غطاء ما يعرف بقوات سورية الديموقراطية، حيث جاء تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هذا السياق بقوله: «الأميركيون يقيمون منشآت لدولة زائفة في شمال شرقي الجمهورية العربية السورية»، ويمكن اعتبار نشر واشنطن منظومة رادارات متطوّرة في أكثر من نقطة هناك قبل أيام خطوة استباقية، كما أن المتحدث الرسمي للخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، قال بوضوح في إعلانه الموعد الرسمي لقمة طهران: «سيبحث قادة الدول الثلاث، التصرّفات الأميركية أخيراً تجاههم وتجاه المنطقة».
على الرغم من تعرّض مسار آستانة السوري، بين أنقرة وموسكو وطهران، لهزّاتٍ عدة أخيراً، فإنه يبقى حاجة مشتركة ثلاثية، تتقاطع في أكثر من جانب مع حاجة سورية– سورية (نظام وفصائل عسكرية معارضة) في شقٍّ منها لوقف التمدّد الانفصالي الاستيطاني الذي تدعمه واشنطن، تحت غطاء محاربة «داعش».
في ظل الغموض الذي يحمله إعلان العقوبات الاقتصادية الأميركية بعد انسحاب الولايات المتحدة من صفقة البرنامج النووي الإيراني، مع الأخذ بعين الاعتبار الموقع الجيوسياسي لإيران وارتباطاتها الإقليمية والدولية، الأمر الذي يجعل عدم إمكان تجاهل مصير كل الملفات ذات الصلة.
المؤكد أن واشنطن لن تترك متنفساً للنظام الحاكم في طهران إذا ما نفذت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بالكامل، بالنظر إلى المجالات التي تطاولها العقوبات، والرئيس الأميركي «البيزنس مان» دونالد ترمب قال وبكل وضوح: «من يتعامل مع إيران لن يستطيع العمل مع الولايات المتحدة»، في رسالة لحلفاء الولايات المتحدة قبل أعدائها.
تُظهر بقية الفاعلين على الساحة انسجاماً سريعاً مع المشهد الجديد، وتمكننا في هذا السياق ملاحظة نقاط تباحث ترامب وبوتين في المسألة السورية خلال قمة هلسنكي، والزيارات المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو، وسيطرة قوات النظام في سورية على المناطق المتاخمة لإسرائيل والأردن.
وأكد سفير إسرائيل لدى موسكو هاري كورين، أن إسرائيل راضية من موقف روسيا إزاء الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية، وأشار كورين إلى أن إسرائيل وروسيا تخوضان مباحثات مكثفة حول هذه القضية، فيما شدد على أن وجود القوات الإيرانية في المنطقة «يستهدف إسرائيل».
بطبيعة الحال قد يعتبر كثيرون، ان كل ذلك لا يعني الشيء الكبير في بلد أنهكته الحرب، لكن قد يكون له دلالات أكبر من أجل فهم طبيعة تغير النوايا والقدرات لدى معظم اللاعبين، ولا سيما السوريين منهم.
لا يمكن عدم ملاحظة التغيرات على الجبهة السورية في الآونة الاخيرة، والواضح أنه كلما تصدرت الأزمة الإيرانية واجهة الأحداث، تتراجع أهمية الملف السوري بالنسبة إلى بعض الأطراف، لكن هذا الكلام قد لا ينطبق إلى حد كبير على روسيا وتركيا.
التعقيد والصعوبات التي تقف أمام تركيا في سورية «الآن»، أنها غير قادرة على تحقيق رؤيتها هناك إلا عبر بوابتي اللاعبين العملاقين أميركا وروســيا، سواء كان ذلك بالصراع أو بالاتفاق، ولم يعد يخفى على أحد الاختلافات الكثيرة بين أنقرة من جهة وموسكو وواشنطن من جهة أخرى، من ناحية طريقة العمل والارتباطات والأولويات.
أجّلت تركيا وروسيا بعض المشكلات في الملف السوري (الانتقال السياسي، وضع المعارضة العسكرية المدعومة تركياً، علاقة موسكو بالامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، وأزمة إدلب)، وتمكنت الدولتان من العمل بشكل «منسجم»، ما أوصل إلى المرحلة الحالية من الحروب في سورية وعليها.
* كاتب سوري
| |
|