| | التاريخ: أيلول ٤, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | من نصدّق عن اقتصاد لبنان "الإيكونوميست" أم "ستاندرد أند بورز"؟ | سلوى بعلبكي
لم يضف التقرير الذي نشرته "الايكونوميست" عن الوضع الاقتصادي جديدا الى ثقافة اللبنانيين الاقتصادية. فما ورد فيه يسمعونه يوميا من زعمائهم السياسيين ومحلليهم الاقتصاديين، لكن السؤال: هل التقرير في مضمونه وتوقيته جهد صحافي لمحرره أو رسالة غير مباشرة من الاوساط الدولية الفاعلة لاثارة الرعب عند المستثمرين ورؤوس الاموال في محاولة الضغط على الحكم والحكومة للسير بتوجهات سياسية أو اقتصادية مطلوبة؟
200 مليار دولار حجم الودائع في المصارف التجارية
اعتاد اقتصاد لبنان كرات النار، فهو عمليا اقتصاد أزمات وحروب منذ 40 عاما، في حين أن احتياط مصرف لبنان بالعملات وموجوداته من الذهب وموجودات المصارف المحلية كفيلة بتحصين الاسواق المالية وسعر صرف العملة، وتزيد قدرة المصارف على تمويل أي استثمار جديد وتحريك الاقتصاد، وتحديدا القطاع العقاري، الذي ركزت عليه "الايكونوميست"، عبر ضخ سيولة جديدة وعد بها حاكم مصرف لبنان في بداية 2019 لتحريك الاسواق العقارية. كذلك تستعد وزارة المال لوضع آلية لدعم الفوائد على القروض السكنية. يضاف الى ذلك السياسة النقدية الحكيمة التي تتبعها حاكمية مصرف لبنان، والتي لولاها لكنا في انهيار مالي محتم، وفق ما تؤكد مصادر مصرفية. فهذه السياسة القائمة على تثبيت سعر الصرف، كفيلة بتأمين تمويل الدولة، والدفاع عن استقرار الليرة ولو بكلفة باهظة (سياسة الفوائد المرتفعة).
وإذا كانت هذه المعادلة تصح حاليا، إلا انها في رأي المصادر ليست سليمة على المدى الطويل، لأن الاقتصاد سيتأثر سلبا بسبب ارتفاع الفوائد التي ستؤثر بدورها على النمو... "لذا نقول دائما إن المركزي والمصارف تساهم في بقاء الوضع مضبوطا، وتمهل الدولة لمعالجة المشكلة الاقتصادية تدريجا، فكلما تحسن الاقتصاد سينعكس ايجابا على الوضع النقدي".
100.7 مليار دولار ودائع المصارف في مصرف لبنان
وإذ نبهت المصادر الى ضرورة الافادة من مؤتمر "سيدر" الذي "شكل بداية مخرج للفخ والدائرة السوداء التي تحيط بالوضع النقدي"، اعتبرت ان المسؤولين يرتكبون "جريمة كبرى اذا لم يبدأوا بالاصلاحات المطلوبة لتحسين الوضع وتفعيل الدورة الاقتصادية بفضل ضخ الاستثمارات، "فالمجتمع الدولي أنار لنا الطريق، والمفروض أن نفيد من هذا المؤتمر ولا نضيع الفرصة".
وفي ظل ما يصدر من تحليلات وتقارير عن الوضعين المالي والاقتصادي، طلب أعضاء لجنة المال جلسة خاصة سيدعو اليها النائب ابرهيم كنعان الاسبوع المقبل، للاستماع الى وزيري المال والاقتصاد ومصرف لبنان وجمعية المصارف حول الوضعين المالي والاقتصادي "لنخرج بالتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بتصوّر واضح وأرقام واضحة وبالاصلاحات المطلوبة وكيفية تنفيذها في المرحلة المقبلة"، وفق ما قال كنعان.
ولكن "القول إن الوضع المالي مستقر في لبنان في المرحلتين الراهنة والمتوسطة، لا يعني اننا بألف خير"، وهو ما تدركه السلطات اللبنانية جيدا. ويؤكد كنعان "أننا بدأنا بالتدقيق المالي والرقابة البرلمانية والنظر في الاعتمادات وضبط الهدر والعجز، خرجنا بـ37 توصية إصلاحية أقرها المجلس النيابي بهيئته العامة، والتزمتها الحكومة بشخص رئيسها، ما يعني اننا وضعنا لبنان ماليا واقتصاديا على الطريق الصحيح، والمطلوب عدم تبني اي نظرية تهدف الى استهدافنا، على غرار ما شهدناه في اليومين الأخيرين، فنحن نعلم تمام المعرفة ان الاصلاح واجب وضرورة، ولكن لن نسمح بـ"خبريات" الانهيار والعزف على هذه النغمة لمآرب سياسية قد تتعدى الحدود اللبنانية، في ضوء ملف النزوح السوري وسواه من الملفات".
وفي رأي كنعان "المطلوب، البدء بشكل حاسم وجدي بتطبيق الاصلاحات، وهو يحتاج الى ارادة سياسية تتبلور من خلال حكومة قادرة ومجلس نيابي يقوم بواجباته الرقابية والتشريعية".
150 % نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي
تقارير متناقضة
في مقابل تقرير "الايكونوميست"، برز تقرير لوكالة "ستاندرد اند بورز" التي أبقت (S&P) تصنيفها الإئتماني للبنان عند (B-/B) مع نظرة مستقبلية مستقرة "تعكس رأيا بأن استمرار تدفقات الإيداع إلى النظام المالي ستبقى كافية لدعم حاجات الاقتراض للحكومة اللبنانية". ولوحت برفع تصنيفها الائتماني للبنان في حال أصبح اطار صنع السياسات في لبنان أكثر ثبوتاً وفعالية، بما يعزز النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ أكثر من توقعاتها الحالية ويحسن انعدام التوازن المالي والخارجي واستدامة المالية العامة.
هذا التناقض حدا بالخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة على القول: "يجب الا نرفض هذه التقارير، وفي الوقت عينه يجب ألا نصدقها، ومن الخطأ الأخذ بتقرير ما والسير به الى النهاية". إلا أنه أكد أن معظم هذه التقارير غير صحيحة، لأنها مرتكزة على ارقام ليست جديدة لأسباب كثيرة... للأسف "كلما كان التقرير سلبي كانت شعبيته أكبر".
والمؤسف أيضا وفق حبيقة أن التقارير "تتجاهل أمرا أساسيا ومهما يتعلق بالوضع السياسي المتعثر الناتج من تقصير السياسيين بتشكيل حكومة جديدة، فيما هناك العديد من المشاريع الخاصة (غير مرتبطة بمشاريع سيدر) غير منفذة وموضوعة في الثلاجة، في انتظار تشكيل الحكومة وتبيان المعطيات الايجابية للسير بها". هذه المشاريع يقدرها حبيقة بنحو حجمها بنحو مليار دولار، وهي "كفيلة بأن تحدث نقلة نوعية في الاقتصاد".
ويعوّل على تشكيل الحكومة لتقلب الاوضاع رأسا على عقب: "استطيع ان اؤكد أن الاوضاع لن تبقى على حالها، وستبدأ فورا الاستثمارات والاقتصاد سينمو تدريجا، شرط أن تكون الحكومة متجانسة".
ويؤثر حبيقة التمييز بين الوضعين الاقتصادي والمالي والوضع النقدي، "فثمة ترابط حقيقي بين الاقتصاد الحقيقي (الصناعة والتجارة والسياحة...) والقطاع المالي (المصارف والتأمين والاسواق المالية) إذ لا يمكن أن ينمو الاقتصاد ويكبر من دون دعم القطاع المالي. أما النقد (الليرة) وإن كان مرتبطا الى حد ما بالاقتصاد، الا أنه يمكن ان يكون هناك نقد صامد واقتصادات متعثرة".
ولا يقتصر هذا الامر على لبنان، "في أميركا مثلا نجد في بعض الاحيان أن الاقتصاد متعثر فيما الدولار قوي وكذلك في أوروبا".
ولكن ما هي عوامل الثقة التي تجعلنا نطمئن الى سعر الصرف؟ يشير حبيقة الى عوامل عدة، أولها أن مصرف لبنان ملتزم بشكل علني وواضح استقرار الليرة ولديه القدرة و"العضلات" القوية للدفاع عن التزامه، وثانيها أن ما حصل في الثمانينيات من انهيار لليرة، والناتج من تصميم "فرق" داخلية وخارجية على اسقاط الليرة لم يعد متاحا، والفرق التي كان لديها القدرة على اسقاط الليرة لم تعد موجودة، والقادرون على ذلك اليوم يريدون المحافظة على الاستقرار في لبنان، "لذا ليس ثمة خوف من انهيار الليرة". | |
|